حجم النص
بقلم :عباس عبد الرزاق الصباغ
من السذاجة بمكان الحكم بان مسعى الولايات المتحدة الأمريكية الى شن ضربة "محدودة" تقول عنها انها "تأديبية" ضد نظام بشار الأسد هو بسبب "حقوق" الإنسان بعد الهجمة الكيماوية التي استهدفت أبرياء أكثرهم في الغوطة حيث تتمركز اغلب القوات التي تحارب نظام بشار الأسد ولحد الآن لم يثبت أي تقرير مسؤولية أي طرف من أطراف النزاع في توجيه هذه الضربة مع الاخذ بنظر الاعتبار إن كلا الطرفين له سجل غير نظيف في حقل حقوق الإنسان يشجع على توجيه الاتهام اليه، ولكن وبحسب ادعاءات الإدارة الأمريكية ولأسباب تتعلق بالأمن القومي الأمريكي لإعادة ترتيب خارطة الإستراتيجيات في شرق أوسط خالٍ من العناصر "المشاكسة" مثل نظام بشار الاسد وحزب الله وصولا الى إيران ووفق معطيات مايسمى بالربيع العربي والنتائج التي تمخضت عن حرب العراق وسيناريو إسقاط صدام .
ان الانتهاكات اليومية الفظيعة التي تجري في سوريا منذ أكثر من سنتين من قبل جميع الأطراف المتنازعة والتي يدفع ثمنها الشعب السوري الأعزل والذي ليس له ناقة او بعير في هذا الصراع ،وكما يظهر ذلك واضحا في المشاهد المسربة من العمق السوري لم تكن لتستحث المجتمع الدولي او مجلس الأمن او الأمم المتحدة سوى إصدار بيانات الاستنكار والشجب والدعوة الى "إلقاء" السلاح والتزام "ضبط" النفس وتغليب لغة "العقل" واللجوء الى "الحوار" في وقت تعيش سوريا فيه حربا أهلية طاحنة تتصارع فيها الأجندات الخارجية والنوازع الطائفية مدفوعة الثمن وكانت الولايات المتحدة تراقب ذلك عن كثب، وقد جاء الحدث المرتقب وهو التراشق بالجهد الكيماوي وهو من أسلحة الدمار الشامل الأمر الذي عدته الإدارة الأمريكية خطاً احمر ينبغي عدم السكوت عليه مجيشّة الرأي العام الأمريكي فضلا عن الكونغرس ومحشدة الرأي العام العالمي وملقية بالمسؤولية على نظام بشار دون أي دليل قاطع سوى التباكي على "حقوق" الإنسان والمسالة لحد الآن هي مجرد تكهنات وافتراضات مبنية على استنتاجات كيدية مسبقة فلم تقدم الولايات المتحدة أي دليل قاطع على استخدام الأسد للسلاح الكيماوي في المقابل لم تقدم روسيا أي دليل قاطع على عدم استعمال هذا النظام للأسلحة الكيماوية فالذي "يؤكد" لم يقدم أي دليل وهو ماض في التلويح بالقوة "الخشنة" هذه المرة حتى من دون تفويض أممي والذي "ينفي" لم يقدم أي دليل ايضا فكأن المسالة أحجية سياسية يتبارى الطرفان الى حلها ولكن بمنظار الهيمنة والمصالح الإستراتيجية ودواعي "مخاطر" الامن القومي.
الحقيقة الكامنة في المسعى الأمريكي هذه المرة ليست في استنساخ تجربة العراق او إنتاج طبعة معدلة لسقوط صدام حسين وفق سيناريو جديد لن يعيد الى الأذهان تجربة العراق حسب ادعاء "كيري" وزير الخارجية الأمريكي بان تجربة العراق لن تتكرر وهي تجربة مريرة ودامية ومكلفة ومليئة بالأخطاء والإخفاقات بالنسبة للولايات المتحدة وللعراقيين في ذات الوقت ، وإنما المسعى الحقيقي هو محاولة الولايات المتحدة بالإمساك بعصا التفوق الإستراتيجي الشرق الأوسطي من الوسط والتلويح بالقوة متى ما رأت مصالحها ومصالح حليفتها الإستراتيجية "إسرائيل" تقتضي ذلك بعرض العضلات والإيحاء بان منطقة الشرق الأوسط هي من ضمن الثوابت الإستراتيجية للولايات المتحدة وليس بالضرورة الالتزام بمبدأ القوة الناعمة إذا ما تعرضت مصالحهما الإستراتيجية للخطر والإشارة الصريحة بأنها مازالت ماسكة بخيوط اللعبة الجيوستراتيجية الشرق أوسطية وانها تدير بيادق "الشطرنج" متى ما أرادت ذلك حتى في ظل انحسار او تراجع الاهتمام الأمريكي في هذه المنطقة فان اتجاها تنحوه الإدارة الديمقراطية واتجاها شعبيا أمريكا ينزع نحو هذا التراجع مع الاستمرار في تهميش الدور الروسي والصيني في المنطقة باعتبار منطقة الشرق الأوسط احتكارا أمريكيا في كل الظروف والمستحدثات فالوجه الأمريكي الخشن يقتضي العبور فوق التفويض الدولي وتجاوز المنصة الأممية إذا ما استدعت الضرورة القومية الأمريكية لذلك كما فعلت في حرب 2003 في العراق . والسبب الثاني والمهم في المسعى الأمريكي هو تقليم أظافر الأسد وحزب الله او التمهيد للقضاء عليهما كلاهما في سيناريو اخر مستقبلي فكلاهما شوكة في خاصرة إسرائيل بحسب ظاهر الحال ... ان حرب المصالح ذات الأجندات الخارجية سيحوّل المشهد السوري الى مستنقع قد يفوق تقديرات صانع القرار الأمريكي او قد يحول المنطقة كلها الى برميل بارود وتدفع الأطراف المتورطة في هذا الصراع الثمن ذاته الذي يدفعه بشار الأسد ويتحول المشهد السوري بحسب رؤية العراق المحذرة من توجيه ضربة أمريكية، يتحول الى فيتنام اخرى للولايات المتحدة التي تسعى الى توجيه هذه الضربة دون تفويض أممي يشرعن استخدام القوة كحد أقصى إن تعذر "التفاهم" وهذه ليست المرة الاولى التي ترتكب أمريكا هذا الخطأ الإستراتيجي الذي قد يُدخل الثعلب الأمريكي في القفص كما دخل الدب الروسي في الفخ عام 1979 الذي استدرجته الاستخبارات الأمريكية والمخابرات الباكستانية ومعهما تنظيم القاعدة للوقوع في الفخ ما أسرع في انهيار الاتحاد السوفييتي وقد تكون سوريا أفغانستان اخرى ولكن بالمعكوس.
إعلامي وكاتب مستقل
[email protected]
أقرأ ايضاً
- متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟
- النفط.. مخالب في نوفمبر وعيون على الرئيس القادم لأمريكا
- متى .......نتعلم ؟