- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الخطاب الحسيني صوت هادر على مدى الزمان/الجزء الخامس
حجم النص
بقلم: عبود مزهر الكرخي وكانت آخر الرسائل التي وصلت إليه هذه الرسالة: عجّل القدوم يابن رسول الله، فإنّ لك بالكوفة مئة ألف سيف فلا تتأخّر. وقد تتابعت عليه الرسائل ما ملأ منها خرجين. ويقول المؤرّخون: إنّه اجتمع عنده في نوب متفرّقة اثنا عشر ألف كتاب، ووردت إليه قائمة فيها مئة وأربعون ألف اسم يعربون عن نصرتهم له حال ما يصل إلى الكوفة، كما وردت عليه في يوم واحد ستمئة كتاب. وعلى أيّ حالٍ، فقد كثرت كتب أهل الكوفة إلى الإمام، وقد وقّع فيها الأشراف وقرآء المصر، وهي تمثّل تعطّشهم لقدوم الإمام ؛ ليكون منقذاً لهم مِنْ طغمة الحكم الاُموي، ولكن بمزيد الأسف فقد انطوت صحيفة ذلك الأمل، وانقلب الوضع وتغيّرت الحالة، وإذا بالكوفة تنتظر الحُسين لتسقي سيوفها مِنْ دمه وتُطعم نبالها مِنْ لحمه. تريد أنْ تحتضنَ جسد الحُسين لتوزّعه السيوف وتطعنه الرماح وتسحقه الخيول بحوافراها. الكوفة تنتظر الحُسين لتثب عليه وثبة الأسد، وتنشب أظفارها بذلك الجسد الطاهر. الكوفة تنتظر الحُسين لتسبي عياله بدل أنْ تحميهم، وتروّع أطفاله بدل أنْ تؤويهم. وهكذا شاءت المقادير، ولا راد لأمر الله على نكث القوم لبيعة الإمام وإجماعهم على حربه. ويقول المؤرّخون: إنّ الإمام بعد ما وافته هذه الرسائل عزم على أن يلبّي أهل الكوفة، ويوفد إليهم ممثّله العظيم مسلم بن عقيل.(1) " وتتابعت كتب أهل الكوفة كالسيل إلى الإمام الحُسين وهي تحثّه على المسير والقدوم إليهم ؛ لإنقاذهم مِنْ ظلم الاُمويِّين وعنفهم، وكانت بعض تلك الرسائل تحمّله المسؤولية أمام الله والاُمّة إنْ تأخّير عن إجابتهم. ورأى الإمام قبل كلّ شيء أنْ يختار للقياهم سفيراً له يعرّفه باتّجاهاتهم وصدق نيّاتهم، فإنْ رأى منهم نيّة صادقة وعزيمة مصمّمة فيأخذ البيعة منهم ثمّ يتوجّه إليهم بعد ذلك. وقد اختار لسفارته ثقته وكبير أهل بيته والمبرز بالفضل فيهم مسلم بن عقيل، وهو مِنْ أفذاذ التاريخ ومِنْ أمهر الساسة وأكثرهم قابلية على مواجهة الظروف، وللصمود أمام الأحداث، وعرض عليه الإمام القيام بهذه المهمّة فاستجاب له عن رضى ورغبة، وزوّده برسالة رويت بصور متعدّدة".(2) ونأخذ واحدة منها لعدم الإطالة وأخذ الزبدة منها: رواها الطبري، وقد جاء فيها بعد البسملة: ((مِن الحُسين بن علي إلى الملأ مِن المؤمنين والمسلمين. أمّا بعد، فإنّ هانئاً وسعيداً(3) قدما عليّ بكتبكم، وكانا آخر مَنْ قدم عليّ مِنْ رسلكم، وقد فهمت كلّ الذي اقتصصتم وذكرتم، ومقالة جلّكم: أنّه ليس علينا إمام فأقبل ؛ لعلّ الله يجمعنا بك على الهدى والحقّ. وقد بعثت لكم أخي وابن عمّي وثقتي مِنْ أهل بيتي، وأمرته أنْ يكتب إليّ بحالكم وأمركم ورأيكم ؛ فإنْ كتب أنّه قد اجتمع رأي ملئكم وذوي الفضل والحجا مِنكم على مثل ما قدمت عليّ به رسلكم وقرأت في كتبكم، أقدم عليكم وشيكاً إنْ شاء الله. فلعمري، ما الإمام إلاّ العامل بالكتاب، والآخذ بالقسط، والدائن بالحقّ، والحابس نفسه على ذات الله. والسّلام)).