حجم النص
بقلم:نـــــــــــــــــزار حيدر سلسلة مقالات كتبت في الفترة التي سبقت وتزامنت مع الانتخابات النيابية الاخيرة في العراق، والتي جرت في الثلاثين من شهر نيسان المنصرم (1) لم يترك بيان المرجعية العليا وتفسيره الذي قدمه اليوم إمام الجمعة في العتبة الحسينية المقدسة سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي، اية فرصة (شرعية) للهرب من المشاركة في الانتخابات النيابية التي ستجري نهاية الشهر القادم، نيسان. وبرأيي، فان اهم نقطة في البيان والتوضيح هو ما يتعلق بتحمّل المواطن مسؤوليته عند الاختيار، وهذا هو جوهر مبدأ المسؤولية التي يشير اليها القران الكريم في اكثر من آية كقوله عز وجل {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ} وقوله تعالى {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} فلقد شاءت عدالة الله تعالى ان يخلق عباده أحراراً ثم يرسم لهم طريقي الخير والشر، ويعلمهم نهاية كل منهما، ويوضح لهم علامات الطريق السليم ثم يتركهم يختارون بلا فرض او إكراه او تفويض او اي شيء اخر، فجاء في القران الكريم {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} وقوله {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} ثم قال عز من قائل {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ* لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ}. لا مسؤولية من دون حرية، ولا مسؤولية من دون حرية الاختيار، والا فالأمر ظلم ما بعده ظلم، وحاشا لله تعالى ان يظلم عباده، فيفرض عليهم ثم يحاسبهم، او يسلب منهم الحرية ثم يحاسبهم، او لا يدعهم يختارون بارادتهم ثم يحاسبهم، او يسيّرهم ثم يحاسبهم، وهو القائل {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَٰكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}. لماذا؟ لان المرء الذي يُجبر على الاختيار لا يمكن لاحد ان يحاسبه على خياراته، كما ان الناخب الذي لا يختار بنفسه مرشحه في إطار معايير معينة، سوف يهرب من خياراته بعد ان يرمي المسؤولية على من فرض عليه الاختيار بلا إرادة منه. ان جوهر الديمقراطية هو ان يمارس المواطن حقه في الاختيار بكامل حريته، بعيدا عن اي نوع من انواع التضليل والفرض والإكراه وما أشبه، ولذلك، فعندما رفضت المرجعية تحديد خيارات الناخب، بالإعلان عن انها تقف على مسافة واحدة من جميع المرشحين، قوائم وأشخاص، إنما تؤسس لعملية ديمقراطية حقيقية، لا يكون فيها خيار الناخب مسيّرا كالاعمى الذي يقوده الآخرون الى حيث يريدون هم لا الى ما يريده هو. تريد المرجعية ان تؤسس لثقافة ديمقراطية ليس شعار الناخب فيها (إرمها برأس العالِم واطلع منها سالم) وإنما شعارها (انا ناخب، انا حر، انا اختار، انا مسؤول) فالناخب يختار بإرادته ليتحمل مسؤولية ما يختار، ان خيرا فخيرا، وان شرا فشرا. وبقراءة متأنية لسيرة امير المؤمنين (ع) كخليفة وكحاكم، سنجد انه لم يجبر الناس على شيئ لم يرغبون به وان كان مخالفا للشريعة، ولعل في قصة الخلافة بعد وفاة رسول الله (ص) و (صلاة التراويح جماعة) و التحكيم في معركة صفين وغيرها الكثير خير دليل على ذلك. انه (ع) كان يدع الناس يختارون بارادتهم الحرة بلا فرض او قوة او إكراه، ليلزمهم بما ألزموا به انفسهم، فلو كان قد فرض عليهم أمرا هم كارهوه لما كان من حقه ان يلزمهم به او يحاسبهم عليه، لأنهم مجبرون على فعله بغير إرادتهم. هي جوهر النظام الديمقراطي، الحرية المسؤولة، والإرادة الحرة المسؤولة، فالمواطن حر فيما يختار شريطة ان يتحمل تبعات خياراته، لا ان يتهرب منها عند الحساب. ان على الناخب ان يفرض كل محاولات تسييره، ليكون خياره بإرادته الحرة، من اجل ان يتحمل مسؤولية خياراته ولا يتهرب منها، ليتعلم جيدا بان خياره الصالح مقدمة واجبة لمستقبل صالح، والعكس هو الصحيح، فخياره الفاسد مقدمة لمستقبل فاسد، انه هو الذي يحدد ما يريد في المستقبل من خلال نوعية المعايير التي يعتمدها في خياراته، فإذا باع صوته الانتخابي بمدفئة نفطية فسوف يحصد انقطاعا في الكهرباء طوال السنوات الأربع القادمة، وهكذا. ان الاختيار بحرية ينتج اختيارا مسؤولا بلا شك، وان من يتصور ان مسؤولية المرجعية هي تحديد اسماء القوائم او الأشخاص المفضلين لديها، مخطئ بلا شك، فالمرجعية مهمتها تحديد الموضوع فقط، اما المصداق وتحديده على وجه الدقة فمسؤولية المواطن. ان المرجعية ترفض ان تتدخل في خيارات الناخب، والا فسيكون المرشح، وقتها، مرشح المرجعية وليس مرشح الناخب، فما فائدة الانتخابات إذن؟ انها ستكون عبثا اذا ما قدمت المرجعية قائمة كاملة بالمرشحين ليصوت عليها الناخب، وكفى الله المؤمنين القتال، وعندها لن يتحمل المواطن أية مسؤولية لا في الرقابة ولا في المحاسبة ولا في الاختيار، لانه سيكون كشاهد فقط على امر بين طرفين، وهذا ما لا يريده احد، ولا تريده المرجعية. انها تريد ان تؤسس للحرية المسؤولة وللاختيار الحر المسؤول، ليكون المواطن طرفا أساسيا ومحوريا في المعادلة، وليس هامشا فيها او مهمشا. (٢) في البدء، حقيقتان مهمتان، وهما: اولا: ان العراقيين يتطلعون الى التغيير بسبب الوضع العام السيء الذي يمرون به، ان على صعيد العملية السياسية برمتها، او على صعيد التعليم والصحة والأمن والخدمات والبيئة والإدارة وغير ذلك. الا اللمم من المستفيدين من الوضع الحالي، وهم، بالمجمل، السياسيون والمنتفعون منهم بشكل مباشر. ومن الواضح جدا، فان الحياة العامة في اي بلد من البلدان هي نتيجة (السياسة) التي تحكمه، فالاقتصاد والنظام الاداري والقضاء والاعلام وكل شيء هو نتيجة السياسات التي تحكم البلد، قسم منها يتأثر بشكل مباشر بتغيّر هذه السياسات، وقسم منها لا يتغير كونه مرتبط بالدولة كمؤسسة مستقرة وغير قلقة، ولذلك نلحظ ان المجتمع في البلاد الديمقراطية يسعى لتغيير الحزب الحاكم، اذا فكر في التغيير، لا فرق في ذلك بين