- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الكِتابَةُ..حَلاًّ (٤) والاخيرة
حجم النص
نــــــــــزار حيدر يبقى ان أُشير الى فكرة في غاية الاهمية، الا وهي؛ ان كثيراً من الناس يواجهون الكاتب بالاحباط كقولهم؛ وهل ترى ان المسؤول يقرأ ما تكتب؟. هل تعتقد ان كتاباتك تنفع في الساحة؟. لماذا تصرف وقتك في الكتابة وانت تعلم مسبقاً ان لا احد يقرأها؟ واذا قراها فلا يستفيد منها؟ واذا استفاد منها لا يقدر على التغيير؟. وأمثال هذا النوع من الكلام المثبّط والذي يبعث على اليأس والغثيان!. اولاً؛ وقبل كلّ شيء، فان من يتعامل مع القلم كمسؤولية شرعية ووطنية واخلاقية لا يلتفت الى هذا النوع من الكلام المحبِط والذي يعبّر عن موقف اليائس من التغيير والمستسلم للتخلّف، او على الأقل موقف من لا يريد ان يتغيّر فيغيّر، وهو موقف تاريخي واجهه حتى الرسل والانبياء وكل المصلحين، فلقد واجهت الامم السابقة أنبياءها بقولهم {قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا} بل اكثر من هذا فلقد كانت تبدو منهم ردود فعلٍ طفولية غير منطقيّة، يتحدث عنها نبي الله موسى عليه السلام بقوله {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا} فهل كان يستسلم الأنبياء لهذا المنطق؟ ابداً، فصاحب الرسالة الواثق من نفسه الذي يسير على هدىً وبصيرة لم ولن يستسلم، فاذا كان هدف اصحاب هذا المنطق هو إنزال الهزيمة بصاحب الرسالة، فان الاصرار هو سيد الموقف الذي يتمسك به الاخير حتى النهاية، كما يقول موسى (ع) {ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا* ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا}. وعندما عابَ بعض (المستضعفين) المغلوب على امرهم الشّاكّين في القدرة على الإصلاح، عابوا اصرار اصحاب الرسالات على التبليغ {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا} اجابوهم {قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}. اما للردّ على التساؤلات اعلاه: الف؛ ومن قال لكَ بانّ المسؤولين لا يقراون ما يكتبهُ اصحاب الاقلام؟ خاصّة اذا كانت فيها رؤية وحلولاً وما أشبه؟. انهم يقرأون ويستفيدون مما يقرؤون، ولكن ربما ليس كما ينبغي. باء؛ ومن قال لك بان الكتابة لا تجدي نفعاً؟ ربما هي لا تفيد زيد او عمرو ولكنها بالتأكيد مصدر معرفة للكثير من الناس، وبهذا الصّدد لا ينبغي ان ننتظر من المسؤول فقط ان يقرأ ما نكتب فاذا لم يقرا تنتفي الفائدة، ابداً، فهناك الكثير غيرُهُ الذين يقرؤون ويستفيدون ويرتّبون أثراً على ما يقرؤون. جيم؛ الحقيقة المهمة التي ينبغي ان ننتبه اليها بهذا الصدد هي انّ من الخطأ الفضيع ان ننتظر لنلمس لمس اليد مدى تأثير القلم بمقال او مقالين او الف او ألفين، ابداً، فالقلم مسؤولية مستمرة يجب ان تسير بديمومة بلا انقطاع. ان فلاسفة روما ومفكري أوربا ما كانت لكتاباتهم ان تترك أثراً في المجتمع لينقلب على واقعه المزري الفاسد اذا استعجلوا التأثير، ولذلك استمرّ الواحد منهم يكتب ويكتب ويكتب حتى بدأ المجتمع ينتبه له، ثم ظلّ يكتب ويكتب ويكتب حتى بدأ المجتمع يقرأ له، ثم ظلّ يكتب ويكتب ويكتب حتى بدأ المجتمع يتاثّر بكتاباته، اما اذا اردنا ان نحقق كل ذلك فنغير واقعنا الماساوي بمقال ومقالين فنحن نعيش الخيال. هل سمعتم ان كتاباً مثلاً او مجلة بحثية او متخصّصة طُبعت في بلادنا بملايين النسخ؟ ام انّ غاية عدد النسخ التي يُطبع منها هو عدة آلاف فقط؟ وهل سمعتم ان كتاباً او مجلة متخصصة مثلا نُشرت بلغتين مثلا او ثلاثة؟ ام انها عادة ما تُنشر بلغةٍ واحِدَةٍ هي الّلغة الام؟. اما في البلاد المتحضّرة، الولايات المتحدة مثلاً، فان ابسط كتاب لا يُطبع باقل من نصف مليون نسخة، اما مجلة المختار المعروفة والتي تصدر بالأساس باللغة الانجليزية باسم (ريدرز دايجست) فإنها تُطبع وتُنشر شهرياً بـ (٢٥) لغة عالمية من بينها اللغة العربية وبما لا تقل عن (٥٠) مليون نسخة شهريا!. انّ النهضة الحقيقية بحاجة الى حركةٍ معرفيّةٍ واسعة الانتشار، كمّاً ونوعاً، لتبدأ تترك اثرها في المجتمع. نقطة اخرى يجب ان ننتبه لها وهي؛ ليس كلّ الكتابات تترك أثراً سريعاً ومباشراً وآنيّاً، فقد تاخذ وقتاً ليتفاعل معها الشارع. بل ان الكثير من الكتابات ينظر اليها المجتمع عند نشرها على انها نوع من العبث او التحرش بالمقدسات او التّجاوز على الثّوابت او انها تحريضٌ رخيصٌ ضِدّ القائد الضرورة! او انها تافهة بدرجة كبيرة لا تستحق أدنى اهتمام، اذا بها بعدَ فترةٍ من الزمن طال او قصر، تتصدر اهتمام المفكّرين والباحثين والراي العام بدرجة ملفتة للنظر، والأمثلة على ذلك كثيرة اعتقد انّ كلّ واحدٍ منّا يحفظ في ذاكرته نماذج منها. ١١ شباط ٢٠١٥ للتواصل: E-mail: nhaidar@hotmail. com