- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
أمريكا والسعودية .. انتهاء شهر العسل
حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ تحت هامش قانون جاستا "العدالة ضد رعاة الإرهاب" لايضيف المراقب شيئا بالقول: انه خريف العلاقات الأمريكية / السعودية والتي وصفت يوما ما بالإستراتيجية والتاريخية والممتدة منذ 70 سنة خلت، ولكن ليس هنالك عداوات أو صداقات دائمة فالولايات المتحدة لها أولوياتها المتمثلة في مصالحها الجيوستراتيجية وسلامة أمنها القومي وامن رعاياها وليس مصادفة أن تتقلب أمريكا ذات اليمين وذات اليسار وفق تلك الأولويات التي يعدها المشرِّع الأمريكي خطوطا حمرا ويبدو أن حلفاء أمريكا الإقليميين لم يستوعبوا الدروس السابقة التي تمخضت عن تلك التحالفات وفي ذروة احتدام الحرب الباردة والظروف المعقدة للمنطقة كشاه إيران الذي قذفته أمريكا كفأر ميت ـ حسب قوله ـ غداة طرده إلى منفاه وصدام حسين الذي رمته أمريكا في حفرة بائسة وكلاهما لعبا دور شرطي المنطقة ، وعليه لم يكن مستغربا انتهاء شهر العسل الأمريكي السعودي الطويل هذه النهاية الدراماتيكية الصادمة للسعوديين الذين لم يعتقدوا أن أمريكا ستدير لهم ظهرها في يوم ما نظرا للمصالح الإستراتيجية والتاريخية المشتركة بينهما. ولكن الدور السعودي قد انحسر خاصة بعد الاتفاق النووي المنجز مابين إيران ودول (خمسة + واحد) وعلى رأسهم أمريكا وهو اتفاق كشف حسب وجهة نظر السعوديين عن نية أمريكا في البحث عن "وجوه"جديدة بعد أن أصبحت السعودية وشقيقاتها عبئا ثقيلا عليها ولهذا جاء إجماع الكونكَرس بمجلسيه على رفض الفيتو الرئاسي المضروب حول مشروع قانون مقاضاة ذوي ضحايا أحداث 11 سبتمبر 2001 السعودية وتعويضهم ماديا واعتباريا وبعد 15 سنة من الحادثة التي غيرت خارطة الاهتمامات الأمريكية في الشرق الأوسط وقلبت الكثير من موازين التحالفات خاصة القديمة منها وهو ممايدل على فاعلية الرأي العام الأمريكي ونجاح ضغوطاته على المشرّع الأمريكي الذي انكشفت لديه عورة الحليف القديم لأمريكا (السعودية) وتماديه المستمر في تغذية مصادر الإرهاب المستطير شره ليس في الشرق الأوسط فقط بل وفي عموم العالم وفي عقر دار الولايات المتحدة نفسها تمويلا وتجنيدا وإدامة زخم الماكنة الإرهابية عبر تسخير (البترودولار) في تغذية إمكاناتها المادية والإعلامية والفتوائية الجبارة وهو ما كشفت عنه سلسلة الأحداث الإرهابية التي حدثت ومازالت تحدث في كل مكان وزمان ناهيك عن مسلسل الإجرام الداعشي في العراق وسوريا واليمن وليبيا وغيرها من المناطق التي طالتها مخالب الإرهاب الوهابي وهي العمود الفقري للسياسة السعودية الخارجية. ومن الطبيعي أن يكون رد السعودية عنيفا ومليئا بالامتعاض والمرارة والمفاجأة الصادمة من حليف قديم ومهم كالولايات المتحدة وقد أدركت السعودية أنها لم تعد الحليف الشرق أوسطي المرغوب فيه والموثوق به بعد أن كانت الدجاجة التي تبيض ذهبا وها هي في "قفص" الاتهام وفي ظل أزمة مالية طاحنة فالسعودية وبسبب سياساتها الإجرامية ضد دول المنطقة، ودورها في نشر الإرهاب في العالم، وشنها الحروب المدمرة في أكثر من مكان، فهي ولأول مرة تعاني عجزا ماليا كبيرا في موازنتها قدر بـ 88 مليار دولار لهذا العام، مما دعا ملك السعودية إلى إعلان حالة التقشف، وهو ما يشير إلى أن التعويضات المقترحة التي تقدر بمليارات الدولارات وبموجب هذا القانون ستستقطع من الصندوق السيادي السعودي الذي يدخر الأموال في الولايات المتحدة. وكان مجمل الرد السعودي عبارة عن تراشقات إعلامية هستيرية حاولت مرة أن تضع نفسها في دائرة "المغدور" بهم أمريكيا والمعتدى على سيادتها ضمن الشعوب المغلوبة على أمرها والتي ليس بيدها حول ولاقوة سوى تحشيد الرأي العام للدول الدائرة في فلكها من اجل قضيتها، وحاولت تلك التراشقات أن تضع السعودية في خندق الدول الرافضة للسياسة الأمريكية "المتغطرسة" في العالم الثالث وخاصة دول الخليج العربية التي تضامنت مع "الشقيقة" الكبرى التي راحت ولأول مرة في تاريخها تتكلم عن نظرية المؤامرة ونكران "الجميل" وعن "التداعيات" الخطيرة المترتبة أمريكيا عن هذا القانون وسلسلة الردود المستقبلية الغاضبة للسعودية و"ترسانة" الوسائل التي ستتخذها لرد اعتبارها كون هذا القانون قد أساء لدولة إسلامية كبيرة تعتبر نفسها مركز العالم الإسلامي وراحت تطالب بالدليل على ضلوعها في أحداث 11 سبتمبر وقد كان 15 من أصل 19 إرهابيا من منفذي هجمات 11 سبتمبر يحملون الجنسية السعودية تلقى بعضهم دعماً من أحد المسؤولين السعوديين، وهو مما أتاح تمرير القانون. من جانب آخر عدت الدول المتضررة من شر الوهابية هذا القانون ـ وان كان في الظاهر يعتبر صحوة ضمير أمريكية متأخرة وجاء لطمأنة الرأي العام الأمريكي خاصة ذوي الضحايا ـ بداية النهاية للغطرسة الوهابية والامتداد الأصولي التكفيري وأفول أهم الدول الداعمة للمد الإرهابي. ولم يفت الإعلام السعودي أن يستغل الاتفاق النووي الإيراني الأمريكي منطلقا من فوبيا إيران ليشن حملة إعلامية غير مسبوقة متهما كلا الطرفين بالتآمر ضد السعودية، وان الولايات المتحدة تجاوزت كثيرا القانون الدولي والأعراف الدولية وطعنت بسيادة وحصانة السعودية لاسيما وان قانون جاستا يهدف إلى السماح للمحاكم الأمريكية في بسط ولايتها القضائية على سيادة دول أخرى، وذلك بالسماح للأهالي بإقامة الدعاوى والحصول على التعويضات المالية المناسبة ويشمل هذا الكلام السعودية. وأقول: بعد التي واللتيا وبعد أن وصل خطر الإرهاب إلى متون قارة العم سام وبات يهدد بشكل مباشر الأمن القومي الأمريكي ويمرغ هيبة أمريكا بالوحل وبعد أن دفع الآلاف من الأبرياء حياتهم ثمنا على مذبح المصالح الأمريكية الحيوية المشتركة مع دولة يشكل دعمها للإرهاب ماركة مسجلة كدولة إرهابية منذ تأسيسها ولحد الآن حينئذ يصبح الحديث عن إدامة تلك العلاقات والمصالح ضربا من الجنون. كاتب عراقي
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً