- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الفرق بين المفصول السياسي والسجين السياسي ومسؤولية مؤسستي الشهداء والسجناء
عرف العراق بعد 2003، مصطلحيين سياسيين قانونيين، أحداهما: مصطلح \"المفصول السياسي\"، والثاني مصطلح \"السجين السياسي\" إلا أن التمييز بينما، وما يترتب عليه من إجراءات إدارية لشمول المستحقين بهما، أضحى عصيا على بعض رجال القانون والإدارة في مؤسسات الدولة العراقية، ولجان المفصولين السياسيين في الوزارات، ولجان التحقق، ولجان الطعون في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، فضلا عن مؤسستي السجناء السياسيين والشهداء، ناهيك عن المشمولين بقوانين المفصولين، والسجناء السياسيين.
فهل المفصول السياسي هو بالضرورة سجين سياسي، وهل السجين السياسي بالضرورة هو مفصول سياسي، أم أن كل منهم يدل على معنى معين، وإن اجتماعا على مستوى المصداق في شخص ما؟
لقد نص قانون مؤسسة السجناء السياسيين في المادة (5) \"يسري هذا القانون على السجين والمعتقل السياسي من العراقيين في ظل نظام البعث البائد، ويقصد بالمعاني الواردة في هذا القانون: أولا: السجين السياسي: من حبس أو سجن بسبب معارضته للنظام البائد في الرأي أو المعتقد أو الانتماء السياسي أو تعاطفه مع معارضيه أو مساعدته لهم. ثانياً: المعتقل السياسي: كل من اعتقل لنفس الأسباب المذكورة في تعريف السجين السياسي\".
بينما نص قانون المفصولين السياسيين 2005 في المادة الأولى: أولاً ـ يعاد إلى الوظيفة في دوائر الدولة والقطاع العام والقطاع المختلط من مدنيين وعسكريين وقوى الأمن الداخلي، المفصولين لأسباب سياسية أو عرقية أو مذهبية للفترة الممتدة بين 17 / 7 / 1968 و 9 / 4 / 2003 بما في ذلك:
أ- من ترك الوظيفة بسبب الهجرة أو التهجير خارج العراق .
بـ من أعتقل أو أحتجز أو تم توقيفه من قبل سلطات النظام السابق .
جـ من اضطر إلى ترك الدراسة في الجامعات العراقية .
د من تعذر عليه المباشرة في وظيفته التي تم تعيينه فيها .
هــ من أحيل على التقاعد قبل بلوغه السن القانونية .
وبالمقارنة بين القانونين؛ نجد أن قانون مؤسسة السجناء السياسيين يعنى بالسجين أو بالمعتقل فقط ، وذلك بسبب معارضته للنظام البائد في الرأي أو المعتقد أو الانتماء السياسي أو تعاطفه مع معارضيه أو مساعدته لهم. بينما قانون المفصولين السياسيين يعنى بالمفصول السياسي، ومن أمثلة المشمولين بالفصل السياسي - بحسب القانون- هم من ترك الوظيفة أو الدراسة أو لم يعين رغم أنه كان متعاقدا ، أو تعذر عليه المباشرة في وظيفته، وغيرها من الأمثلة التي ذكرها القانون المفصولين السياسيين، بما في ذلك من أعتقل أو أحتجز أو تم توقيفه من قبل سلطات النظام السابق للأسباب العرقية أو المذهبية أو السياسية، وهذا يعني من حيث المبدأ أن مصطلح المفصل السياسي أعم من مصطلح السجين السياسي.
ولكن الالتباس والخط بين المصطلحين وقع من خلال سوء فهم نص قانون تعديل قانون إعادة المفصولين السياسيين لسنة 2008 ، وذلك في المادة الثانية: ثانياً- يعد مشمولاً بإحكام هذا القانون من سجن أو اعتقل أو احتجز أو أوقف للأسباب المذكورة والمدة الزمنية الواردة في الفقرة أولا من المادة الأولى، وتسبب ذلك في :
1-حرمانه من إكمال دراسته الثانوية أو الجامعية .
2- تعذر حصوله على وظيفة أو مباشرته في الوظيفة التي عين فيها قبل سجنه أو اعتقاله أو احتجازه أو توقيفه.
