حجم النص
بقلم:علي الطالقاني* يمثل القتال الذي اندلع منذ شهرين في مناطق غرب العراق بين تنظيم "دولة العراق والشام" والقوات الحكومية بمساندة رجال القبائل، مرحلة تؤسس لسياسة جديدة قد تحدد نوع العلاقة المستقبلية بين الحكومة وأهالي هذه المدينة لأن المعركة تعكس مدى قدرة الحكومة العراقية على سيطرتها على الموقف من جانب وقدرة الأهالي على التفاهم والتفاعل تجاه القضايا الأمنية والسياسية من جانب آخر. الى الان لم تتضح معالم الصراع بشكل واضح فخلال الايام الماضية أظهرت فضائيات صورا توضح انتشار المجاميع المتشددة في مناطق من الانبار وأظهرت صورا أخرى تؤكد أسر العديد من الجنود ومقتل آخرين، فضلا عن عمليات الخطف بين صفوف المدنيين. فيما قال مراقبون ان نحو ٣٥٠ قتيلا ونحو ٦٠٠ مفقود بين صفوف القوات الأمنية وان مئات المنازل هدمت بسبب تفخيخها من قبل مسلحي "داعش" وبسبب القصف العشوائي، فيما يسقط عشرات القتلى يوميا. وقالت مصادر أمنية ان عدد الذين قتلو من تنظيم "داعش" هو 400 مسلح. وتقول معلومات ان عدد الانتحاريين الذي يتم تجنيدهم يبلغ نحو 40 انتحاريا شهريا، في حين أدت اعمال العنف خلال شهر كانون الثاني من عام 2014 الى مقتل أكثر من 1000 شخص، مقابل مقتل ثمانية آلاف عراقي في العام 2013. وفي بعض الأماكن الأخرى من العراق مثل كركوك والموصل وديالى ومناطق جرف الصخر التابعة الى محافظة بابل ومناطق حزام وجنوب بغداد تحاول التنظيمات المتشددة السيطرة على اجزاء من هذه المدن حيث تقوم بشن هجمات وزرع العبوات الناسفة والسيطرة على الوحدات العسكرية. يذكر ان تنظيم دولة العراق الاسلامية منذ اندلاع الصراع في سوريا قد استعاد عافيته الى حد كبير، حيث بدأ يعلن عن نفسه كتنظيم مستقل عن تنظيم القاعدة، فبعد إعلان زعيم تنظيم "داعش" أبو بكر البغدادي في نيسان/أبريل 2013 اتساع رقعة التنظيم والعمل داخل سوريا حاول تنظيم القاعدة الحد من هذا النفوذ بعد أن نأى بنفسه عن تنظيم "داعش" واعتبرت القاعدة ان الأخير لا ينتمي لقاعدة الجهاد. ويرى مراقبون ان مقاتلي داعش يبلغ نحو 6 الاف مقاتل وقد اعلن التنظيم عن اغلب العمليات الارهابية التي قام بها داخل العراق. ويبدو ان المفاوضات المتعثرة بين بعض رجال العشائر والحكومة العراقية التي تجري في الانبار والفلوجة من أجل انهاء الصراع لم تكن نتائجها مثمرة الى الان وهو الأمر الذي يجعل الحكومة العراقية أمام خيار واحد وهو الاقتحام وشن حرب واسعة، لكن ينبغي النظر الى حجم الخسائر بين صفوف المدنيين وصفوف القوات العراقية التي بدأت منهكة من القتال غير الحاسم ضد المسلحين. وهناك أمر آخر تمثّل بكون مسلحي العشائر منقسمين حول الوقوف ضد الحكومة او معها، فيما ظلّ بعض رجال العشائر مخفيا نواياه الحقيقية عاملا باتجاهين، فالمتحالفون مع الحكومة العراقية لم تكن اعدادهم كافية، وهو ما جعلهم غير قادرين على العمل في جميع المساحات التابعة الى محافظة الانبار فهناك أراض صحراوية وزراعية كبيرة، فضلا عن عدم امتلاكهم تقنيات ومعدات حديثة في تنفيذ واجباتهم الأمنية بالشكل المطلوب. أما الامر الأخير فيجسده الاحتقان الشعبي الذي تولد عند اهالي الانبار تجاه الحكومة العراقية وهو أمر له اسباب وجذور معروفة تستطيع التنظيمات المتشددة النفاذ من خلاله، مما يسمح بتكوين حاضنات راعية للتنظيمات المتشددة. ان الجهود الاقليمية التي تضغط على العراق من اجل جعله خاضعا لسيطرتها هو ما يدفع بالتنظيمات المسلحة وخصوصا المدعومة من دول خليجية لتأجيج النزاع وإطالة أمده. معالجات لقد كان الصراع باهض الثمن بالنسبة للحكومة العراقية فالخسائر بين صفوف القوات الأمنية والمدنيين تقع بشكل يومي وهناك الالاف من النازحين الذين هربوا من القتال والذين نزحوا الى محافظات أخرى، مثل كربلاء وبابل ومحافظات اقليم كردستان، وعليه فإن مجموعة إجراءات من الممكن أن تسهم في حلحلة الأزمة وتضييق مدياتها التي قد تتفجر إلى نطاق أوسع: الامر الأول: ضرورة اقتناع الحكومة العراقية بمحدودية نتائج الحلول العسكرية. الأمر الثاني: السيطرة على العنف وعدم انتقال المسلحين من سوريا من خلال توظيف الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية في مواجهتها للتنظيمات المتشددة. الأمر الثالث: اقناع القوى السنية المعتدلة بمصداقية وعود الدعم الحكومي لهذه المناطق سياسيا واقتصاديا. فبعد مرور ما يزيد عن شهرين على اندلاع القتال، لا توجد مؤشرات نحو انهاء ملف التنظيمات الارهابية، فتنظيم "دولة العراق والشام" تسيطر تنتشر في مناطق غرب وشمال بغداد. لكن لدى الحكومة العراقية مؤشرات إيجابية قد تستطيع اعتمدها من أجل السيطرة على جميع اراضي الانبار. ويمكن ان تستغل الحكومة العراقية الحصول على دعم أكبر من خلال دعم رجال العشائر المعتدلين، ودعم القوات الأمنية بصورة كافية، وتعزيز روح الشراكة بين الحكومة وابناء هذه المناطق وتوسيعها في مختلف المناطق التي تعاني الارهاب. ويمكن للحكومة العراقية تحسين علاقتها مع أهالي هذه المدن من خلال تقديم الدعم المنظم للدفاع عن انفسهم وخصوصا ان اغلب هؤلاء الأهالي يشعرون بالخوف من خطر هذه التنظيمات التي تتواجد وتعمل بقوة في تلك المناطق. وقبل ذلك ينبغي ان تكون هناك استراتيجية وعمل حقيقيين للحيلولة دون ان تكسب هذه التنظيمات دماء جديدة بين صفوفها. ويمكن وضع برامج اجتماعية تشمل نشر الوعي والثقافة وتوضيح مخاطر العنف على المجتمع وتكثيف الارشادات التي توضح مخاطر الارهاب ونتائجها على السلوك الانساني. *كاتب صحفي وباحث في شؤون الارهاب
أقرأ ايضاً
- لماذا أدعو إلى إصلاح التعليم العالي؟ ..اصلاح التعليم العالي الطريق السليم لاصلاح الدولة
- معارضة مذهب التشيع.. نافذة على التاريخ
- هل المقاطعة هي الطريق إلى الإصلاحات الدستورية أم أنها الدَرس الأخير في الانتخابات؟