(4) وحفلت هذه الرسالة حسب نص الطبري بالاُمور التالية: 1 ـ توثيق مسلم والتدليل على سموّ مكانته، فهو ثقة الحُسين. 2 ـ تحديد صلاحية مسلم باستكشاف الأوضاع الراهنة، ومعرفة التيارات السياسية ومدى صدق القوم في دعواهم. ومِن الطبيعي أنّه لا تُناط معرفة هذه الأمور الحساسة إلاّ بمَنْ كانت له المعرفة التامّة بشؤون المجتمع وأحوال الناس. 3 ـ إنّه أوقف قدومه عليهم بتعريف مسلم له بإجماع الجماهير ورجال الفكر على بيعته، فلا يقدم عليهم حتّى يعرّفه سفيره بذلك. 4 ـ إنّه تحدّث عمّا يجب أنْ يتّصفَ به الإمام والقائد لمسيرة الاُمّة مِنْ الصفات، وهي: أ ـ العمل بكتاب الله ب ـ الأخذ بالقسط ج ـ الإداناة بالحقّ د ـ حبس النفس على ذات الله. ولم تتوفّر هذه الصفات الرفيعة إلاّ في شخصيته الكريمة التي تحكي اتّجاهات الرسول (صلّى الله عليه وآله) ونزعاته.(5) وقد خرج سفير الحسين مسلم بن عقيل(ع) وتسلّم مسلم هذه الرسالة، وقد أوصاه الإمام بتقوى الله وكتمان أمره(6)، وغادر مسلم مكّة ليلة النصف مِنْ رمضان(7)، وعرج في طريقه على يثرب فصلّى في مسجد الرسول (صلّى الله عليه وآله) وطاف بضريحه، وودّع أهله وأصحابه(8)، وكان ذلك هو الوداع الأخير لهم، واتّجه صوب العراق وكان معه قيس بن مسهر الصيداوي، وعمارة بن عبد الله السلولي وعبد الرحمن بن عبد الله الأزدي، واستأجر مِنْ يثرب دليلين مِنْ قيس يدلاّنه على الطريق.(9) وسارت قافلة مسلم تجذّ في السير لا تلوي على شيء، يتقدّمها الدليلان وهما يتنكبان الطريق ؛ خوفاً مِن الطلب فضلاً عن الطريق وقد كان هناك من الطبيعي أن يكون افتراء لهذه الشخصية العظيمة وهي مسلم بن عقيل في أنه أراد أن ينسحب من هذه المهمة وينكص على عقبيه وهو تاريخ محرف وهو تحريف أموي من اجل النيل من البيت الهاشمي وهو موضوع طويل ولكن ننقل لكم مايقوله العلامة والمفكر الشيخ باقر القرشي حيث يقول: " إنّ اتّهام مسلم بالجبن يتناقض مع سيرته ؛ فقد أبدى هذا البطل العظيم مِن البسالة والشجاعة النادرة ما يبهر العقول، فإنّه حينما انقلبت عليه جموع أهل الكوفة قابلها وحدّه مِنْ دون أنْ يعينه أو يقف إلى جنبه أيّ أحد، وقد أشاع في تلك الجيوش المكثّفة القتل ممّا ملأ قلوبهم ذعراً وخوفاً، ولمّا جيء به أسيراً إلى ابن زياد لمْ يظهر عليه أيّ ذلّ أو انكسار. ويقول فيه البلاذري: إنّه أشجع بني عقيل وأرجلهم، بل هو أشجع هاشمي عرفه التاريخ بعد أئمّة أهل البيت (عليهم السّلام). إنّ هذا الحديث مِن المفتريات الذي وضِعَ للحطّ مِنْ قيمة هذا القائد العظيم الذي هو مِنْ مفاخر الاُمّة العربية والإسلاميّة".