حجم النص
بقلم: نــــــــزار حيدر في أَخطر تحذيرٍ يُطلقهُ الخطاب المرجعي لحدّ الآن بشأن موضوع الإصلاح والحرب على الفساد، اعتبر خطيب العتبة الحسينيّة المقدّسة في مدينة كربلاء المقدّسة اليوم سماحة السّيد أحمد الصّافي، ان الواقع لم يشهد تحقيق شيء واضح على هذا الصّعيد، قائلاً: [في العام الماضي وعلى مدى عدّة أشهر طالبنا في خُطب الجمعة السّلطات الثّلاث وجميع الجهات المسؤولة بأن يتّخذوا خطواتٍ جادّة في مسيرة الإصلاح الحقيقيّ وتحقيق العدالة الاجتماعيّة ومكافحة الفساد وملاحقة كبار الفاسدين والمفسدين، ولكن انقضى العام ولم يتحقّق شيءٌ واضح على أرض الواقع]. مضيفا؛ [هذا أمرٌ يدعو للأسف الشّديد ولا نُزيد على هذا الكلام في الوقت الحاضر]. لقد اثبت الخطاب المرجعي؛ أولاً؛ انّ المرجعيّة الدّينية العليا تُراقب الامور عن كثب وتقيّم الحالات بدقّة، وهي عندما تكرّر حديثها عن أَمرٍ ما انّما عن بصيرةٍ بالواقع وليس جُزافاً لانّها لا تُريدُ ان تظلمَ احدٌ. وانّ من يتصوّر انّها تنسى او تغفل فهو واهمٌ، فمرور الزَمن لا يُنسيها اولويّاتها وتعدّد التحدّيات لا يُشغلها عن اولويّاتها، ولذلك لا ينبغي لاحدٍ ان يستغلّ حكمتها وتروّيها وحذرها في التّعامل مع الامور بسبب حراجة الظّروف الأمنيّة الخطيرة وتكالب الأعداء على البلاد سواء من الدّاخل او من الخارج، لا ينبغي لاحدٍ ان يستغلّ كلّ هذا للتهرّب من مسؤوليّاته الحقيقيّة واستحقاقات المرحلة. صحيحٌ انّهُ ليس من طبيعة الخطاب المرجعي التدخّل في الجزئيّات والتّفاصيل، كما انّهُ ليس من طبيعتهِ التدخّل لتحمّل مسؤوليات الآخرين، ولكن، وفي نفس الوقت، ليس من طبيعتهِ النّسيان او التّناسي، ابداً، خاصَّةً عندما يشعر انّ هناك من يحاول توظيف عنصر الوقت للتهرّب من المسؤولية وتمييع واجباتهِ وتضييع حقوق النّاس، فاذا أشَّر الخطاب المرجعي على مشكلةٍ فسيظل يُتابعها بالتي هي احسن الى حينٍ، وبعد ذلك سيغيّر لهجتهِ وادواتهِ بشكلٍ آخر، ولمن يشكّ في هذا الكلام أُحيلهُ الى حالاتٍ سابقةٍ مضت، فعندما طالب الخطاب المرجعي بالتغيير في الانتخابات البرلمانيّة الاخيرة، لم يشأ الإدلاء بأكثر من هذه العبارة، وتمنّى ان يكون فيها {لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} لتحقيق المطلوب! ولكنّهُ عندما رأى المعنيِّ بالرؤية يتغابى ويتجاهل مُتشبّثاً بموقعهِ تشبّث الطفل الصَّغير بلعبتهِ المفضّلة، مُحاولاً توظيف المصطلح بطريقةٍ بهلوانيّة الغرض منها خدمة أجنداتهِِ الخاصّة وما يُملى عليه، صعَّد الخطاب المرجعي من لهجتهِ ليرى المعنيّ به نَفْسَهُ خارج الحلبة بضربةٍ قاضيةٍ، بينما كان مشغولٌ بالرّهان وقتها على عدم تدخّل المرجعيّة بالجزئيّات والتفاصيل! اذ يرى كلّ المراقبين انّ من المستحيل عليه النّهوض منها، على الرّغم من كلّ الدّعم (الدّيني) والمالي والسّياسي والدبلوماسي الذي يتلقّاه من وراء الحدود، وعلى الرّغم من سعيه الحثيث لتوظيف انتصارات بهلوانيّة وتشبّثهِ بعنوانهِ!. اتمنّى على المعنيّين في الحرب على الفساد، وبلا استثناء، استيعاب هذا الكلام فلا تذهبنّ بهم الأحلام بعيداً ولا يخدعنّهم الشيطان بمعسولِ الكلام وحلو الأماني، وليطمئنّوا بانّ المرجعيّة لن تنسى مها طال الزّمن، فالمبادرة الجديّة من تلقاء أنفسهم لتحقيق الإصلاح ضمن الخطوط العامّة التي حدّدها الخطاب المرجعي العام الماضي، أفضل لهم وللبلد وللمجتمع من ان يضطرّ الخطاب