حجم النص
بقلم:ثامر الحجامي ما إن يطل علينا شهر محرم, حتى تستعد القلوب الحسينية, والنفوس العاشقة لأهل البيت ع, بإظهار الحزن والمواساة, والبكاء على الحسين وال بيته ع, الذين وردت فيهم النصوص الشريفة, بان الحزن وذرف الدموع وحرقة القلب, هي من المستحبات, التي ينبغي للإنسان المؤمن أن يمارسها, تعبيرا عن ولائه وانتمائه لآل البيت ع. قد يتهم البعض, الذين يبكون على الحسين وال بيته ع, بأنهم انهزاميون, يحاولون الهروب من الواقع, وإنهم يجب أن لا يعيشوا, حالة الانكسار والضعف, وانه لا يراد للإنسان, أن يكون حزينا, بل يجب أن يعيش, حالة السعادة والفرح, كما حول النصارى يوم صلب المسيح الى عيد لهم, ولكن نسوا إن البكاء على الحسين عليه السلام, فيه مدلولات كثيرة غير ذلك, فهناك فرق بين دمعة المنكسر والانهزامي, وبين دمعة من يريد, أن يغير واقعه وحياته. فالدمعة تمثل, حالة من حالات تطهير الروح ورقة القلب, فهناك إنسان يتفاعل مع ما يحيط به, ويتأثر بقضايا الآخرين, كونه يمتلك عاطفة ورقة قلب, بالعكس من آخر, لا يتفاعل مع كل ذلك, كونه قاسي القلب, وهي من الصفات التي ذمها القران الكريم, (ثم قست قلوبكم فهي كالحجارة أو اشد قسوة). ولولا الدمعة, لما وصلت لنا, ثورة الإمام الحسين ع بأدق تفاصيلها, ولمحيت آثار معركة الطف, التي ارتكبت بحق آل البيت ع, بل ظل الشيعة ملتزمين, بذكر ما دار من أحداث هذه الجريمة النكراء, رغم تعاقب الحكام الجائرين عليهم, على مر العقود, معبرين عن رفضهم للظلم والطغيان, وانتصارهم للحق ولو بالدمعة. ومثل البكاء لشيعة آل البيت ع, حصنا تحصنوا به من إغراءات الحكام وضغوطهم, التي مورست عليهم على مر التاريخ, وظلوا متعاطفين مع قضية الحسين ع, ومصطفين مع مبادئ ثورته, وواقفين بالضد ممن حاربوه, وكل من كان يمثلهم, فهم من خلال هذه الدمعة, أعلنوا الولاء لآل البيت, والبراءة من أعدائهم. وعلى مر التاريخ, كان البكاء على الإمام الحسين, ع يمثل حالة تعبوية للشيعة, للوقوف بوجه الظلم والتحديات, التي تعرضوا لها, وهي أصل كل الثورات والانتفاضات, التي قاموا بها ضد الحكام الجائرين, فمن دمعتهم كانوا يستلهمون القوة والشجاعة, ويستحضرون مبادئ الحسين وثورته, وما حصل من اندفاعهم وتزاحمهم, للجهاد ضد داعش والتكفيريين, حين دعتهم المرجعية للجهاد الكفائي, إلا نتاج لهذه الدمعة وهذا الارتباط, مع قضية الحسين ع. من كل ما تقدم, نجد ان الدمعة والبكاء على الحسين ع, لم تمثل يوما حالة الانكسار أو الضعف, وإنما مثلت حالة التعاطف الوجداني والقلبي مع المظلومين, والوقوف بوجه الظالمين, وحفظت تاريخ ملحمة لم تندثر, رغم كل المحاولات لطمسها, وأعطت دروسا وعبر لكل الثائرين, بوجه الظلم والطغيان.