(10) ونحن تعرضنا لهذه المسألة حتى نعرف مقدار الهجمة الشرسة على بيت أبو طالب والبيت الهاشمي بصورة عامة وهو مسار ممنهج في سبيل تحريف كل ما يخص هذا البيت سواء من قريب أو من بعيد ولحد وقتنا الحاضر لأنه بيت من اشرف البيوت واسماها وهو يمثل ألق يشع ليكشف كل زيفهم ومساوئهم وانحطاطهم ومدى سفالتهم ووحشيتهم وإجرامهم ولهذا كانت الحرب والهجمة من قبل الأمويين والعباسيين شرسة وبلا رحمة حيث كانت تصطبغ وعلى الدوام بالدم والقتل بأبشع وكانت بدايته في سفك وتصفيته أصحاب الكساء بعد نبينا الأكرم محمد(ص) علي وفاطمة والحسن والحسين وليكون واقعة الطف أكبر شاهد على مدى ظلم الإنسان ووصوله إلى أحط درجات الأجرام والوحشية بقتلهم سبط نبيهم وخامس أصحاب الكساء وأهل بيته وأصحابه المنتجبين وحتى الأطفال في منظر هو كان البدايات لنشوء الإرهاب وبأبشع صوره ليمتد وليصبح على ماهو حالنا عليه في كون ديننا الحنيف يمثل دين القتل والذبح وقطع الرؤوس للعالم أجمع والذي كان امتداد لقطع الرأس الشريف لسيد الشهداء وأهل بيته الطاهرين وأصحابه ولترفع الرؤوس على الرماح وحتى الطفل الرضيع لأن أحدى القبائل لم ترفع أحدى الرؤوس الطاهرة لمعسكر الحسين فلجئوا إلى استخراج الطفل الرضيع من قبره بعد أن دفنه الأمام الحسين مرملاً بدمائه وبجفنة سيفه وقطعوا رأسه ورفعوه على رمح فأي تاريخ أسود يسجل لهؤلاء المجرمين ويأتي العديد من الكتاب ليقولوا أن العرب لديهم تاريخ مجيد وعظيم ونحن نقول أنه تاريخ أسود مليء بالقتل والدم والغدر والأجرام ولا يحمل الكثير منه أي معنى من معاني الإنسانية والتي أسسها بني أمية وبني العباس من خلال حكمهم ولم يراعوا أي ذرة من تعاليم ديننا الإسلامي. ومن هنا كان الإرهاب هو الصفة السائدة في كل تاريخنا والذي يتمثل بالقتل وقطع الرؤوس وجلب السبايا وحتى الأطفال أخذهم كسبايا وتوزيعهم فيما بينهم كأنها مغانم حرب والحال غير ذلك وحتى الأمام علي(ع) لم يقر بذلك ولا أتخذ هذا المنحى وبدليل طيلة فترة لم نسمع أنه تم القتل والتمثيل بالجثث بأبشع ما يكون وحتى أخذ السبايا بدليل أنه في معركة الجمل إن الإمام (عليه السلام) أمر محمد بن أبي بكر أن ينزل عائشة في دار آمنة بنت الحارث, ثم أمر بإرجاعها إلى المدينة, ورجع هو (عليه السلام) الى الكوفة.أرجع عائشة معززة مكرمة ومعها أربعين أمرآة تخفين بزي رجل فرسان ومعها أخوها محمد بن أبي بكر لكي لا يخدش عفتها وحياؤها مع العلم أنها لما وصلت المدينة أخذت بالتهجم على أمير المؤمنين لأنه أرسلها مع الرجال ولكن دعواه ذهبت أدراج عندما كشف الفرسان عن لثامهم فتبينوا أنهم نساء. وهذا سيدي ومولاي أمير المؤمنين ينادي بأعلى صوته في معركة الجمل فيقول: {أيها الناس إذا هزمتموهم فلا تجهزوا على جريح (11)ولا تقتلوا أسيرا، ولا تتبعوا موليا، ولا تطلبوا مدبرا، ولا تكشفوا عورة، ولا تمثلوا بقتيل ولا تهتكوا سترا، ولا تقربوا شيئا من أموالهم إلا ما تجدونه في عسكرهم من سلاح أو كراع (12)أو عبد أو أمة، وما سوى ذلك فهو ميراث لورثتهم على كتاب الله}.