3- عدم تعيين من كان متعاقداً مع دوائر الدولة أو القطاع العام أو المختلط على الملاك الدائم.
فربط هذا التعديل مصطلح المفصول السياسي بمصطلح السجين أو المعتقل السياسي، وأضحى على من يدعي أنه مفصول سياسي أن يثبت أولا، أنه سجن أو اعتقل أو احتجز أو أوقف، حتى تحتسب له مفصول سياسي بغض النظر عن كونه من العوائل المتضررة أو عوائل الشهداء!. وبالتالي، جاءت دعوة بعضهم إلى عدم شمول ذوي الشهداء بالفصل السياسي
لكننا نعتقد أن الدعوة إلى عدم شمول ذوي الشهداء بقانون الفصل السياسي، لان القانون اشترط أن يكون ذو الشهيد بذاته محتجزا أو معتقلا أو مسجونا هي دعوة غير صحيحة- وإن كانت ظاهرة في نص القانون المعدل للوهلة الأولى- للأسباب الآتية:
1- أن المفصول السياسي هو غير السجين السياسي؛ فليس - بالضرورة- أن يكون المفصول السياسي سجينا سياسيا، كما أنه ليس - بالضرورة- أن يكون السجين السياسي مفصولا سياسيا. وبناء على هذا فان للمفصولين السياسيين قوانين خاص بهم، وللسجناء السياسيين قانون مؤسسة السجناء، وهذا واضح وبديهي.
2- اشتراط أن يكون ذو الشهيد بذاته محتجزا أو معتقلا أو مسجونا تطبيقا لنص القانون بشكله الجامد، يعني - بعبارة أخرى- لا معنى على الإطلاق للعبارات التي تضمنها قانون المفصولين السياسيين وتعليمات الأمانة العامة لمجلس الوزراء مثل \" الاضطهاد السياسي والعرقي والمذهبي\" و\"إنصاف السجناء السياسيين\" و\"تكريم عوائل الشهداء الذين توفوا في سجون النظام البائد \" وغيرها، لماذا؟ لان أي شخص يثبت أنه كان محتجزا ليوم واحد -على سبيل المثل- في زمن النظام السابق، ولأي سبب كان فسوف يُشمل بنص هذا القانون، ولا داعي أن يكون من ذوي الشهداء أو المعارضين أو المتضررين، وهو ما يتناقض مع نص وروح القانون.
3 - على فرض اشتراط أن يكون ذو الشهيد محتجزا أو معتقلا أو سجينا، فان هذا الشرط هو حاصل تحصيل؛ فليس هناك مواطن عاقل عاش في العراق زمن النظام البائد، فضلا عن المسئولين العراقيين الحالين، يعتقد أن النظام البائد إذا اعدم معارضا له يمكن أن يترك عائلته أو أبنائه أو أخوته أو آبائه يعيشون بسلام وأمان، فكل عوائل الشهداء ودون استثناء وبالخصوص الأبناء والإباء والأخوان قد تم التحقيق معهم ومضايقتهم واحتجازهم وتخويفهم وسجنهم واعتقالهم وتعذيبهم إلى أخره.
4- أن مطالبة ذوي الشهداء لإثبات أنهم كانوا يوما ما محتجزين أو معتقلين أو مسجونين هو خلاف الأصل، فالأصل في سياسات النظام البائد هو محاسبة العائلة بجريرة أو ذنب احد أفرادها، فإذا شكت لجان المفصولين السياسيين بان مقدم الطلب لم يكن من ذوي عوائل الشهداء أو لم يكن من المتضررين، فيمكن اللجوء إلى إجراءات التثبت من خلال مؤسسة الشهداء باعتبارها المؤسسة الحكومية الوحيدة المعنية بشؤون الشهداء. وهذا ما قامت به اللجنة المركزية حيث أرسلت كتاب صحة صدور إلى مؤسسة الشهداء للتأكد من الوثائق المقدمة.