ان يكون النظام رئاسيا او برلمانيا، فإذا كان رئاسيا فيغير الحزب الحاكم من خلال تغيير الرئيس، اما اذا كان النظام برلمانيا، فيسعى لتغيير الأغلبية تحت قبة البرلمان، ليغير الحزب الحاكم. ثانيا: ان التغيير الذي ينشده العراقيون لا يتحقق الا بأحد طريقين لا ثالث لهما، فاما ان يجري التغيير عن طريق الانقلاب العسكري، السرقة المسلحة، كما كان عليه الحال في العراق اكثر من نصف قرن مضى تقريبا، واما ان يأتي هذا التغيير عن طريق صندوق الاقتراع، وهو الامر المعمول به في الدول الديمقراطية كافة، فهو مبنى عقلائي بلا منازع. لا شك ان الطريق الاول مرفوض من قبل كل العراقيين بلا استثناء، الا اللمم ممن يحنون الى الماضي ويتمنون اعادة عقارب الزمن العراقي الى الوراء، ليعودوا يحكمون العراق بالحديد والنار، تساعدهم في ذلك جماعات العنف والإرهاب التي لازالت تقتل وتدمّر لتخريب العملية السياسية والنظام الديمقراطي برمته. نحن، إذن، امام مفترق طرق، فاما ان نعض على نواجذنا وجراحنا لحين الوقوف بعد أسابيع امام صندوق الاقتراع لنمارس حقنا الانتخابي، ومن خلاله نحقق التغيير المرجو، او ان نتصور بان ذلك لا يغير من الامر شيئا وكأننا نستسلم لطريق التغيير الثاني، واقصد به العودة الى لعبة الانقلابات العسكرية. ان من لا يتصور إمكانية التغيير عن طريق صندوق الاقتراع، فإنما يستسلم للطريق الاخر شاء ذلك ام ابى، فهي معادلة واضحة لا تقبل الجدال كثيرا، فالتغيير المرجو، اما ان يأتي عن طريق صندوق الاقتراع، او ان يأتي عن طريق السرقة المسلحة، فأي الطريقين سيختار العراقيون نهاية الشهر القادم؟. بالنسبة الى المرجعية، فإنها حسمت رأيها في آلية التغيير عندما قالت: [ان احد المطالب الجوهرية للانتخابات هو التغيير نحو الأفضل، الذي يمكن ان يضمن تحققه بالمشاركة أولا وحسن الاختيار ثانيا، ومعنى ذلك ان الانتخابات هي الالية الأساسية لتكوين حكومة رشيدة وصالحة ومجلس نيابي يقوم بدوره كما يفترض وفق الدستور ومصالح الناس، وان يكون هناك نمط من التجديد بالنسبة إلى مجمل الوضع الحكومي وفق ما يرغب فيه الناس، وان التغيير المطلوب هو ذلك التغيير الذي يكون شيئا صحيحا ومناسبا ومفيدا للمجتمع بصورة عامة]. صندوق الاقتراع، إذن، هو آلة التغيير الوحيدة التي تعتقد بها المرجعية الدينية، وهو ما يجب ان يتمسك به العراقيون باي شكل من الأشكال، لان البديل لهذه الآلة هو (الانقلاب العسكري) وإذا كان هناك من يرى طريقا ثالثا للتغيير، فليذكره لنا، فقد نشاطره الرأي ونعمل على تحقيق التغيير المرجو من خلاله. ان على العراقيين ان يعتقدوا بصندوق الاقتراع كأفضل وأحسن آلة لتحقيق التغيير، شريطة ان يمارسوا التغيير من خلاله، بالفعل وليس بالتمنّي، اما اذا وقفوا أمامه ليعيدوا استنساخ الوضع بحجة او باخرى، فان التغيير سوف لن يحصل ابدا، فالعبرة ليست في صندوق الاقتراع وإنما فيما يضع فيه الناخبون من آراء وأصوات، فمثله كمثل الحاسوب، فهو يُنتج لك على أساس التغذية التي قدمتها له، فهو لا ينتج من عنده، ولا يفكر بالنيابة عنك، ابدا، فهو نتيجة لتغذية معينة، وهكذا هو صندوق الاقتراع، فهو نتيجة لخيارات الناخبين، فإذا لم يغيروا شيئا من خلاله، فانه سوف لن يعطي نتائج مغايرة لما وضع فيه الناخبون من آراء وأصوات. تعالوا، إذن، أيها العراقيون، نمارس التغيير من خلال صندوق الاقتراع. بقي ان أجيب على سؤال وردني من احد الاحبة، يقول: هل ان الله تعالى سيحاسب جدتي العجوز التي لا تقرا ولا تكتب اذا اخطأت الاختيار، فصوتت للص مثلا او لمرشح فاسد؟. الجواب: انها سوف تسال اقرب الناس اليها قبل ان تختار المرشح الذي ستصوت له، أليس كذلك؟ من اجل ان لا تحرم العراق من صوتها، عندها سيكون (مستشارها) هو المسؤول امام الله وأمامها في آن. اخيرا.. لو ان الناخب صوّت لمرشح يعتقد، بينه وبين الله تعالى، انه يستحق الثقة، الا انه غيّر وبدّل بعد ان حجز مقعده تحت قبة البرلمان، فان وزره لا يقع على الناخب، فذمته بريئة، شريطة ان لا يجدد له الثقة مرة اخرى. (٣) ان الديمقراطية التي لا تتبنى او تُفضي الى تداول السلطة، لهي ديمقراطية فاشلة تحمل في داخلها عوامل التدمير الذاتي حتما. ولذلك، فعندما تقول المرجعية بهذا الصدد، بأن: [اصل المشاركة في الانتخابات لمجالس المحافظات ومجلس النواب والغرض من ذلك هو الحفاظ على مبدأ الانتقال والتداول السلمي للسلطة وترسيخ اشتراك جميع مكونات الشعب العراقي في إدارة شؤون البلاد مما يعزز لدى هذه المكونات شعورها بتحقيق ركن أساسي من اركان العدالة الاجتماعية وعدم شعورهم بالتهميش والاقصاء، وبدوره فان ذلك يؤدي إلى تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي] هذا يعني انها تؤكد وتصر على ان تحقق العملية الانتخابية جوهر الديمقراطية وليست قشورها وظواهرها ومظاهرها فقط، فتداول السلطة في النظام الديمقراطي جوهر معمول به في كل النظم الديمقراطية، فلماذا لا يتم العمل به في ديمقراطية العراق الجديد؟. ان هذا المبدأ يضع حدا للفساد بكل أشكاله، لانه يخلق حالة من الرقابة الذاتية على المسؤول نفسه، فهو كالمرآة العاكسة التي يتعرف المسؤول من خلالها على عيوب وجهه وفشل خططه وإخفاقات إدارته وفساد بطانيته وحاشيته. فالمسؤول الذي يعرف انه سيترك السلطة بعد دورة او دورتين يقضيها في سدة الحكم، تراه يراقب نفسه جيدا قبل ان يراقبه الآخرون، على الأقل خوفا من الحساب والعقاب بعد ان يترك السلطة. هذا من جانب، ومن جانب آخر، فان تداول السلطة لا يعني بالضرورة فشل المسؤول ابدا، فقد يكون ناجحا في موقعه، الا ان تطلع المجتمع الى التجديد والتحديث واكتشاف طاقات المجتمع بشكل دوري ليمنحها فرصة التعبير عن برامجها ومشاريعها وتفجير رصيدها الذاتي لخدمة البلاد والعباد، ان كل ذلك هو الذي يحث الناس على تبني مبدأ تداول السلطة، فمن قال ان المجتمع ليس فيه ما هو افضل مما هو موجود؟ ومن قال ان هذا المسؤول فلتة زمانه ولا يمكن ان نجد من هو افضل منه او نستعيضه بغيره؟ من قال ان المجتمع لم يلد مثله في العلم والخبرة والكفاءة وتحقيق النجاحات؟. ان مبدأ تداول السلطة في النظم الديمقراطية مدرسة بحد ذاته ينتج القادة والزعماء بشكل دوري، ولذلك نرى ان بلداننا تعيش أزمة قيادة مزمنة اما في النظم الديمقراطية فان صناعة القادة من اسهل الامور وأبسطها. انه مبدأ يشيع ثقافة التنافس الإيجابي في المجتمع، وهو دليل على حب الزعيم او القائد لوطنه ولشعبه، وهو، كما أسلفت، ليس دليلا على فشل الزعيم، فالرئيس الاميركي بيل كلينتون يُعد احد انجح الرؤساء في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، ومع ذلك، ترك البيت الأبيض لخلفه بعد انتهاء المدة الدستورية، ليعود الى عمله السابق، أستاذا في الجامعة، من دون ان يتشبث بالسلطة بحجة النجاحات التي حققها، او انه يخشى على إنجازاته ونجاحاته من الضياع، ابدا. السؤال: كيف يمكن لديمقراطيتنا الناشئة في العراق ان تحقق هذا المبدأ لنبدأ السير نحو الاستقرار السياسي والعدالة الاجتماعية، كما أشارت الى ذلك المرجعية في بيانها وفي التوضيح؟. اعتقد ان ذلك يتحقق بثلاثة أسس استراتيجية، وهي: ١/ الثقافة ٢/ القانون ٣/ الوسائل والأدوات اما الثقافة، فمن اجل ان يستوعب الناخب ان الديمقراطية التي لا تحقق تداول السلطة هي وهمٌ ليس اكثر، وعبث ليس الا، وهي ملهاة بيد السياسيين الذين تزداد مشاكلهم وخلافاتهم وصراعاتهم على السلطة يوما بعد اخر. كذلك من اجل ان يتعلم السياسي ان تداول السلطة هو لحمايته من نفسه التي تأمره بالفساد والمنكر مهما أوتي من قوة الشخصية التي يتصور انها تردعه عن كل ذلك، فلقد لخّص القران الكريم الفكرة بقوله {كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ* أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ} والمعني هو الانسان بطبعه، بغض النظر عن هويته او دينه او قوميته او اي شيء آخر، فلقد ورد في الحديث الشريف عن رسول الله (ص) { كلّ ابن آدم يُضمر ما أظهره فرعون} من الجبروت والطغيان، وذلك في اول فرصة يقتنصها في حياته، كأن تكون سلطة او جاه او مال او ما أشبه، ولذلك فان المشكلة عند الطاغية الذليل صدام حسين لم تكن شخصية بقدر ما كانت منهجية، ولذلك رأينا كيف ان الكثير ممن كنا ننتظر منهم الخير اذا ما استخلفهم القدر في السلطة بعد هلاك الطاغية، اذا بهم أسوء منه في كل شيء، وأتذكر كلمة قالها لي قيادي بارز في (حزب ديني) عمره اكثر من نصف قرن هو الان في السلطة في بغداد، عندما عتبت عليه فسادهم في السلطة: انتظر قليلا فستكفر بمن كنت تأتم به في صلاتك!!. تداول السلطة يحافظ على دين المسؤول وأخلاقه، لانه بمثابة الرقيب الذاتي الذي يحتاجه كل إنسان مهما أوتي من تقوى وورع. اما القانون فهو لتنظيم عملية تداول السلطة بشكل رسمي ويشفافية تامة، من اجل ان لا نضطر الى اجراء العمليات القيصرية والجراحية لتشكيل الحكومة بعد كل انتخابات نيابية. وبهذا الصدد كنت اتمنى ان يفي السيد رئيس مجلس الوزراء في جمهورية العراق بوعده الذي قطعه للعراقيين قبل اكثر من عامين عندما صرح لوكالة الانباء الفرنسية (فرانس پرس) في معرض حوار صحفي بشان مبدأ تداول السلطة في العراق الجديد، منشور على موقع (بي بي سي) العربي، قال: انه لن يسعى الى الترشح لولاية جديدة بعد انتهاء ولايته الحالية في عام ٢٠١٤، وأضاف: انه سيحاول الدفع باتجاه الحصول على التصديقات والموافقات التشريعية المطلوبة لضمان عدم ترشح رؤساء الوزارات العراقية المقبلين لأكثر من ولايتين، وأضاف: ان ولايتين، مجموعهما ثمانية أعوام، كافية قبل التحول الى ديكتاتورية، وهذا احد أسس ومفاهيم الديمقراطية. الا انه للاسف نقض وعده هذا عندما طعن بالتصديقات والموافقات التي شرعها مجلس النواب بأغلبية كبيرة، بهذا الصدد، في المحكمة الدستورية، ولو انه وفى بما وعد لكان العراقيون يسمونه بجدارة (ابو الديمقراطية) كما يطلق الأميركان هذه التسمية على جورج واشنطن لانه رفض ترشيح نفسه لولاية ثالثة قبل اكثر من قرنين، ليؤسس بذلك للديمقراطية الحقيقية المبتنية على مبدأ تداول السلطة. (٤) أٓعْتَرِفُ انّ تداول السلطة في العراق امر صعب مستصعب، وذلك للأسباب التالية: اولا: لعدم وجود النظام الحزبي الحقيقي، فبغياب قانون الأحزاب الذي ينظم تأسيسها وتمويلها ومعاييرها، يكون من الصعب جدا التعويل على ما هو موجود منها لتحقيق مبدأ تداول السلطة، والذي يعتمد، عادة، على الأغلبية الحزبية تحت قبة البرلمان، وليس على الكتل البرلمانية، وهو الامر الموجود حاليا في العراق. ان غياب الاحزاب الحقيقية في العملية السياسية، يعقّد فكرة تداول السلطة لان الانتخابات بمثل هذه الحالة، لا تنتج أغلبية حزبية، وهو الامر الذي يعتمد عليه تداول السلطة. ثانيا: وجود هذا الكم الهائل من الاحزاب السياسية، وكلها ذات معايير غير وطنية، فهي إما دينية او مذهبية او إثنية، تتكاثر اميبيا بشكل غريب، أنتج حالة من التشتت في المجتمع العراقي، ولذلك نلاحظ ان نتائج كل انتخابات عبارة عن جزر حزبية متناثرة، نحتاج، في كل مرة، الى أشهر عديدة قبل ان نصل الى توافقات ممجوجة لتشكيل الحكومة او اللجان النيابية او حتى الحكومات المحلية. ان ظاهرة كثرة الاحزاب والكتل، لا تساعد احدا على حصد أغلبية مريحة في اية انتخابات، ما يعقد عملية التوافق والالتئام في كل مرة، ما يعقّد، بالتّبع، عملية تداول السلطة. ولم يكن اقليم كردستان في منأى عن هذه الظاهرة، فهو الاخر أصيب بها في مقتل، بخلاف ما كان يظنه البعض، لدرجة انهم اضطروا لتكرار ظاهرة خلق المناصب الزائدة في الحكومة، على غرار ما يحصل في بغداد، لترضية اكبر عدد ممكن من الشركاء قبل ان يصلوا الى توافقات تنتهي بتشكيل حكومة الإقليم. ثالثا: المحاصصة والتي سببها الخوف والخشية المتبادلة بين كل الفرقاء بعضهم من البعض الاخر، وكذلك حالة التخوف والترقب