المرجعي للإدلاء بأكثر من ذلك، فعندها {فَنَادَوا وَّلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ}. ثانياً؛ لازال الخطاب المرجعي يعتبر الحرب على الارهاب والحرب على الفساد من الاولويات القُصوى بالنسبة للعراق والعراقيين، ولذلك تراهُ يكرر الحديث عن كلّ ما يرتبط بهذين الحربين بغضّ النّظر عن كلّ التّطورات التي قد تشهدها السّاحة والمنطقة من اسبوع لآخر. لذلك ينبغي على العراقييّن ان لا يُشغلوا أنفسهم بأيِّ شيء آخر غير هتين الحربين، وان لا ينجرّوا الى الفِخاخ التي ينصبها هذا الطّرف الإقليمي او ذاك الدّولي لهم لاشغالِهم عن أولويّاتهم. ينبغي على العراقيّين ان ينتبهوا من أَجل ان لا يبتلِعوا طُعم الآخرين ممّن يبذلون جهوداً كبيرة جداً ويوظّفون (عناوينهم) في الدّاخل لدفعهم للاصطفاف خلفَ أجنداتهم السّياسية الخاصة وبالتالي لتحويلهم الى خندقٍ يدفعون به البلاء عن أنفسهم على حساب الدّم العراقي والسيادة العراقية وعلى حساب خصوصيّاتنا وعلى حساب أولويّاتنا. اتمنّى على كلّ العراقيّين اتّباع الخطاب المرجعي في تحديد الاولويّات والتمسّك بها {اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّهِ} فانّ في ذلك فرصة يحقّق بها العراقيّون تميّزهم وهويّتهم الوطنيّة وشخصيَّتهم المستقلّة. ثالثاً؛ يُحاول بعض المعنيّين الاتّجار بما أُنجز لحدّ الان على مستوى الحرب على الارهاب، فيما يحاول العراقيّون من جانبهم الاقتناع بالأدلّة والارقام التي يسوقونها هؤلاء التجّار للتّدليل على صحّة إنجاز ما حصل وتقدّم ما تحقّق على صعيد الحرب على الاٍرهاب. امّا الخطاب المرجعي اليوم، فلقد اشار ومن دون تفاصيل الى انّ الواقع لم يشهد تحقيق شيء ملموس على الرّغم من مرور عام على مشروع الإصلاح. هذا يعني انّ الخطاب المرجعي يعتبر انّ المدّة التي منحها العراقيّون للمشروع الاصلاحي كافية لتحقيق الشّيء الحقيقي المطلوب والذي كان يجب ان ينتهي الى تحقيق العدالة الاجتماعيّة. بمعنى آخر فانّ ما أُنجز لحدّ الان لم يحقّق هذا الهدف الاستراتيجي والذي انطلقت من اجلهِ الحرب على الفساد، وان كل ما تحقّق لحدّ الان ليس اكثر من إصلاحات هامشيّة لا ترقى الى مستوى الطّموح بل حتى انّهُ لا يستحق الذّكر فضلاً عن الثّناء ولذلك لم يأتِ على ذكره الخطاب المرجعي لشدّة تواضع المنجَز. فما الذي يريدهُ الخطاب المرجعي؟ ما الذي يريده ان يتحقق؟!. اذا أعدنا قراءة الخطاب المرجعي خلال العام الماضي والمتعلّق بالحرب على الارهاب، فسنعرف ما الذي يريدهُ ان يتحقّق، فدعوتهُ بالضّرب بيدٍ من حديدٍ على رؤوس كبار الفاسدين والمفسدين يعني انّهُ كان ينتظر، كأيّ مواطنٍ آخر، ان يرى (عجلاً سميناً) واحداً على الأقل خلف القُضبان. ليس من المعقول ابداً ان يمرّ عامٌ كاملٌ على انطلاق المشروع الاصلاحي والحرب على الفساد من دون ان يُقَدَّم حتى مُفسِدٌ واحِدٌ للقضاء!. كذلك؛ ليس من المعقول ابداً ان يمرّ عامٌ كاملٌ على المشروع الاصلاحي من دون ان يتمّ تطهير ذراع هذه الحرب التي يصول بها المعنيّون، وأَقصد به القضاء، من كبار الفاسدين والمفسدين!. لقد حان الوقت لتطهير القضاء من الفاسدين فوراً ليتسنّى تنفيذ المشروع الاصلاحي بشكلٍ سليم، فآلة الإصلاح قضاءٌ نزيه. لم يعُد امام المعنيّين في الحرب على الارهاب، بعد الخطاب المرجعي اليوم، ايّة فرصة لتبرير العجز او الفشل او التّهرب من المسؤولية. E-mail: nhaidar@hotmail. com