(13) فهل كانت هذه الأمور قد طبقت في واقعة الطف أم أن القتل والذبح والتمثيل بالجثث كان يتم بصورة تفوق الوصف والعقل بحيث تذكر الروايات أن الكثير من العلويات الصغيرات قد داستها سنابك الخيل وقتلت عند الهجوم على معسكر الحسين وتم أخذ ذراري رسول الله أسيرات حاسرات الرأس وعلى أقتاب الإبل وحتى سرقة حليهم وسرقة مافي العسكر بحجة الغنيمة فأي منطق يقال بأن هؤلاء المجرمين هم جيش المسلمين وجند الله وأن يزيد هو خليفة للمسلمين وبيعته شرعية وأنه أمير المؤمنين وهو قد أثخن القتل والذبح وهتك حرمة أهل بيت نبي الله وحبيبه محمد(ص) فهل يصح قول هذا أم إن كل من يقوله هو حتما ذو هوى أموي أو عباسي أو من وعاظ السلاطين من أصحاب الدرهم والدينار. ويزيد هو فاجر بكل معنى الكلمة وهو بطل واقعة الحرة وحرق الكعبة وهو الذي احدث القتل والترويع في واقعة الطف وما تم ممارسته من حوادث مجرمة لا يقر بها الشرع والدين وحتى يندى جبين الإنسانية ولهذا لم يبايع الأمام الحسين(ع) ولتصح مقولته المشهورة { على الإِسلام السَّلام، إذا بُلِيَت الأمة بِراعٍ مثل يزيد} فالأمة قد قيل عليها السلام منذ تولي بنو أمية وبعدهم بني العباس الحكم ومما مارسوه في حكمهم من أجرام وقتل وخروج عن تعاليم الدين الإسلامي الحنيف وليصبح حكم ملوك وأباطرة ولكن يتشح بلباس الدين ويتلبس بجلباب الإسلام وهذا ماجعل ديننا وأمتنا الإسلامية يسير عليها التقهقر وترجع إلى الوراء وليصبح حالنا على ما هو عليه من هوان وضعف وحتى التفرق والتشرذم وبأبشع صوره. ونحن وأن خرجنا عن الموضوع ولكن الشيء بالشيء يذكر لكي يتم وضع الحقائق وبصورة واضحة وبدون أي وضع رتوش أو تزويق من قبل الكتاب القصيري النظرة ومن لف لفهم ولكي نصحح القليل مما شاب من تزوير وتحريف في تاريخنا والذي من الواجب إن يقوم به كل من يحمل قلم صادق وشريف والذي هو أمانة بيد كل من يحمل هذه الأمانة الثقيلة والتي يقول عنها سيدي ومولاي امير المؤمنين الأمام علي(ع) {أيها الكاتب ماتكتب مكتوب عليك فأجعل المكتوب خيراً فهو مردود اليك} وأن هؤلاء الكتاب الذين يحرفون الكلم عن مواضعه فهم عبيد الدنيا وقد وصفهم الأمام علي بقوله { لاتكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً}.(14) المهم نعود إلى موضوعنا ووصلنا إلى مسلم بن عقيل سفير الحسين وسار مسلم يطوي البيداء فسرّحه مع قيس بن مسهر الصيداويّ وعمارة بن عبد السلوليّ وعبـد الرحمن بن عبـد الله الأرحبي، وأمره بتقوى الله وكتمان أمره واللطف، فإنْ رأى الناسَ مجتمعين مستوسقين عجّلَ إليه بذلك.