حجم النص
بقلم:علي حسين الخباز استيقظ فجأة، ووجد نفسه مستلقيا على سرير المستشفى، يتصبب عرقا، ويلهث في نَفَس سريع ومضطرب.. ايقن حينها تماماً، انه اصيب ربما في احدى المعارك، ويبدو انه نزف دما كثيرا، وربما قطعت اشلاء من جسده، وأدرك حينها انه قد يعيش رقدته الأخيرة. جال بنظره حول الغرفة، واذا به يرى وجه أمّه باكياً، قال بنفس متقطع:ـ ماما.. عليك العباس لا تبكي.. تمنى لحظتها أن يقوم من فراشه ليمسح دمعة أمّه، لكنه عجز عن الحراك، سألها ماما: اين أبي؟ انحنت على جسده لتقبله من جبينه: ولدي يا رفعة راسي، والله بيضت وجهي امام الله. حاول ان يتذكر لحظات اصابته، وكيف هو لون المشهد الذي اصيب فيه، بقي شارد الذهن، محاولا ان يجمع شتات افكاره، عساه يتذكر المشهد الاخير من المواجهة، ويسأل نفسه: هل ابليت بلاء حسنا أم اخذوني على حين غفلة؟ هل كانت المواجهة ساخنة؟، ويا ترى من من جماعتي قُتل، ومنْ أصيب؟ يا إلهي.. كم حزين صوت أمي، وهي ترتل بعض آيات القرآن على راسي، وتقرأ بعض الادعية التي تحفظها عن ظهر قلب، وتحمد الله تعالى على سلامة ابنها، أي سلامة يا أم تلك التي تجعلني عاجزا عن مسح دمعة عينيك يا أمي؟ أي سلامة تلك التي تجعلني رقيد فراشي، ولا استطيع اللحاق بمجموعتي وبأصدقائي واخواني؟ كم أنا مشتاق لكم، اين انتم الآن؟ ثم يعود لنفسه.. الله اعلم.. يتمنى الآن ان يعرف عن المعركة الأخيرة والتي اصيب فيها، هل يا ترى كفى ووفى مثلما عاهد الله والوطن والناس؟ فأجابته أمه، وكأنها تسمع ما يدور في رأسه الصغير:ـ أنت كفيت ووفيت، ويعذرك الله والدين والوطن والناس.. فسألها:ـ يعني هل اقدر ان اقوم ثانية؟ هل سأعود مع جماعتي الى القتال؟ أمي عليك الحسين، هل أنا معاق.. هل سأكون صاحب عوق مستديم؟ :ـ ستقوم يا بني، وأنا اقسم اني سأذهب الى الجبهة معك لن اتركك وحدك. :ـ هل ستأتين معي الى ساحة المعركة؟ :ـ نعم يا ابني، سأكون معك اينما تكون، نذر عليّ سأقاتل معك على ساتر واحد.. هم لا يعرفون كيف تقاتل الامهات دفاعاً عن أولادهن.. دار تفكير تيسير لحظتها على فكرة الامهات المقاتلات وهو يبتسم، كيف يستطيع الانسان ان يقاتل وأمّه معه؟ أكيد ستشغله عن القتال، ستربكه.. :ـ يمه.. اسم الله عليك، يمه اتعبت ارتاح اشوية، يضحك في قرارة نفسه، تخيل لو كل مقاتل معه امه، تطبخ، تغسل ملابس المقاتلين، وحين ينام ينام في حضنها.. :ـ الله.. يقول تيسير لهذه الفكرة التي توحي بمعنى المشاركة الروحية، لكنه تذكر مسألة أخرى أكثر عمقاً. :ـ ماما.. هل تعرفين انك كنت معي هناك، كنت معي اينما اذهب تذهبين، كنت الشجرة التي ننام تحت ظلها، وكنت الساتر الذي نقاتل منه، والملجأ الذي يحمينا، كانت كل أم في الجبهة ابتسامة في شفة ابنها، لو انصفهن الاعلام يوما لكتب (الجبهات أمهات)، وعاد لتمتمته ثانية:ـ ماما هل سأقوم فعلاً؟ أم هذا فراش موتي؟ أجابته:ـ الأموات لا يأتون من الجبهات يا بني، قال لها ولدها: اذن لمن انت حزينة يا امي؟ ربما كان هناك حزن آخر يستفز أمّ تيسير؟ جرح آخر يصحي شجوه.. نظرت في وجهي:ـ هل تعرفه؟ هل تعرف ولدي تيسير؟ :ـ نعم أعرفه، وأعرف تيسير، وكل أم تيسير، لكني ادرك الآن أن ثمة أمراً ما يتحرك داخل هذا الشجى العراقي. تيسير يسأل والدته:ـ ماما.. ماذا ستقولين لأبي حين يعود من الجبهة؟ هل ستخبرينه يا أمي بأني تطوعت للقتال دون علمه؟ هل يسامحني يا أمي، أم سيغضب علينا؛ لأننا لم نستأذنه القتال؟ قولي له: ابنك يستميحك عذرا يا أبي، ويقول لك:ـ اعذرني أبي لم أستطع أن أرَ الحسين(عليه السلام) ثانية دون نصير، لم أقدر أن أترك وطنه وحيدا، أخجل حين يسألني الناس: أين أبوك؟ أأقول لهم: هو في الجبهة يقاتل، وانا انام في حضن بيت، انعم بالدفء والشبع، وابي في العراء يواجه الغزاة؟ لا يا أبي.. كان من الانصاف ان اقاتل أنا وأنت تجلس بالدار هيبة ترعى بها أمي وأخواتي، ويعود لأمه يسألها:ـ ماما.. هل يا ترى سيسامحني يا أمي؟ قالت له أمه وهي تمسح دمعتها: لا تقلق.. فأبوك سبقك الى الجنة يا ولدي.
أقرأ ايضاً
- الانشطار الأميبي والانشطار الحزبي.. والجبهات الجديده
- الجبهات الاربعة للهجوم على الصهاينة
- تغيير الجبهات، لاستعادة الهيمنة، ام لأحباط النصر؟