والخشية من المستقبل مع استحضار تجارب الماضي المرير، في المجتمع العراقي، ان كل ذلك كرس المعيار الديني والمذهبي والاثني لدى الناخب عندما يقرر المشاركة في الاقتراع، ما يعني انقسام الشارع على نفسه وإن لم يعترف بذلك احد. رابعا: وصول الصراع المرير على السلطة بين السياسيين الى أعلى مدياته، والذي يتضح من خلال الدعايات الانتخابية التي تمثلت في التسقيط والتسقيط المضاد، والسب والشتائم ونشر الغسيل القذر والكذب والتزوير، وكأن الكتل المتنافسة في حلبة لعبة (صراع الثيران) الاسبانية المعروفة. ان ازدياد حدة الصراع ليس بين سياسيي المكونات، حسب تسمياتهم، فحسب، وإنما حتى بين سياسيي المكون الواحد كذلك، فتراهم وضعوا الدين والأخلاق والعادات والتقاليد والمدنية وكل شيء جانبا، ليعودوا الى عقليتهم البدوية عند الاختلاف او التنافس. خامسا: مبدأ الشراكة وبالطريقة التعسفية وغير المنطقية وغير المعقولة، الذي يعتمد اشتراك كل من له مقعد تحت قبة البرلمان في السلطة التنفيذية ما يعني انعدام المعارضة البرلمانية بالمطلق تقريبا. ان هناك الكثير من دول العالم التي تعتمد أنظمتها السياسية على مبدأ الشراكة بين المكونات، ولكن ليس على الطريقة العراقية التي بدت تعسفية بشكل كبير جدا، وذلك بسبب التقاتل على السلطة والاستقتال على البقاء فيها. سادسا: الفهم القاصر لمفهوم الديمقراطية وأدواتها وآلياتها، سواء عند السياسيين او عند الناخبين انفسهم، والسبب هو حداثة التجربة الديمقراطية في العراق الجديد، من جانب، وعدم استعداد العراقيين للتعلم من تجارب الآخرين في هذا العالم المكتض بالتجارب الناجحة على صعيد الأنظمة الديمقراطية وبمختلف أشكالها ومحتوياتها، من جانب آخر. سابعا: ظاهرة، او قل، مرض عبادة الشخصية وصناعة الطاغوت الذي يعشعش في المجتمع العراقي بامتياز، فالزعيم معبودٌ والقائد ذاتٌ مقدسة، قد يحق لك ان تكفر بالله وملائكته ورسله وبالوطن، وبكل شيء، ولكن إياك إياك ان تمس ذاتا مقدسة تعود لزعيم او لقائد او لرئيس كتلة. هذا المرض كرّس ظاهرة الدفاع عن الزعيم بغض النظر عن اي شيء. إنجازاته، نجاحاته، اخفاقاته، فشله. بطانته، فساده، ولذلك غاب التقييم الحقيقي والسليم، وغابت المراقبة وغاب الحساب والثواب والعقاب. ولشدة التصاق المجتمع العراقي بهذه الظاهرة، وعمقها في وعيه الباطني ووجدانه، لذلك لم يعد الناخب يبحث عن البرنامج الانتخابي للكتلة او للمرشح، ليدرسه ويغربله، بقدر اهتمامه بالصورة والمظهر والشعارات البراقة حتى مع علمه بان صاحبها يكذب ولا يصدق معه القول، لان (الحب أعمى) كما يقول المثل، ولذلك لا يدع الناخب ينظر بعينه بمقدار ما ينظر بعواطفه. ثامنا: عدم ايمان السياسيين وأحزابهم وكتلهم بالديمقراطية من الأساس، وبقراءة سريعة لتاريخهم الحزبي والحركي، فسنلحظ انهم لم يمارسوا الديمقراطية في حياتهم طرفة عين ابدا، فان جل الكتل والأحزاب الحالية هي نسخ من الأحزاب الشمولية التي قرأنا وسمعنا بها، خاصة النموذج الذي كتبت عنه الفيلسوفة الألمانية المعروفة (حنة أرندت) في كتابها المعروف والمشهور (أسس التوتاليتارية) وقديما قيل: فاقد الشيء لا يعطيه، فكيف ننتظر ممن شاب على الفكر والثقافة والأسلوب الديكتاتوري والاستبدادي الشمولي ان ينتج لنا اليوم ديمقراطية؟ اذا كان في المعارضة ولم يمارس الديمقراطية كل حياته، هل تنتظر منه ان يمارسها وهو في السلطة؟. تاسعا: التدخلات الاقليمية والدولية الواضحة والصريحة والمباشرة في عملية انتاج الحكومة بعد كل عملية انتخابية، وهو الامر الذي لم يحدث بهذا الحجم الواسع جدا في كل دول العالم، الا اللهم في دولة جزر القمر مثلا. ولكن... ومع كل ذلك، فان الامر ليس مستحيلا، هو صعب وصعب جدا، ولكنه ليس مستحيلا، هو يشبه العملية الجراحية، ولكنها ضرورية للمريض اذا اردنا ان ننقذه من الموت المحتم، فالعراق فيه الرجال والمال، على حد قول امير المؤمنين عليه السلام، مٓن يتسلّم السلطة فيه سينتهي به الامر الى الاستبداد والديكتاتورية لا محالة، الا اذا تحقق مبدأ تداول السلطة، ولذلك رفض الامام علي (ع) تسليم العراق، ووقتها كان عبارة عن الكوفة والبصرة، رفض تسليمهما الى طلحة والزبير كثمن للوقوف الى جانبه قبل ان يخرجا مع (أمهما) عائشة لحرب الامام في معركة الجمل في البصرة، قائلا في معرض جوابه على مشورة عبد الله بن عباس له بتسليمهما لهما وإراحة باله من مشاكلهما، قال: إن العراقين بهما الرجال والأموال، ومتى تملّكا رقاب الناس، يستميلا السفيه بالطمع، ويضربا الضعيف بالبلاء، ويقويا على القوي بالسلطان. وهي صورة المسرح السياسي العراقي اليوم. ولهذا السبب وصل عدد المرشحين الى الآلاف، ولقد سمعت شيخا عجوزاً يعلق على كثرة المرشحين في كل انتخابات يشهدها العراق يقول متسائلا: يعني معقولة ان كل هؤلاء يتنافسون على خدمتي، انا المواطن العراقي؟ إذن، كم انا محظوظ؟ فثمني عظيم وانا لا اعرف بذلك!!. واليوم: هل تعتقدون بان صراع الأحزاب على حاكمية البصرة لخدمة أهلها؟ ام ان الصراع في كركوك من اجل ذلك؟. السؤال: امام كل هذه المعوقات، كيف نحقق تداول السلطة في العراق إذن؟ من اجل ان لا نعود القهقرى فننتج الديكتاتورية مرة اخرى؟. في المقال القادم سأبحث هذا الموضوع. (٥) هل تحدّث دستور جمهورية العراق عن تداول السلطة؟ اين؟ وكيف؟. قبل الإجابة على هذا السؤال، اود ان أتطرق الى الملاحظات التالية: اولا: ان واحدة من اهم فوائد تداول السلطة، هي تغيير فريق العمل الذي يقود الحكومة، خاصة المستشارين والموظفين الذين يحيطون بالرئيس او برئيس الحكومة، والذين يطلق عليهم مصطلح (البطانة) وهم المجموعة الخاصة التي يعتمد عليهم المسؤول بشكل مباشر في إدارته ورسم سياساته، الذين يسرّهم في الصغيرة والكبيرة، ويعود اليهم في كل شيء، فتغييرهم يعني، بالتالي، تغيير العقلية والأسلوب والأدوات، فتداول السلطة ليس لتغيير الشخص فقط، رئيس الحكومة، وإنما لتغيير الفريق بالكامل، والا فلو اكتفى المفهوم بتغيير الشخص، فليس في الامر اية فلسفة، وان من الخطا شخصنة الدولة، اي ربط مصيرها بشخص، فسنتصور ان تغييره سيغير كل شيء، ابدا، فالأمر ليس كذلك. يجب ان نعي فلسفة الامور ومعاني المصطلحات، والا سنظل ندور في حلقة مفرغة لا تنتهي، ولا تُخرجنا من واقعنا المرير. في البلاد الديمقراطية، يسعى الزعيم، أكان رئيس الجمهورية او رئيس الحكومة، لتغيير فريق عمله اذا ما أعيد انتخابه لدورة دستورية ثانية، فما بالك اذا كان يتسنم موقعه لأول مرة؟. لقد غير الرئيس باراك اوباما فريق عمله عندما انتخبه الشعب الاميركي لدورة رئاسية ثانية، على الرغم مما حققه من نجاحات وإنجازات في دورته الرئاسية الاولى، يشهد لها وبها الجميع، الا انه غيّر جل فريق عمله تقريبا، وزراء الادارة، خاصة الوزارات السيادية، ليغير بذلك أعضاء مجلس الأمن القومي، كما غيّر، كذلك، مستشاريه واغلب الموظفين في البيت الأبيض، وعلى وجه الخصوص الموظفين الاستراتيجيين والمحوريّين، لماذا؟. ان المسؤول، اي مسؤول، لا يتعدى ان يكون احد اثنين، فاما انه مسؤول فاشل، ولذلك فان عليه ان يغير فريق عمله ليحسّن من أدائه في الدورة الثانية، او انه كان ناجحا، فيغير فريقه ليضاعف من نجاحاته، وان ما يدفعه الى ذلك هو حرصه الشديد على تحقيق افضل الإنجازات قبل ان يترك موقعه ويرحل، وهو لا يندفع الى ذلك الا اذا كان وطنيا من الطراز الاول، يحب بلده وشعبه، عنده إعتبار الخدمة العامة فوق اي اعتبار آخر. اما في العراق، فان السيد رئيس مجلس الوزراء لم يغير احدا من أعضاء فريق عمله في دورته الدستورية الثانية الا اللمم، وأصر على الإبقاء عليهم، ربما غيّر مواقعهم ولكنه لم يستبدلهم، واقصد مستشاريه وموظفيه الخاصين في مجلس الوزراء ومكتب القائد العام للقوات المسلحة وجل القيادات الأمنية والعسكرية، هذا على الرغم من معرفته بحقيقة (إنجازاتهم) المتواضعة جدا، ان لم نقل معرفته بفشلهم، وكذلك على الرغم من كثرة النصائح التي وجهها له القريب والبعيد، وجلهم مخلصون يحبون ان يروه ناجحا، ولكنه يصر على الإبقاء عليهم، وكأنه يتعمد الفشل، لماذا؟ لا ادري!!. ان إصراره على عدم المساس بفريق عمله، جعله يصدق عليه القول المعروف انه (يرسم نهاياته بمستشاريه) وتلك هي الطامة الكبرى. هنا تكمن اهمية فلسفة تداول السلطة، من اجل ان لا نستنسخ الفشل الواحد تلو الاخر. ثانيا: مهما كتبت وكتب غيري عن الانتخابات وما ينبغي ان تكون عليه النتائج، وربما ينبري البعض لتشجيع الناخب على اختيار هذا المرشح وعدم التصويت لذاك المرشح، مع كل هذا وذاك، يبقى الخيار بيد الناخب، فهو المسؤول الاول والأخير، وان من يختاره ويصوت له ويمنحه ثقته هو النتيجة الحقيقية للانتخابات، اية انتخابات، ولذلك فان على الناخب ان يدقق ويتفحص ويسأل ويستفسر ويغربل، قبل ان يدلي بصوته، فهو المسؤول الاول، وهو الذي سيرسم، بصوته، معالم مجلس النواب الجديد والحكومة القادمة. ان الناخب هو الذي سيقرر ما اذا كان يريد التغيير نحو الأفضل؟ ام انه يريد الإبقاء على الحال الذي عليه العراق الان؟ فإذا اختار نفس الوجوه ونفس الاسماء ونفس الأشخاص، فهذا يعني انه لا يتمنى التغيير، ولذلك فانه سوف يُلقم حجرا اذا ما (دَرْدَمَ) مرة اخرى او تذمّر وتضجر، اما اذا حجب ثقته عن العناصر الحالية واستبدلهم بآخرين، فهذا يعني انه عازم على التغيير ومصمم على تنفيذ فكرة تداول السلطة. الذي اريد قوله، هو ان مسؤوليتي تنحصر في تقديم رؤية عن العملية الانتخابية والديمقراطية وما ينبغي ان تكون عليها النتائج لتحقيق التغيير، وليس فرض رؤية على احد ابدا، فهذه ليست مسؤوليتي. يبقى الخيار النهائي بيد الناخب حصرا، ولا يحق لاحد تضليله ابدا، مرشحا كان ام غيره. نعود الى السؤال الذي صدرنا به المقال، لنجيب عليه، ولكن: في الحلقة القادمة باذن الله تعالى. (٦) نصت المادة (٦) في الباب الاول من دستور جمهورية العراق، المبادئ الاساسية، على ما يلي: [يتم تداول السلطة سلمياً، عبر الوسائل الديمقراطية المنصوص عليها في هذا الدستور]. وعند البحث في كل مواد الدستور، فسوف لا نجد الا نصا واحدا فقط يشير الى المعنى الذي قصدته المادة اعلاه، الا وهو النص الذي ورد في المادة (٧٦) في الباب الثالث منه، السلطات الاتحادية، والتي جاء في نصها ما يلي: [اولاً:ـ يكلف رئيس الجمهورية، مرشح الكتلة النيابية الاكثر عدداً، بتشكيل مجلس الوزراء، خلال خمسة عشرَ يوماً من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية. ثانياً:ـ يتولى رئيس مجلس الوزراء المكلف، تسمية اعضاء وزارته، خلال مدةٍ اقصاها ثلاثون يوماً من تاريخ التكليف. ثالثاً:ـ يُكلف رئيس الجمهورية، مرشحاً جديداً لرئاسة مجلس الوزراء، خلال خمسة عشر يوماً، عند اخفاق رئيس مجلس الوزراء المكلف في تشكيل الوزارة، خلال المدة المنصوص عليها في البند "ثانياً" من هذه المادة. رابعاً:ـ يعرض رئيس مجلس الوزراء المكلف، اسماء اعضاء وزارته، والمنهاج الوزاري، على مجلس النواب، ويعد حائزاً ثقتها، عند الموافقة على الوزراء منفردين، والمنهاج الوزاري، بالاغلبية المطلقة. خامساً:ـ يتولى رئيس الجمهورية تكليف مرشحٍ آخر بتشكيل الوزارة، خلال خمسة عشر يوماً، في حالة عدم نيل الوزارة الثقة]. وبالتمعن في نص المادة، يظهر لنا جليا وواضحا ان الدستور فسح المجال لتحقيق مبدأ تداول السلطة في حالتين: الحالة الاولى؛ عندما يفشل المرشح لرئاسة مجلس الوزراء في تقديم تشكيلته الوزارية خلال مدة زمنية محددة نصت عليها المادة. الحالة الثانية؛ عندما يفشل المرشح في نيل ثقة مجلس النواب. هذا من جانب، ومن جانب آخر، فان الدستور منح الشركاء السياسيين حق المساهمة في قبول او رفض مرشح الكتلة البرلمانية الأكبر، هذا يعني انه يبقى مرشحا فحسب ما لم يوافق عليه بقية الشركاء، ولذلك يمكن القول بان الدستور هو الذي نص على الشراكة الحقيقية بين مختلف