(15) حتى دخل الكوفة فاختار النزول في بيت المختار الثقفي، لوثوقه منه بإخلاصه للإمام الحسين (عليه السلام) وتفانيه في حبه. كما أن هناك عاملا آخر له أهميته، فقد كان المختار زوجا لعمرة بنت النعمان بن بشير حاكم الكوفة، ولا شك أن يده لن تمتد إلى المسلم طالما كان مقيما في بيت صهره المختار، وقد دل ذلك على احاطة مسلم بالشؤون الاجتماعية. ابتهاج الكوفة: وعمت الافراح بمقدم مسلم جميع الأوساط الشيعية في الكوفة، وقد وجد منهم مسلم ترحيبا حارا، وتاييدا شاملا، وكان يقرا عليهم رسالة الحسين، وهم يبكون، ويبدون التعطش لقدومه، والتفاني في نصرته، لينقذهم من جور الأمويين وظلمهم، ويعيد في مصرهم حكم الإمام أمير المؤمنين مؤسس العدالة الكبرى في الأرض، وكان مسلم يوصيهم بتقوى الله، وكتمان أمرهم حتى يقدم إليهم الإمام الحسين. البيعة للحسين: وفتح المختار أبواب داره لمسلم، وقابله بمزيد من الحفاوة والتكريم ودعا الشيعة الى مقابلته فاقبلوا إليه من كل حدب وصوب، وهم يظهرون له الولاء والطاعة.وانثَالَت الشيعةُ على مسلم تبايعه للإمام الحسين (عليه السلام)، وكانت صيغة البيعة الدعوة إلى كتاب الله وسُنَّة رسوله (صلى الله عليه وآله)، وجهاد الظالمين، والدفع عن المستضعفين، وإعطاء المحرومين، وقِسمَة الغنائم بين المسلمين بالسويَّة، وَرَد المَظالم إلى أهلها، ونصرة أهل البيت (عليهم السلام)، شبه السيد المقرم هذه البيعة ببيعة الاوس والخزرج للنبي (ص)(16)وكان حبيب بن مظاهر الاسدي ياخذ البيعة منهم للحسين.(17) رسالة مسلم للحسين: وازداد مسلم ايمان ووثوقا بنجاح الدعوة حينما بايعه ذلك العدد الهائل من أهل الكوفة، فكتب للامام يستحثه فيها على القدوم إليهم، وكان قد كتبها قبل شهادته ببضع وعشرين ليلة(18) وهذا نصها: " أما بعد: فان الرائد لا يكذب أهله، وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر الفا(19) فعجل حين يأتيك كتابي، فان الناس كلهم معك ليس لهم في آل معاوية رأي ولا هوي ".(20) لقد كتب مسلم هذه الرسالة لأنه لم ير أية مقاومة لدعوته، وإنما راى إجماعا شاملا على بيعة الإمام، وتلهفا حارا لرؤيته، وحمل الكتاب جماعة من أهل الكوفة، وعليهم البطل العظيم عابس الشاكري، وقدم الوفد مكة المكرمة، وسلم الرسالة إلى الإمام، وقد استحثوه على القدوم إلى الكوفة، وذكروا إجماع أهلها على بيعته، وما لاقاه مسلم من الحفاوة البالغة منهم، وعند ذلك تهيأ الإمام إلى السفر للكوفة. ولو تعرضنا إلى موقف النعمان بن بشير وتساهله ع مسلم: كان موقف النعمان بن بشير(21)من الثورة موقفا يتسم باللين والتسامح وقد اتهمه الحزب الاموي بالضعف، أو التضاعف في حفظ مصلحة الدولة والاهتمام بسلامتها فأجابهم. " لان أكون ضعيفا وأنا في طاعة الله أحب إلي من أن أكون قويا في معصية الله، وما كنت لاهتك سترا ستره الله " (22) وقد اعطى الشيعة بموقفه هذا قوة، وشجعهم على العمل ضد الحكومة علنا، ولعل سبب ذلك يعود لامرين: 1 - ان مسلم بن عقيل كان ضيفا عند المختار وهو زوج ابنته عمرة فلم يعرض للثوار بسوء رعاية للمختار. 