حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ الذين أطلقوا شعار داعش سيئ الصيت (دولة الخلافة باقية وتتمدد) لم يكونوا بمنأى او معزل عن العوامل والظروف الإقليمية والدولية التي جعلتهم مستعدين كل الاستعداد لهذا التمدد والبقاء، بعد ان استحوذوا على مساحات شاسعة من سوريا والعراق فخلال سنة توسعت رقعة وجود التنظيم فيهما فبات يسيطر على حوالي نصف الاراضي السورية وثلث الاراضي العراقية، وعلى مساحة إجمالية تقارب 195 الف كيلومتر مربع تمتد من حلب (شمال سوريا) الى ديالى (شمال شرق العراق) وكونوا "دولة" دخلت عامها الثاني وعلى رقعة جغرافية تعد كبيرة بالمقاييس الجيوبوليتيكية للكثير من دول المنطقة، ومما ساعد على هذا "التمدد" التناقض الواضح والملموس في تعاطي الأجندات والاستراتيجيات الدولية مع هذا الملف وتبعثر الجهود الدولية والإقليمية بهذا الخصوص، فالجهود الدولية تتمركز حول محورين أساسيين الاول محور أمريكا وحلفائها او مايسمى بالتحالف الستيني والمحور الثاني هو التحالف الروسي وحلفاء روسيا الإقليميون في المنطقة وكلا المحورين (الأمريكي والروسي) له أجنداته ورؤيته الإستراتيجية الخاصة والنابعة من منظومة المصالح المترتبة عن حقبة الحرب الباردة وأولوياتها في الشرق الاوسط والمخاوف على الامن القومي سواء تلك النابعة من البيت الابيض او من الكرملين فكل محور من هذه المحاور يوظف هذا الملف وغيره في خدمة تلك المصالح وضمان سلامة أمنه القومي. فلم يعد سرا البرود الواضح للولايات المتحدة والنكوص المتعمد في معالجة تنامي وتمدد تنظيم داعش الإرهابي انطلاقا من بؤرته التي زرعها في قلب الشرق الاوسط (العراق وسوريا) والى كافة انحاء العالم مستغلا موقعه الإستراتيجي الحساس من جهة والمتاخم للدول التي تقدم له التسهيلات والدعم اللوجستي والتكتيكي كالسعودية وقطر وتركيا من جهة ثانية يقابله "الحماس" الجاد لروسيا في القضاء على هذا التنظيم قضاء مبرما ونهائيا والتخلص من حواضنه وتوابعه وامتداداته الأخطبوطية، بينما ترى الولايات المتحدة استحالة ذلك على المدى المنظور اذ يرى الرئيس اوباما صاحب نظرية احتواء داعش التدريحي (غير المستعجل)، بان الأجدى هو احتواؤه تدريجيا وبسقف زمني قد يمتد لأزيد من خمس سنوات الى ان يتم القضاء عليه نهائيا ولكن المعطيات على الارض انطلاقا من الشرق الاوسط وشمال إفريقيا ووصولا الى قلب الولايات المتحدة نفسها ومرورا بأوربا واستراليا تؤكد فشل هذه النظرية الذريع وعدم جدواها في كبح جماح الغول الداعشي الممتد عبر القارات السبع والذي صار لايتوانى عن الضرب والشروع في تهديد اكثر الدول امنا وقدرةً بوليسيةً ومخابراتيةً على مجابهة الإرهاب كالولايات المتحدة وفرنسا ودول اوربا الاخرى، فضلا عن الدول ذات الخواصر الرخوة كالعراق وسوريا ولبنان وليبيا واليمن وتونس ومصر وهي دول عانت ماعانت من التوحش الداعشي اكثر من غيرها . وانطلاقا من الرؤية الستراتيجية لروسيا فإنها تعتبر هي الأقرب لمعطيات الواقع ومخرجاته وان كنا لانستبعد "الحرص" الروسي في القضاء المبرمج على داعش وبسقوف زمنية معقولة وعدم تركه ليتشاطر ويتكاثر اميبيا ويهدد الامن والسلم الدوليين ومن زاوية تهديده للأمن القومي الروسي ذاته كون روسيا مازالت تشكو من رواسب حرب أفغانستان التي تورط بها الاتحاد السوفياتي السابق وعلى خلفية تشكيل تنظيم القاعدة