مكونات المجتمع العراقي، فهي ليست بدعة او منّة او منحة من احد لاحد. اذن، نحن لسنا بحاجة الى قانون يحدد عدد دورات رئاسة مجلس الوزراء، لتحقيق مبدأ تداول السلطة، فالدستور واضح في ذلك ولا حاجة للتفسير والتأويل. الا ان الذي يحصل في كل مرة هو ان السياسيين يتلاعبون ويتحايلون على النص الدستوري الذي شرعن ونظم عملية تداول السلطة من خلال ما يلي: اولا: الاتفاق على تسمية الرئاسات الثلاث، والمقصود بها الجمهورية ومجلس النواب والحكومة، بسلة واحدة، الامر الذي يُدخل التسميات في مزايدات سياسية لها اول وليس لها آخر، وهو امر يعد انتهاكا خطيرا للدستور والذي لم يربط بين تسمية الرئاسات الثلاث باي شكل من الأشكال. انها بدعة سياسية عظيمة سبّبتها لنا المحاصصة التي توافَق عليها الكبار بالضد من إرادة الشعب العراقي. ثانيا: من خلال تجاوز المدد الزمنية التي حددها الدستور في الحالتين، وهما حالة تسمية أعضاء الحكومة وحالة نيل الثقة، وكلنا نتذكر كيف انهم تجاوزوا المدة في المرة الاولى لتصل الى خمسة اشهر فيما تجاوزت في المرة الثانية لتصل الى عشرة اشهر، الامر الذي يعد كذلك انتهاكا خطيرا للدستور. ولو انهم التزموا بالدستور لتحقق مبدأ تداول السلطة بشكل طبيعي جدا، ولتحققت بذلك فلسفة الديمقراطية التي تتجلى في تداول السلطة حصريا. وبمرور سريع على كل دساتير النظم الديمقراطية في العالم، للاحظنا انها تحقق مبدأ تداول السلطة بأحد أمرين: إما بالنص عليه، كما هو الحال في النظم الديمقراطية الرئاسية، والتي تتشكل فيها الحكومة عبر صندوق الاقتراع من خلال انتخاب الرئيس بالاقتراع العام السري والمباشر، او بروحه من خلال آلياته وأدواته، كما هو الحال في النظم الديمقراطية البرلمانية التي تنبثق فيها الحكومة من البرلمان وليس بالاقتراع العام السري والمباشر. ولان النظام الديمقراطي في العراق الجديد هو نظام برلماني، ولذلك فان مبدأ تداول السلطة يتحقق، كما نص عليه في المادة (٦) اعلاه، بالآليات التي نص عليها في المادة (٧٦) اعلاه، اذا ما تم الالتزام بها من قبل مجلس النواب عند انطلاق كل دورة من دوراته الدستورية الجديدة. والسؤال الان، هو: كيف يمكن ان نحقق مبدأ تداول السلطة، وكسر احتكارها، والقفز على ظاهرة الصراع على السلطة بأسوأ واقبح حالتها، من خلال فهم وتوظيف هذين النصّين الدستوريين الواضحين؟. (٧) بناء على المادة (٧٦) من دستور جمهورية العراق، فان الكتلة النيابية الأكثر عددا والتي يحق لها ان تتقدم بمرشحها لتشكيل مجلس الوزراء، هي (التحالف الوطني) والتي ستظل، برايي، تحتفظ بهذا الحق الدستوري الى حين، ما يعني ان مكونات هذه الكتلة النيابية ستضطر الى تجميع أجزاءها واوصالها مرة اخرى بعد كل عملية انتخابية، مهما تجزأت وتقسّمت وتوزّعت وتبعثرت وتفتّتت خلال السنوات الأربع التي تفصل بين كل عمليتين انتخابيتين، من اجل ان تضمن لنفسها ان تظل الكتلة النيابية الأكثر عددا والتي يحق لها حصرا ان تشكل الحكومة في كل مرة. ولا يخفى على احد الأسباب التي تقف وراء هذه المعادلة، والتي منها مبدأ المحاصصة الذي اعتمده الفرقاء السياسيون لتشكيل مؤسسات الدولة العراقية الحديثة، اي منذ سقوط الصنم في التاسع من نيسان ٢٠٠٣ ولحد الان، كما ان سعي شيعة العراق، كونهم المكون الأكبر في البلاد، للتمسك برئاسة مجلس الوزراء يفرض عليهم التوافق فيما بينهم مهما علت الخلاقات ومهما تعمقت المشاكل بينهم، لانهم يعرفون جيدا بان الفرقة وعدم الانضواء تحت راية (التحالف الوطني) في كل مرة سيفقدهم القدرة الدستورية على الاحتفاظ بقيادة الحكومة، اذ لم يعودوا في حال تمزقهم، الكتلة النيابية الأكثر عددا القادرة حصرا على تقديم مرشحها لتشكيل الحكومة الى مجلس النواب. تأسيسا على هذه الحقيقة، فان مبدأ تداول السلطة الذي يتحدث عنه الدستور في المادة (٦) سينحصر تحققه داخل (التحالف الوطني) فقط، وهذا، طبعا، من الأخطاء القاتلة في الديمقراطية العراقية الوليدة، ففي كل ديمقراطيات العالم المتحضر، فان الكتلة النيابية الأكثر عددا تتغيّر في كل مرة بالاعتماد على ما تفرزه نتائج صندوق الاقتراع، الا في العراق فان الكتلة النيابية الأكثر عددا معروفة سلفا، الى حين، وذلك بسبب المحاصصة من جهة وعدم وجود قانون للأحزاب ينظم معايير الانتماء اليها وعملها وتمويلها وغير ذلك، ليساعد على تنمية الحياة الحزبية والعمل الحزبي بما يضمن تشكيل احزاب بمعايير وطنية تعبر بنا الانتماءات الدينية والمذهبية والإثنية، بما يخلصنا من عقدة المحاصصة، ويغير أحجام الكتل البرلمانية في كل مرة، لنحصد تداولا حقيقيا للسلطة وليس شكليا، كما هو عليه الحال اليوم. على كل حال، فان الواقع الحالي يفرض علينا ان نفكر بطريقة المحاصصة الى ان يشرّع لنا مجلس النواب في يوم من الايام قانون الاحزاب لنقفز على هذا الواقع المر، وعندها فسوف لن تكون الكتلة النيابية الأكثر عددا تتشكل من طيف او لون واحد ابدا، كما انها سوف لن تكون معروفة لنا سلفا، وإنما ستتشكل من كل أطياف المجتمع العراقي، من جانب، وستتغير وتتبدل في كل مرة، من جانب آخر، ما يسهل عملية تشكيل حكومة الأغلبية السياسية، والتي سنتحدث عنها لاحقا. نعود للحديث عن تداول السلطة في إطار (التحالف الوطني) الذي يطلق عليه صفة (الشيعي) كأمر واقع وبالهوية على الأقل، فكيف يمكن تحقيق هذا الامر ولماذا؟. اول: لقد بات من الواضح لكل العراقيين، بان نجاح الأغلبية، الشيعة، سينتج نجاح البلد كلها، بشكل اوتوماتيكي، والعكس هو الصحيح، فإذا فشلوا فشلت البلد كلها، وهذه المعادلة يقرها مبنى اهل العقل والمنطق في كل مكان، خاصة في بلد متنوع ومتعدد في كل شيء مثل العراق. ثانيا: ان (التحالف الوطني) هو الكتلة البرلمانية الأكبر ولكنه في العدد فقط، اما من الناحية الواقعية فهو اصغر وأضعف الكتل البرلمانية بسبب الصراعات العنيفة التي تعصف بين مكوناته، ولذلك حق لنا ان نسمّيه بالكتلة البرلمانية