الاستبداد غالباً ما يأتي من روح شريرة متمرسة في الاجرام، وتحب التسلط والاعتداء والقفز على اكتاف الاخرين، لغرض الغلبة وارتقاء المناصب العليا وحب الظهور والجلوس على ارائك السياسة والمستبد يبذل كل ما يملك في سبيل الوصول الى الهدف المرسوم، وان كان ذلك على حساب الدين والقيم والمبادئ الاخرى، وهو لا يهمه ذلك بقدر ما يهمه المطلب الذي ينشده ويروم الوصول اليه، مهما كانت النتائج.وتاريخ المستبدين حافل بالاجرام والقتل وسحق المبادئ الانسانية، والاستهزاء بالانسان نفسه ومحاولة طمس حقوقه والاعتداء على كرامته، وهناك حوادث كثيرة ذكرها لنا التاريخ، لا يسمح المجال هنا لسردها.
ففي الوقت الحديث كلنا قد رأى ما فعله صدام بالشعب العراقي، وصدام مثال صارخ للمستبد الظالم الذي تجاوز حد الظلم
وفاز على اقرانه من الظالمين قديماً وحديثاً.
من الناحية النفسية فان المستبد يشعر بالقلق والاضطراب، والشعور بالخوف، الخوف من كل شيء، الناس، المحيط، المجتمع اضافة الى انه لاينام الا قليلاً فنديمه الارق والشعور بالملل، ولا يثق باقرب الناس اليه، ويشعر بان الكل يريدون التخلص منه والافلات من قبضته، فهو ينظر اليهم بشزر ويطيل النظر اليهم بحقد وكراهية، وعدم الرضا، وهو بتعبير اخر اشبه بالمجنون المصاب في عقله فيميل الى الهذيان، ويحب الخلوة الى نفسه ومراجعة ذاته، واقتناص الفرصة للبكاء لشعوره بالاثم، لكنه عندما يصحو يعود الى سالف عهده فيمارس الظلم والاضطهاد، وينام على انين المظلوم الواقع تحت سياط قبضته، حيث العذاب الذي لا يطاق والذي يمارس ضده.
وغالباً ما يكون المستبد اقصر عمراً من سواه، وذلك بسبب الامراض النفسية التي يعانيها، هذه الامراض تنعكس سلباً على حياته فيتولد اضطراب يفضي بالتالي الى امراض عضوية خطيرة تؤدي بالنهاية الى الوفاة مبكراً وهو في شرخ الشباب ومقتبل العمر.
فالمستبد لا يمكن ان نصفه بالانسان السوي العاقل اذ ان العقل يرفض الاجرام ويميل دائماً الى الدعة والسكون والميل الى الراحة والاطمئنان، ويكره الظلم وافعال الجريمة والدوافع الشريرة الاخرى والعقلاء بصورة عامة نراهم يميلون الى حب القراءة ولا سيما الفلسفة والادب والاستماع الى الموسيقى، وممارسة الهوايات الاخرى مثل الرياضة والرسم والنحت والفنون التشكيلية الاخرى وقطعاً فان المستبد يكره كل هذه الامور التي اشرنا اليها، بل ويحاربها بكل ما اوتي من قوة وهذا تاريخ المستبدين بين ظهرانينا فلم نجد فيه ان هناك مستبداً كان فيلسوفاً او شاعراً كبيراً يشار اليه بالبنان او موسيقياً مثل (موزارت) او (بيتهوفن)او روائياً مثل دستويفسكي او نجيب محفوظ، بل رأينا ظالمين مثل الحجاج بن يوسف الثقفي واتاتورك وهتلر وصدام حسين.
التاريخ يذكر المستبدين فيلعنهم اشد لعنة، بينما يذكر العلماء والفلاسفة وارباب الفكر فيمجدهم ويثني عليهم، ولا يذكرهم بسوء ويستعرض نتاجهم العلمي والفكري وينقله بأمانه الى الاجيال لغرض الاطلاع عليه وزجه في سلوكهم العلمي والادبي والحضاري، وما هذه العلوم والتكنولوجيا الا فيض من نتاج الذين سبقونا وافاضوا علينا بينابيع العلم الذي لا زلنا نأخذ من معينه العذب كل بحسب ميوله وتوجهه الفكري والعلمي والفلسفي والادبي.
ولو اردنا ان نبحث وننقب في ارث المستبدين، ماذا نجد وماذا نرى؟ سوى القتل والدمار والاعتداء الآثم على مقدرات الشعوب، واجهاض الفكر العلمي والاصلاحي، ومحاولة طمس الهوية الانسانية لتلك الشعوب بحيث جعلوا منهم ان يأكل بعضهم بعضاً ويقتل بعضهم بعضاً، لغرض العيش على حساب الاخرين برفاهية مفرطة، وهو فعلاً ماقد حصل لكثير من الشعوب والامم الاخرى.
يقال ان المستبدين لم يصنعوا انفسهم بانفسهم، وانما الشعوب هي التي صنعتهم وافضت عليهم هذه الهالة من القداسة، ومجدتهم التمجيد الزائف، وحاولت التقرب اليهم والجلوس الى موائدهم المستديمة والمستبد لا يستطيع ان يصنع مجده، وهو جبان ورعديد ولا يستطيع ان يتخذ قرارات صعبة وصائبة، لكنه قد وجد العقل الذي يحركه ويشير عليه ويحاول ان يشحذ من همته ويقوي ارادته، وبانه الفذ البطل الذي لا تلين عريكته، والفارس المغوار الذي تهابه الابطال وتفزع من صولته الاسود...وهكذا نفخوا في اوداجه حتى كشر عن انيابه، واخذ يلتهم
كل من حوله، فصار الكل يهابه ويتقي سطوته، ويحاول الابتعاد عنه قدر المستطاع.
فلا عجب، اذا رأينا المستبد يقتل ويظلم ويعتدي على الاخرين، بعد ان كان شخصاً غير محترم وليس له مكانة في المجتمع، وهو منبوذ من قبل الجميع ولا يحترمه الجميع، بل يرون ان مكانه غير هذا الذي يشغله.
أقرأ ايضاً
- الانتخابات الأمريكية البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الاعظم
- المخدرات أكبر المخاطر التي تفتك بالعراق
- الامراض النادرة التي تصيب الانسان حقائق اساسية يجب معرفتها