حجم النص
حسن كاظم الفتال تنهدت كثيرا وتنفست الصعداء حين اعتليت بمخيلتي ربوة شاهقة من ربوات الإمتحان الصعب لأُخيِّر نفسي بين التنكر للنور المتوقد الذي وُجِدَ لملازمتي لينير لي الدرب وبين ملازمة الظلام الذي يوجده الجهل ليخلف العمى. بين أن أهجر الأدب والثقافة والكتابة وأمزق أو أحرق كل كتاب أو صحيفة أو ورقة أمتلكها مما اقتنيته باقتطاعٍ ثمنِه من قوت يومي لظني بأنني سأتوفر على ثقافة متبلورة تلهمني وعيا وتزيد مخيلتي توهجا ولعلها تكسبني أصدقاء أوفياء محصنين بثقافة ووعي رصينين. وبين أن أرمي قلمي جانبا وأتخلص من مصاحبته لي أو على الأقل أخبئه في جيبي لأستله أحيانا لتدوين أسماء الأصدقاء الجدد أو لكتابة بعض الحاجيات المطلوبة مني جلبها من السوق كي لا أنسى. خُيِّرت بين أن أصنع هذا أو أن أدع كل شيء على حاله وأتحول بتفكيري من مرحلة التشخيص وإظهار الحقائق التي تحجبها مصالح معينة وأنتقل إلى مرحلة المساومة والمجاملة فأساوم وأحابي وأجامل لأرضي من يتظاهر بالتودد لي لكنه يلوح لي بإيماءات معينة بأنه قادر على حرماني من أبسط الحقوق فيسعى للجمي ليخرسني ويفقأ عين بصيرتي ويطفئ وهج معرفتي ويوقر أذن وعيي بوعظه ونصحه المصطنع. فيسوقني بناعم لسانه إلى سلوك سبيل لا يسلكه إلا من هم.(صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) ـ البقرة / 18 عند ذاك أكون في غاية التأهب لخلع كل جلباب ألبستنيه القيم والمبادئ التي ورثتها من مجتمع فاضل وبيئة دينية حقة من تلك التي يحسب البعض أن لا قيمة لها في هذا الزمن. من أولئك الذين يؤمنون كثيرا بأن الوقوف على التل أسلم. والتزلف والتملق وحيازة المكاسب أو المناصب أّغنم. لعل أصعب ما يتعرض له الكاتب أو المثقف أن يقف متحيرا بين أن يعتصم بمبادئه اعتصاما شديدا حادا ويركل كل المناوئين لصوت الحق والمطبلين للباطل أو المشوهين صور الحقيقة. وبين أن أستجيب للمتصيدين بالمياه العكرة المستغلين والانتهازيين المنتفعين وأنحاز لقناعاتهم الباطلة وأتزلف لهم خانعا. كلا سأرفض كل الرفض حتى وإن اجمع بذلك أكثر عدد من الخصوم والأضداد من أولئك الذين يقتنصون الفرص ليغتنموها على حساب شيوع الباطل ودمغ الحق. طال وقوفي على شرفات التأمل منتظرا مرور زمن التخبط لعله ينقضي لأحظى بمتفهم منصف واعٍ بصير يرفع عن كاهلي ما يلصقه الفوضويون أو من ينتفع من تواجدهم من تهم عناوينها (الغيبة) أو (خلي الناس تعيش) أو (بس ينتقد) ظنا منهم بأن ما أشخصه يحسبه الآخرون أو بالأحرى المتضررون من النقد يحسبونه (نقدا هداما) وليس توجيها أو تقويما. فالتشخيص يعني الترصد للناس ومراقبتهم وهي (حرام) والتصويب يعني (انتقاد) وهو يخدش مشاعر الخطائين والتصحيح يعني (انتقاصا) من الآخرين. وهذا ما دعاني أن أسائل نفسي لا مع الآخرين: وأقول: يحسبني الناس إعلاميا والإعلام مهمته التشخيص والإستقصاء والنقد والتوجيه والتقويم والدعوة إلى التصحيح. ترى ماذا أفعل أنا ؟ هل أطاوع من يريد لجمي وأهجر يراعي وأوراقي ؟. أم أعتصم بهما خير اعتصام ؟. واخترت الأصعب ولكنه الأسلم بالنسبة لي! إذن. فليهجرني من يريد أن يهجر فلا استوحش قطع الطريق فيراعي يطمئنني أنه سيشد عضدي فهو لم يفارقني يوما منذ عقود من الزمن ورغم كل ما مررت به من مواقف وظروف وتحديات قاسية. حتى حين كاد في مناسبات كثيرة يحجب عني ما استحق نيله وحرمت من الحقوق بسبب استقامة هذا القلم ونقائه وصفائه.رغم ذلك أظل ممتنا له على هذه الملازمة والمصاحبة وأشرك بذلك حاسوبي الإلكتروني الذي لم أجد مثله مطيعا وصاحبا وعضيدا فبه دونت صداقة اليراع والورق