2 - ان النعمان كان ناقما على يزيد وذلك لبغضه للأنصار فقد أغرى الاخطل الشاعر المسيحي في هجائهم فثار لهم النعمان كما ألمعنا إلى ذلك في البحوث السابقة، ولعل لهذا ولغيره لم يتخذ النعمان أي إجراء مضاد للثورة. ومن هنا تهيأت الأمور للأمام الحسين(ع)للقدوم على الكوفة بعد ورود رسالة أبن عمه وسفيره مسلم بن عقيل. ولكن هل بقى أهل الكوفة على هذه البيعة وعلى هذا العهد والذي سوف نكمل ذلك الأمر في جزئنا القادم إن شاء الله إن كان لنا في العمر بقية. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 ـ كتاب حياةُ الإمام الحُسين بن علي (عليهما السّلام)دراسة وتحليل ـ 2 ـ باقر شريف القرشي. 2:325، 326. 2 ـ نفس المصدر ص 339. 3 ـ هما: هانئ بن هانئ السّبيعي، وسعيد بن عبد الله الحنفي. 4 ـ تاريخ الطبري 6 / 197. 5 ـ كتاب حياةُ الإمام الحُسين بن علي (عليهما السّلام)دراسة وتحليل ـ 2 ـ باقر شريف القرشي. 2:340، 341. 6 ـ تاريخ ابن الأثير 3 / 267. 7 ـ مروج الذهب 2 / 86. 8 ـ تاريخ الطبري 6 / 198. 9 ـ الأخبار الطوال / 231، تاريخ ابن الأثير 3 / 267. 10ـ كتاب حياةُ الإمام الحُسين بن علي (عليهما السّلام)دراسة وتحليل ـ 2 ـ باقر شريف القرشي. 2:340، 344. 11 ـ أي لا تقتلوا جريحا ولا تتموا قتله. 12 ـ الكراع - كغراب -: الخيل والبغال والحمير. 13 ـ مروج الذهب: ج 2 ص 371، وفي ط بيروت: ج 2 ص 362، ومثله مع الزيادة في الدر النظيم ص 115 وص 119. وأشار إليه أيضا الطبري في غير موضع من تاريخه، وذكره أيضا في الامامة والسياسة ص 77. 14 ـ نهج البلاغة، الرسائل: 31 ومن وصية لـه (عليه السلام) للحسن بن علي (عليه السلام)كتبها إليه بحاضرين. 15 ـ الاخبار الطوال (ص 231) تاريخ ابن الاثير 3 / 267. 16 ـ الشهيد مسلم بن عقيل (ص 103). 17 ـ الحدائق الوردية 1 / 125 من مخطوطات مكتبة الامام كاشف الغطاء العامة. 18 ـ انساب الاشراف ق 1 ج 1. 19 ـ الطبري 6 / 224. 20 ـ وفي رواية البلاذري " ان جميع أهل الكوفة معك ". 21 ـ النعمان بن بشير الانصاري الخزرجي كان قد ولاه معاوية الكوفة بعد عبد الرحمن بن الحكم، وكان عثماني الهوى يجاهر ببغض علي ويسئ القول فيه، وقد حاربه يوم الجمل وصفين، وسعى باخلاص لتوطيد الملك إلى معاوية، وهو الذي قاد بعض الحملات الارهابية على بعض المناطق العراقية، ويقول المحققون: إنه كان ناقما على يزيد، ويتمنى زوال الملك عنه شريطة أن لا تعود الخلافة لال علي، ومن الغريب في شان هذا الرجل أن يزيد لما اوقع باهل المدينة وأباحها لجنده ثلاثة أيام لم يثار النعمان لكرامة وطنه وقومه، وفي الاصابة 3 / 530 انه لما هلك يزيد دعا النعمان إلى ابن الزبير ثم دعا إلى نفسه فقاتله مروان، فقتل وذلك في سنة (65 هـ) وكان شاعرا مجيدا له ديوان شعر طبع حديثا. 22 ـ سير أعلام النبلاء 3 / 206.
أقرأ ايضاً
- حجية التسجيلات الصوتية في الإثبات الجنائي
- الآن وقد وقفنا على حدود الوطن !!
- الآثار المترتبة على العنف الاسري