5- على فرض القبول بان على ذوي الشهداء أن يثبتوا أنهم كانوا محتجزين أو سجناء، فكيف سيتم إثبات ذلك، فقوانين المفصولين السياسيين لم تحدد طرق إثبات كون هذا معتقل أو محتجز أو .. عدا المادة السادسة من التعليمات التي ألزمت \" اللجان الفرعية والمركزية المشكلة بموجب هذه التعليمات في إصدار قراراتها على الأدلة المقدمة لها والمعتمدة في قانون الإثبات النفاذ\"
وبالتالي، يمكن تصور عدد من الاحتمالات:
1- أن يجلب ذو الشهيد وثائق من مراكز الأمن والأمن الخاص وأجهزة النظام القمعي التي اعتقلوا فيها تثبت أنهم تعرضوا إلى واحد من الأضرار المذكورة في نص القانون، وهذا بذاته تكليف بالمستحيل؛ فالكثير من ذوي شهداء المقابر الجماعية لم يتمكنوا من إيجاد جثث ذويهم - رغم مرور سبع سنوات- على سقوط النظام؛ ولم تساعدهم الدولة في ذلك، فكيف نطالبهم بجلب وثائق من نظام حرق وثائقه الأمنية أو نهبت إثناء السقوط، ومضى على اعتقال بعضهم عشرات السنين!! .
2- أن يذهب ذو الشهيد إلى مؤسسة السجناء ليثبتوا أنهم كانوا من المحتجزين والسجناء والمعتقلين، وهذا يعني أن كل مفصول سياسي، يجب أن يكون سجينا سياسيا، وهذا تفسير خاطئ كما تبين، كما أن مؤسسة السجناء لم تنه ملفات السجناء السياسيين ممن لم يصدر حكم قضائي بحقهم ولم تتخذ قرارا بهذا الشأن، مضافا إلى المعاناة التي يعانيها السجناء أنفسهم، ناهيك إلى أن ذوي الشهداء رتبوا كل أوضاعهم مع مؤسسة الشهداء دون مؤسسة السجناء.
3- أن يجلب ذوو الشهداء تأييد من أحزابهم وحركاتهم السياسية التي ينتمون إليها أو كانوا ينتمون إليها تثبت تعرضهم إلى واحد من هذه الإضرار.
4- أن يجلب ذوو الشهداء وثائق وشهادات منظمات حقوق الإنسان الصادرة قبل 2003 ، أو وثائق وصحف ومجلات المعارضة العراقية الصادرة قبل 2003 ، فالكثير من معاناة أبناء الشهداء والمتضررين موثقة لدى المنظمات الإنسانية أو حركات وأحزاب المعارضة العراقية.
5- أن يثبت ذوو الشهداء أمام المحاكم العادية وبالطرق الإثبات العادية، إنهم كانوا يوما ما محتجزين أو معتقلين أو..
6- أن تعتمد لجان المفصولين على كتب التأييد من مؤسسة الشهداء من خلال إجراءات صحة الصدور، حيث أن لمؤسسة الشهداء بطاقة معلومات محكمة تخص الشهداء وذويهم خاصة من الدرجة الأولى والثانية، حيث ثبت من خلال المعلومات التي يدلي بها ذوي الشهداء أنهم تعرضوا إلى أنواع مختلفة من التعامل اللانساني. علما بان مؤسسة الشهداء هي الجهة الحكومية الوحيدة التي تعني بذوي الشهداء وهي المسئولة عنهم مسؤولية مباشرة.
7-أن يثبت ذوو الشهداء أمام قضاة لجان التحقيق من خلال أدلة الإثبات العادية أنهم كانوا يوما ما محتجزين أو معتقلين أو مسجونين...
8- والاحتمال الأخير، وبناء على المعطيات المتقدمة، أن يترك هذا الموضوع إلى السلطة التقديرية للجان المفصولين ولجان التحقق من خلال الإثباتات التي قدمها طالب الفصل السياسي من ذوي الشهداء، وهو أكثر الإجراءات ملائمة لروح القانون وتحقيقا لمصلحة المتضررين.
أقرأ ايضاً
- صفقات القرون في زمن الانحطاط السياسي
- ثورة الحسين (ع) في كربلاء.. ابعادها الدينية والسياسية والانسانية والاعلامية والقيادة والتضحية والفداء والخلود
- ظاهرة الحج السياسي