الأكبر المشلولة، فهي كتلة عاجزة عن حماية نفسها وحماية من تمثلهم من المجتمع العراقي (الشيعة) كما انها عاجزة عن تحقيق الحد الأدنى من الاتفاق لتمرير التشريعات الاساسية والمهمة تحت قبة البرلمان، ولعل في أزمة قانون الميزانية في كل عام اكبر دليل على ذلك. ثالثا: ولهذا السبب يمكن القول بان تطبيق مبدأ تداول السلطة داخل (التحالف الوطني) ربما سيساعد على حل الكثير من مشاكلها، وبالتالي سيعيد لها قوتها وفاعليتها ومكانتها الحقيقية تحت قبة البرلمان، كيف؟. هذا ما سنتحدث عنه في الحلقة القادمة. (٨) بات من الواضح بالتجربة ان أشلاء (التحالف الوطني) لا تتكتل الا لمصلحة آنية، وهي حولية تتكرر بعد كل عملية انتخابية، وذلك من اجل صناعة الكتلة النيابية الأكثر عددا والمعنية بتقديم المرشح لتشكيل الحكومة الى مجلس النواب. السؤال: كيف يمكن ان تتحول هذه الحاجة الى رؤية استراتيجية تساهم في بناء (التحالف الوطني) ككتلة برلمانية كبيرة بواقعها ومنسجمة مع نفسها ومؤثرة في اتجاهات مجلس النواب وقادرة على تمرير مشاريع القوانين بالأغلبية وليس بالتوافقات والمحاصصات الممجوجة التي عرقلت لحد الان عمل البرلمان وعرقلت مهامه الدستورية في التشريع والرقابة؟. كيف يمكن ان نحول عملية تجميع الاشلاء من موقف تكتيكي آني لحاجة في نفس يعقوب يريد قضاها، الى موقف استراتيجي ليتحول (التحالف الوطني) الى كتلة برلمانية كبيرة وقوية، تدعم الحكومة وتسند مشاريعها، وتراقب أداءها، وتحاسبها على الخطا او الخلل او الفشل، قبل اي واحد آخر، على العكس مما هو موجود الان، اذ ان اكثر ما يعرقل عمل الحكومة، هو (التحالف الوطني) الذي لم يعد بمقدوره مراقبتها ومحاسبتها؟. الف: ان (التحالف الوطني) يتشكل من اكثر من (٢٠) مسمى بين تنظيم وحزب وحركة وتيار، ولذلك فان اي مرشح يقدمه للبرلمان ليشكل الحكومة هو ليس مرشحا لأي من كل هذه الاسماء، اذ لم يستطع اي منها ان يحصل في احسن الحالات الا على (١/٨) عدد مقاعد مجلس النواب، وهو حال التيار الصدري في الدورة البرلمانية الحالية، فما بالك بالآخرين؟. باء: تأسيسا على هذه الحقيقة، يجب ان تنبثق مؤسسة (رئاسة مجلس الوزراء) وليس رئيس مجلس الوزراء فحسب، من (التحالف الوطني) الأمانة العامة، المستشارون، مدراء الإدارات المرتبطة، وغير ذلك، ليظل رئيس الحكومة، وهو مرشح التحالف، قريبا من توجيهاته واتجاهاته، يعود اليه في اتخاذ القرارات الاستراتيجية، يناقش معه الموقف ويأخذ منه الخط العام، وبذلك سيشعر التحالف بان مرشحه يمثله بالفعل، فيتبناه ويدافع عنه ويقوّمه ويرشّده ويشير عليه، فيما يلجأ رئيس الحكومة الى التحالف كلما احتاج الى مشورة او مساعدة او وقع في معضلة، وبكلمة، سيكون له عضدا ويكون له التحالف سندا، اما ان يكون رئيس الحكومة مرشح التحالف بالاسم، ما ان يحصل على ترشيحه وثقة البرلمان اذا تراه يضرب بالتحالف عرض الحائط، فكيف ينتظر من التحالف ان يسانده ويقف معه ويدافع عنه؟ اذا كان التحالف آخر من يعلم بما يبيّته مرشحه من أزمات للبلاد، وآخر من يعلم بالحلول المنفردة التي يحسمها ويتفق عليها مرشحه مع بقية الأطراف السياسية، فكيف ينتظر منه ان يدعمه ويسانده؟ وإذا كان مرشح التحالف لم يعد ولا مرة اليه ليناقش مشروعا او أزمة، فكيف ينتظر منه دعما وإسنادا؟. جيم: كلنا نعرف ان السبب الحقيقي والجوهري وراء تمزق (التحالف الوطني) هو الصراع على السلطة، على الرغم من كل العناوين والشعارات التي يرفعها كل طرف لشرعنة صراعه هذا، ولذلك، اعتقد انه لو تم إيجاد مخرج ما لهذا السبب الجوهري لتمكنا من اعادة اللحمة والوحدة وتاليا القوة والمنعة للتحالف. وبرأيي فان الاتفاق على تداول السلطة داخل (التحالف الوطني) يساعد كثيرا على حل هذه المعضلة، فعندما تشعر كل أطراف التحالف ان اتفاقا من نوع ما بينها يفتح الباب أمامها ليكون مرشح التحالف لتشكيل الحكومة منها، فان ذلك سيقلل من غلواء اندفاعها في الصراع مع بقية أخواتها، مكونات (التحالف الوطني) فكيف يتحقق ذلك؟. كنت اتمنى ان تنزل مكونات التحالف منفردة في الانتخابات النيابية الحالية والتي ستجري نهاية الشهر القادم، نيسان، ليتم الاحتكام الى رأي الشارع في معرفة مٓن منها يحصل على اكثر عددا من مقاعد البرلمان، فيكون مرشح التحالف منها، وبذلك سندفع كل أطراف التحالف للتنافس في الشارع، وعندما يحصل احدها على مقاعد اكثر من غيرها، هذا يعني ان تقديم المرشح منها سيحقق مطلب الناخبين بشكل مباشر، وهو الامر الذي يقلل من التأثيرات (الخارجية) في عملية تسمية مرشح التحالف. لقد نزلت مكونات التحالف هذه المرة في خمسة قوائم أساسية، هي، دولة القانون وأخواتها، والمواطن وأخواتها، والتيار الصدري وأخواته، والإصلاح وأخواته، والفضيلة وأخواتها، وان هذه الخارطة تبين بشكل واضح ان كل التيارات الاساسية التي يتشكل منها التحالف الوطني نزلت باسمها وبعنوانها بشكل مباشر الا (حزب الدعوة) بشقيه وبدر ومستقلون، فقد نزلت بقائمة واحدة، الامر الذي يستدعي حساب مقاعدها كلا على حدة ليتبين لنا الفائز بشكل حقيقي وواضح، وعندها سيكون مرشح التحالف لتشكيل الحكومة هو من سيرشحه المكون الحائز على اكثر المقاعد تحت قبة البرلمان، طبعا بشرطه وشروطه، ومن شروطه ان يحصل على توافق بقية أطراف التحالف ليتسنى للأخير العمل على تسويقه عند بقية الشركاء في العملية السياسية كما نص على ذلك الدستور في المادة (٧٦). (٩) لا يمكن ابدا ان تتحقق الديمقراطية في اي بلد من البلدان ما لم يفرز صندوق الاقتراع أغلبية نيابية تشكل السلطة التنفيذية، وأقلية نيابية تعارضها وتراقبها، فالديمقراطية لا تطير بجناح واحد ابدا، وهذه هي مشكلة الديمقراطية في العراق الجديد: فمن جانب، يسعى كل من يفوز بمقعد تحت قبة البرلمان ان تكون له حصة في السلطة التنفيذية، إن لم يكن بشكل مباشر، كأن لا يحصل على عدد يكفي من المقاعد ليحجز وزارة مثلا او وكيلا لوزارة، فبشكل غير