حجم النص
بقلم عباس عبد الرزاق الصباغ
ما لاشك فيه إن مآلات المشهد العراقي اكبر واخطر بكثير من أي اجتماع "وطني" ينعقد ويجري فيه حوار جامع وشامل الغرض منه إذابة الجليد المتراكم بين الأطراف وتحطيم الحواجز النفسية بينهم وتقريب وجهات النظر فان تلك الدعوات الرامية الى عقد هكذا اجتماعات وهكذا حوارات هي ـ بالتأكيدـ دعوات صادقة وذات نية سليمة وتنطلق من حرص شديد وأكيد على مصلحة البلد واستمرار العملية السياسية بالشكل الصحيح وهدفها الأول والأخير تحقيق الحد الأدنى من التقارب والانسجام بين الفرقاء السياسيين الذين يعج المشهد السياسي العراقي بالكثير من مشاكلهم، وتحقيق السلم الأهلي وحقن الدماء.
والحوار فكرة جيدة بحد ذاتها تستدعي لتحقيقها الكثير من الأمور منها؛ التنازل بقدر الممكن عن كثير من سقوف المطالب والشروط المتبادلة وعبور الطائفية والمناطقية والقفز فوق التحاصص وهذه قد تبدو في تحقيقها في الوقت الراهن الى الخيال اقرب منها الى الواقع ( مع ترحيب اغلب الكتل والفرقاء السياسيين بفكرة الحوار) لكون مشاكل المشهد العراقي لا تحل بمجرد عقد اجتماع وإجراء حوار ولقاءات بروتوكولية ومجاملات وتطييب "الخواطر" وتسويق ذلك كمشروع "للمصالحة" والظهور بالمظهر الحسن أمام وسائل الإعلام والرأي العام .
إن الخلل في التأسيس الدولتي، والتفكك في العقد الاجتماعي ، والتشتت والتناحر المذهبي والمناطقي والعرقي والاثني ،والتركة الثقيلة التي ورثها العراقيون عن الأنظمة السابقة وما تراكم من تداعيات السنين الأخيرة، فضلا عن التصدعات السياسية والمجتمعية والمذهبية التي أوجدها النظام السابق كل ذلك يجعل الحوار ـ في حال عقده ـ أشبه بسفسطات ومزايدات يراد منها التسويق الاعلامي والترويج السياسي، إذ لم يوضح الذين يطالبون ويدعون والذين "يرحبون" بكيفية هذا الحوار وماهيته وإجراءاته ومخاضاته ومآلاته وكما يبدو إن اغلب الكتل السياسية ليس بوسعها التنازل ـ بسبب الشروخ والتناحرات الكثيرة ـ قيد أنملة عن سقوف مطاليبها وشروطها فيكون الحوار في حالة عقد اللقاء الحاضن له عقيما ويتحول اللقاء ـ في حالة صفاء الأجواء ـ الى مجرد منبر للخطب الحماسية والارضاءات والمجاملات الشكلية لان الخلل والإخفاق والمشاكل المستعصية لا يحلان بالحوار فقط بل بترميم العملية السياسية من الجذور مثلا ( تشكيل حكومة أغلبية سياسية مثلا) وإعادة بناء العقد الاجتماعي العراقي من خلال اعادة ترتيب العلاقة مابين الدولة والمواطن ترتيبا وظيفيا صحيحا، وعبور تخوم الطائفية والمناطقية والتحاصصية، وقبول الآخر المتشارك في الوطن والمواطنة والمشترك في العملية السياسية، وان لا يتحول الحوار في أي ملتقى يعقد الى مجرد منبر سياسي وإعلامي .
الحوار إذا ما تم طرحه بشكله الزئبقي ولم تتحدد ماهيته أو كيفيته أو ماذا سيطرح فيه والقضايا التي سيعالجها والنتائج التي سيخرج بها فانه لا يؤدي وظيفته ولا يتجاوز الأطر البروتوكولية ولا يعد الوصفة الناجعة لتخطي المرحلة الحرجة وبناء دولة مدنية ناجحة ، ولا يكفي مجرد عقد الحوار والترحيب به لفك جميع الاشتباكات وتخطي الأزمات والانسدادات ولا يكون العصا السحرية التي "تلقف" جميع المشاكل التي تعصف بالعملية السياسية؟ .
إعلامي وكاتب مستقل [email protected]