على يد المخابرات السعودية والباكستانية والأمريكية لمقاومة التواجد السوفياتي، وهذا التنظيم الام لداعش استقطب الآلاف من اصول روسية كالقوقاز والشيشان وهؤلاء مازالوا يعرّضون الامن القومي الروسي للخطر بعد ان استقطبهم داعش للـ"جهاد" في مايسمى بالدولة الاسلامية في العراق والشام كما ويشكلون سببا رئيسيا للاندفاع الروسي في هذا المضمار ناهيك عن حزمة المصالح الروسية التي تستميت موسكو للحفاظ عليها بشق الأنفس ومنها قاعدتها في طرطوس في سوريا، في حين ان الولايات المتحدة لاتعتبر داعش يشكل خطرا على امنها القومي او على مصالحها الشرق أوسطية فهي ـ اي الولايات المتحدة ـ إما تسبح عكس التيار العالمي او انها تعد العدة لسايكس بيكو جديدة يكون فيها داعش بيدقا في تحريك خيوط اللعبة ورسم خارطة طريق استباقية لشرق اوسط جديد وفق الرؤية الأمريكية وبسيناريوهات مخابراتية صارت حاليا هي الاقرب لتفسير برود امريكا وعدم جديتها في الحرب على داعش. اما الجهود الإقليمية المبذولة للقضاء على داعش فهي بالكاد تنحصر في الدول الاكثر تضررا منه كالعراق الذي يعد الخندق الامامي في هذه الحرب، وسوريا او الدول التي يقع خطر داعش على تخومها كإيران وهذه الدول تتفق رؤيتها مع رؤية روسيا في ضرورة القضاء التام والمباشر على داعش وبكل السبل المتاحة، وبدرجة ثانية بعض دول الخليج العربية كالكويت، ونستنتج مماتقدم ان داعش استغل عدة امور منها داخلية كهشاشة الأوضاع السياسية في العراق وسوريا والتازيم والاستقطاب الطائفي فيهما، ومنها خارجية ـ كما تقدم انفا ـ في عدم وجود انسجام أممي يشكل خارطة طريق موحدة للقضاء على هذا الكيان السرطاني القروسطي المتوحش بتضافر جميع الجهود لجميع الدول التي من الممكن ان تصل اليها انياب داعش الذي اعلن اكثر من مرة بان جميع دول العالم هو ضمن مجاله الحيوي وبحسب التصنيف التكفيري الداعشي للناس فهذا التصنيف يشمل جميع الناس على الكرة الارضية لامحالة. وسبب فشل سياسة الاحتواء الامريكية أن هذه السياسة قد عفا عنها الزمن كونها صارت من كلاسيكيات الحرب الباردة كان قد صاغها وبلورها المؤرخ والدبلوماسي الأمريكي جورج كينان على هامش هذه الحرب، وهي نظرية تعتبر اليوم بطيئة التأثير وضعيفة المفعول وهامشية الجدوى وقد استهلكت مضامينها الكلاسيكية،اعاد بعث الروح فيها ثعلب الدبلوماسية الأمريكية هنري كيسنجر صاحب نظرية الاحتواء المزدوج لكل من العراق وإيران ابان حرب الخليج الاولى في عقد الثمانينيات من القرن المنصرم. واقول: ان الرئيس الفرنسي هولاند الذي "انكوت" بلاده بنار داعش، كان اقرب الى الواقعية من نظيره اوباما حين دعا الى إستراتيجية جديدة تدمر داعش وتنهي وجوده وتجتز جذوره وبيد من حديد وليست عن طريق إستراتيجية الاحتواء التي دعا اليها اوباما كوسيلة تؤدي الى ذلك عن طريق ستراتيجية (الصبر) وطول النفس!!!! اوباما الذي مازال يدعي (أن بلاده حققت تقدما في التصدي لموجة تجنيد الأجانب للانضمام للتنظيم، وقد تم "احتواؤه" وقد بات غير قادر على التوسع في سوريا والعراق) يبدو انه يتغافل عن ان داعش صار يبيِّت لـ 11/ سبتمبر اخر في عقر الولايات المتحدة بعد ان جرب حظه في باريس ونجح. كاتب عراقي
أقرأ ايضاً
- لولا السلاح (الفلاني) لما تحقق النصر على داعش في العراق
- مَن يرعى داعش في العراق؟
- علاوي يكشف لأول مرة مجموعة من الاسرار بشأن داعش