مباشر من خلال الاندماج مع كتل نيابية اخرى صغيرة الحجم مثله، ليكمّل عدد المقاعد المطلوب لحجز شيء ما في السلطة التنفيذية. ومن جانب آخر، فانهم جميعا انفسهم الذين يتقاتلون ويتهالكون على المشاركة في السلطة التنفيذية، هم انفسهم يضعون العصي في عجلاتها، وكأنهم يسعون لِلَعِب الدورين، دور الحاضر والمشارك في السلطة التنفيذية ودور المعارض لها. انها واحدة من مفارقات الديمقراطية العراقية الشاذة والفريدة من نوعها. هذا من جانب، ومن جانب آخر، فان مفهوم المعارضة عندنا، يعني ان تدمر الخصم وتقضي على الحكومة وتعرقل الإنجاز ولا تفسح المجال للآخر ان يعمل وينفذ، انه مفهوم يقترب من الانتقام، وهذا خطأ كبير يقع فيه كل من يأخذ جانب المعارضة، ففي الدول المتحضرة تعني المعارضة البرلمانية مراقبة الأداء وليس عرقلته، وترشيد الجهد وليس تدميره، ولذلك فان مفهوم المعارضة عندهم يكمّل العمل ويُحسّن الأداء وينضّج المشاريع، اما عندنا، فالمعارضة تعني العرقلة والتدمير وإيقاف البلد كلها عند نقطة. في الانتخابات النيابية القادمة التي ستجري نهاية الشهر القادم (نيسان) من المُفترض ان يُنتج لنا صندوق الاقتراع أغلبية برلمانية وأقلية نيابية، لنفصل بين الدورين، السلطة التنفيذية والرقابة، والا فسنستنسخ التجربة الُمرّة التي مررنا بها خلال السنوات الثمان الماضية، وان كنت، شخصيا، اعتقد ان مثل هذه النتيجة صعبة المرام، لسببين مهمين: الاول: هو غياب الاحزاب (الوطنية) التي تعتمد المواطنة كمعيار للانتماء، وليس الدين والمذهب والإثنية والمناطقية وغير ذلك، ولذلك ينتج لنا صندوق الاقتراع، في كل عملية انتخابية، كتل مذهبية وأثنية، الامر الذي لا يمكن على ضوئه، ابدا، ان تنتج لنا العملية الانتخابية أغلبية وأقلية برلمانية. الثاني: تأسيسا على المعادلة اعلاه، ستنتج لنا الانتخابات النيابية القادمة، كما هو ديدنها في المرات السابقة، ثلاث كتل نيابية أساسية او رئيسية، بمعيار المذهب والإثنية وليس بالمعيار السياسي او على الأقل الحزبي، الا وهي؛ الكتلة الشيعية والكتلة السنية والكتلة الكردية، فهل، بربكم، يمكن بهذا المعيار ان تفرز لنا الانتخابات أغلبية وأقلية برلمانية، لنتحدث، من ثٓمّ، عن حكومة الأغلبية؟ بالتأكيد لا يمكن ذلك ابدا ابدا ابدا، ولهذا السبب فانا اطلق على فكرة تشكيل حكومة الأغلبية السياسية في العراق الجديد في ظل غياب قانون الاحزاب والتكتل على أساس المذهب والإثنية، بالاكذوبة الكبرى او بالضحك على الذقون، لان حكومة الأغلبية في كل بلدان العالم لا تتشكل على أساس مناطقي او مذهبي او ديني او اثني، ابدا، لانها ستقسم البلاد وتكرس التفرقة وتمزق النسيج الاجتماعي، وإنما هي تقوم على أساس المعيار السياسي، اي أغلبية سياسية وأقلية سياسية، والا بالله قولوا لي مٓن مِنْ الكتل الثلاث يقبل ان لا تكون له حصة او دور في السلطة التنفيذية؟ بمعنى آخر، مٓن مِنْ الشيعة والسنة والكرد يقبل ان لا يكون له حضور ومساهمة في الحكومة؟. لذلك، فإننا نسمع ونقرأ في تصريحات كل الكتل والمرشحين حديثاً عن حكومة الأغلبية السياسية، ولكن، ما ان تظهر نتائج الانتخابات الا والجميع يغير سيمفونيته ليتحدث عن حكومة الشراكة، وكيف أنها مهمة لهذه المرحلة من تاريخ العراق وما الى ذلك، ولعل في تجربة انتخابات مجالس المحافظات الاخيرة خير دليل على ذلك، فكلّنا يتذكر كيف ان (ائتلاف دولة القانون) وزعيمه أصمّ آذاننا بحديثه عن حكومات الأغلبية السياسية المحلية، الا انه تراجع وغيّر موجة الحديث بمجرد ان عرف بانه لم يحصد أغلبية في اية محافظة من المحافظات ليعود ويتحدث عن حكومات الشراكة، وهذا ما حصل. طيب، اذا كان الامر كذلك في مجالس المحافظات التي تتشكل من نسيج ومكون اجتماعي واحد، فما بالك بمجلس النواب الذي يتشكل من كل مكونات المجتمع العراقي، والتي تتمثل عادة، كما أسلفت، في ثلاث كتل نيابية، شيعية وسنية وكردية؟. أتحدى كل من يتحدث منهم عن حكومة الأغلبية السياسية، ان يتعهد لنا امام الملأ بانه سوف لن يتراجع عن نظريته هذه، اذا ما فشل في حصد الأغلبية المريحة تحت قبة البرلمان الجديد، لنعرف من بكى ممّن تباكى. (١٠) اذا افترضنا جدلا ان (التحالف الوطني) حصد أغلبية مريحة في الانتخابات النيابية القادمة التي ستجري نهاية هذا الشهر (نيسان) فهل يمكن ان يشكل لوحده الحكومة؟ بمعنى هل يقبل الكرد والسنة ان تكون الحكومة شيعية (١٠٠٪)؟. ولو افترضنا جدلا ان التحالف الكردستاني حصد الأغلبية المريحة، فهل يمكنه ان يشكل الحكومة بمفرده؟ اي، هل سيقبل الشيعة والسنة ان تكون الحكومة كردية (١٠٠٪)؟. وإذا افترضنا جدلا ان كتلة متحدون حصدت أغلبية نيابية مريحة، فهل يمكنها ان تشكل الحكومة بمفردها؟ يعني، هل يقبل الشيعة والكرد ان تكون الحكومة سنية (١٠٠٪)؟. الجواب السريع والواضح على الأسئلة الثلاثة هو كلا وألف كلا؟. وعندما اذكر هذه الافتراضات فهي ليست من الخيال او للتسلية، ابدا، وإنما هي افتراضات من وحي الواقع، لان الكتل النيابية الكبيرة الثلاثة الرئيسية هي الشيعية والسنية والكردية، فليس هناك كتل نيابية سياسية، وإنما كلها اما مذهبية او إثنية، وهذا هو واقع العراق الجديد. نعم، لو كانت احزابنا السياسية (وطنية) اي انها تعتمد معيار المواطنة للانتماء اليها، لكانت الانتخابات قد أنتجت لنا كتلا نيابية تتشكل من خليط شيعي وسني وكردي ومسيحي وغير ذلك، عند ذلك لسنا بحاجة الى ان نفكر بهذه الطريقة ابدا. هذا من جانب، ومن جانب آخر، فان المادة (٧٦) من الدستور تنص، في احدى فقراتها، على ان مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا سيحصل على ثقة البرلمان اذا حصل على الأغلبية المطلقة من الأصوات، اي بما يساوي (١٦٥) صوتا بناء على العدد الجديد لأعضاء مجلس النواب
أقرأ ايضاً
- السيستاني والقوائم الانتخابية.. ردٌ على افتراء
- تكرار أخطاء الدورات الانتخابية السابقة
- "طشة" انتخابية