- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
وزير تكنوقراط للثقافة العراقية !!
ثمة اشارتان لايمكن ان تكونا عابرتين او تمرا مرور الكرام للمضي في الاتجاه الصحيح نحو مأسسة الدولة العراقية بعيدا عن سياقات التحاصص والتوافق والمراضاة والاستقطابات الحزبوية والتمركزات الكتلوية والتخندقات الفئوية والادلجات السياسية التي تصطبغ بها المؤسسات والمفاصل الحكومية (السلطات الثلاث) بطابع هو الاخر بعيد عن الطابع المؤسساتي او المهني او التكنوقراطي الكفوء او المستقل .
الاشارة الاولى المحت الى شبه اتفاق من اغلب الكتل السياسية المنضوية في بودقة العملية السياسية حول اناطة الملف الامني(وزارة الدفاع ووزارة الداخلية وهما وزارتان سياديتان ذواتا اهمية إستراتيجية قصوى ) برمته الى وزراء مستقلين خارج نظام التحاصص والاستحقاقات الانتخابية المترتبة على أية كتلة فضلا عن اتصافهم بالمزايا التكنوقراطية والسمعة المهنية والوظيفية الطيبة، اما الاشارة الثانية التي لاتقل اهمية عن الاولى إن لم تكن امتدادا \"نوعيا\" لها فهي تتمثل بمطالبة الكثيرين من مثقفي العراق ومن نخب الانتلجنسيا العراقية بإناطة وزارة الثقافة العراقية ( وهي وزارة ثانوية غير سيادية وذات اهتمام ثانوي !!!!) بشخصية مستقلة (بغض النظر عن انتمائها القومي او الطائفي او العرقي او الاثني) حالها حال وزارتي الدفاع والداخلية السياديتين وان لاتقل كفاءة وزير الثقافة عن كفاءة زميليه وزيري الدفاع والداخلية ويكون وزيرا تكنوقراطيا للثقافة ومن المتمرسين في الشؤون الثقافية ومن ذات الوسط الثقافي وكلا المطلبين مشروعان ومنطقيان إن لم يكونا الخطوة الاولى في المسعى نحو جعل الأداء الحكومي ذا مقاربات مهنية وحضارية ووطنية ولنزع صفة التسييس والادلجة وحتى الشخصانية عن هذا الاداء.
ان هذا المسعى لا يعني ان لا تخوض الاحزاب غمار العمل السياسي، كونها (الوسيلة الفعالة لتنظيم مشاركة الأفراد السياسة في الحكم بواسطة الانضمام إليها اذ تلعب الأحزاب دورا هاما في تمثيل الأقليات وتعمل على زيادة وتماسك وتلاحم المجتمعات غير المتجانسة وتنمية الشعور القومي و نشر الوعي السياسي) فضلا عن إن الانخراط الحزبي وممارسة العمل السياسي المقنن هو استحقاق جماهيري كفله الدستور العراقي قبل أن يكون استحقاقا نخبويا او كتلويا [ المادة (37):-اولاً :ـ حرية تأسيس الجمعيات والأحزاب السياسية، او الانضمام اليها، مكفولةٌ)] وهو استحقاق يدخل مداه الصحيح والايجابي فكرا وممارسة في السياقات الليبرالية ذات الأنساق التي تتمتع بقدر وافر من النزاهة والشفافية والإحساس العالي بالمواطنة واحترام أسس العقد الاجتماعي، بالمقابل يجب أن يتمايز الأداء الحكومي عن التوجه الحزبي وينأى عن الادلجة والتسييس وهذا ما طمح اليه المثقفون العراقيون من مطالبتهم أو من \"طموحهم\" المشروع لاستقلالية الثقافة العراقية ممثلة بوزيرها الذي يفترض هو الآخر أن يكون مستقلا عن التوجهات الحزبوية، تلك الثقافة التي عانت الأمرَّينِ من محاولات تدجينها وترويضها ومسخها وتفريغها من جميع محتوياتها الابستمولوجية والمعرفية والإنسانية والحضارية والأدبية وغيرها من قبل الديكتاتوريات الشمولية المتخلفة وعانت كذلك من ربطها بعجلة التوافقات السياسية ضمن مبدأ المحاصصة الذي يأمل جميع العراقيين ومنهم المثقفون أن ينحسر شيئا فشيئا في المشهد السياسي العراقي للتحول نحو بناء دولة عصرية متحضرة وبناء مرتكزات ثقافية تنطلق منها النخب المثقفة فضلا عن الطبقة الوسطى (التي ما تزال ضامرة) لأداء دورها الذي غيب لعقود طويلة.
الشيء الذي يلفت النظر ويبعث على الأسى في الوقت نفسه ان الإشارة الاولى التي اكدت على تولي الوزارات الأمنية من قبل شخصيات مستقلة ،وهذا شيء مفرح للغاية ويعد منجزا متطورا في تشكيلة اية حكومة مرتقبة او قادمة، قد حصلت على اهتمام رسمي وبرلماني وإعلامي واسع بل وحظيت بإجماع وارتياح اغلب الكتل السياسية في حين كانت الإشارة الأخرى بخصوص تولي شخصية مستقلة لوزارة الثقافة العراقية إشارة خجولة وباهتة وشاحبة ولم تأخذ استحقاقها الإعلامي او اهتمامها الرسمي ولم تفعـّل برلمانيا وما كانت سوى صرخة ضاعت ادراج الرياح وسط صخب التجاذبات السياسية التي طغى هديره على أية مطالبة من هذا النوع وراحت ضحية الاستعصاءات والفيتوات والصفقات المتبادلة .
إعلامي وكاتب عراقي