التقارير الرسمية تلجأ الى التهوين من المخاطر وتقدم معلومات انتقائية لإعطاء انطباع بأن الوباء اقل انتشارا.
اعرب مراقبون في عدد من المحافظات العراقية عن خشيتهم من ان يكون وباء الكوليرا اكثر انتشارا مما تقر به تقارير الحكومة العراقية، وقالوا ان الافتقار الى الرعاية الطبية والخدمات تجعل من مكافحة المرض امرا عسيرا.
وكان من الملاحظ خلال اليومين الماضيين انه في الوقت الذي تتحدث فيه تقارير اعلامية تستند الى مصادر صحية محلية عن انتشار خطير لوباء الكوليرا في عموم العراق، تلتزم الحكومة العراقية باصدار بيانات توضح حجم الاصابات بشكل اقل خطورة مما تشير اليه الجهات الاخرى، لكن تشكيل لجنة استراتيجية من قبل الحكومة للاشراف على حجم تلوث البيئة والمياه يعكس خطورة الاوضاع ويدفع للقلق.
وتلجأ الحكومة العراقية الى التهوين من المخاطر عادة وتقدم معلومات انتقائية لإعطاء انطباع بأنها تعمل. إلا ان التعويل على نشر الإنطباعات الإيجابية يزيد انتشار الوباء سوءا.
وقال مصدر في دائرة صحة مدينة البصرة جنوبي العراق الخميس \"إن امرأة توفيت نتيجة لإصابتها بمرض الكوليرا جنوب البصرة\"، مبينا أنها أول إصابة بهذا المرض تسجل في المحافظة.
وأوضح المصدر الذي فضل عدم ذكر أسمه أن \"امرأة تسكن في منطقة أبي الخصيب (20كم جنوب البصرة) توفيت بعد أيام من رقودها في أحد مستشفيات المدينة نتيجة لإصابتها بمرض الكوليرا، مبينا أن \"هناك استعدادات وإجراءات متزايدة تتخذها الدوائر والجهات ذات العلاقة في البصرة كدوائر الصحة والماء والمجاري والكهرباء والبيئة للحيلولة دون تفشي المرض في المحافظة\".
وتابع المصدر \"كما قامت دائرتنا بتخصيص ردهات طوارئ للحالات المشتبه بها خاصة لمعالجة حالات الإسهال الحاد في عموم مستشفيات المحافظة التي تم تجهيزها بالكوادر الطبية والصحية والمستلزمات الطبية والعلاجية المختلفة.
وقال مصدر امني في محافظة بابل (100كم جنوب بغداد) ان الفحوصات المختبرية اثبتت تفشي مرض الكوليرا في عموم مدن المحافظة وان مصادر المياه التي يستخدمها الاهالي وخصوصا في مدينة الحلة مركز المحافظة ملوثة بشكل مؤكد\"، مضيفا ان صباح الفتلاوي المسؤول الاداري لمدينة الحلة اعلن ان نهر الحلة وسط المدينة ملوث بشكل كبير وقد تم سحب عينات من مياهه لفحصها واثبتت الفحوصات ان هذه المياه غير صالحة للاستخدام البشري.
وكشف المصدر ان الدوائر الصحية في المحافظة تأكدت من اصابة 125 شخصا بمرض الكوليرا، واعراض الاسهال الشديد بعد فحص مختبري، كما توجد حاليا 1300حالة اخرى مشتبه بها وتخضع للفحوصات المختبرية، مشيرا الى وقوع وفيات رافضا تحديدها،مكتفيا بالقول \"توجد حالات وفيات،لايسمح لنا بالتصريح بها.
الى ذلك ذكر الدكتور احسان جعفر الناطق باسم غرفة عمليات الكوليرا في وزارة الصحة العراقية في مؤتمر صحفي عقده الأربعاء انه\" وفقا لاخر حصيلة لوزارتنا هناك 125 اصابة في عموم العراق بينها 75 حالة في محافظة بابل و31 اصابة في بغداد\".
واضاف جعفر يوجد 14 حالة اصابة في محافظة كربلاء (110كم جنوب بغداد) واثنان في محافظة النجف واصابة واحدة في كل من البصرة وميسان (كلاهما جنوب بغداد) وديالى شرقي العراق.
واكد جعفر \"وفاة خمسة اشخاص جراء الاصابة بمرض الكوليرا في عموم العراق، بينهم اثنان في بابل ومثلهم في بغداد والاخير في محافظة ميسان (380كم جنوب بغداد)\"، مشيرا الى وجود 103 حالة مرضية يشتبه بكونها مرض الكوليرا (والاسهال والتقيؤ الشديد من الاعراض الرئيسية للاصابة بالكوليرا)، في عموم البلاد.
وكان وزير الصحة العراقي، صالح الحسناوي، قد صرح في الحادي عشر من سبتمبر/ايلول الجاري أن وباء الكوليرا المنتشر في أرجاء عديدة من العراق حالياً حصد خمس ضحايا جدد، من بين 36 حالة مؤكدة في محافظات بغداد وميسان وبابل في ذلك الوقت، وقال\"إن هناك الكثير من المصابين في منطقة الهاشمية في محافظة بابل\".
تجدر الاشارة الى ان وباء الكوليرا اخذ بالانتشار في عموم العرق أواخر شهر أغسطس/آب الماضي، وتحدثت تقارير حكومية واخرى صحفية عن استخدام مواد لتصفية المياه مثل\"الكلورين\" منتهي الصلاحية، وتم استيراد بديل جديد.
وتقول الجهات الصحية العراقية في تبريرها لانتشار الوباء أن \"السبب وراء ارتفاع حالات الإصابة بالكوليرا يكمن في كون العديد من الناس لا زالوا يهملون تعليمات السلطات الصحية ويواصلون شرب المياه من الأنهار دون استعمال أقراص التعقيم، الى جانب ارتفاع درجات الحرارة، وتقادم أنظمة المياه والصرف الصحي، في الدولة التي تشهد انهياراً في خدماتها ومرافقها الأساسية، نتيجة الحرب التي شنتها الولايات المتحدة الأميركية على نظام الرئيس الراحل صدام حسين عام 2003.
يذكر ان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية \"أوتشا\"، قد أشار إلى تجدد المخاوف بشأن انتشار الوباء في جنوب العراق، بعد ان كشفت وزارة الصحة العراقية رسمياً عن أنه تم تسجيل خمس إصابات مؤكدة في العاصمة بغداد، ومحافظة ميسان.
وكان وباء الكوليرا انتشر في العراق، على نطاق واسع منتصف أغسطس/آب 2007 بمدينة كركوك(250كم شمال بغداد) حيث سجلت فيها 2300 حالة اصابة، ثم انتقل منها المرض إلى السليمانية، وأربيل، ودهوك، وصلاح الدين ومناطق اخرى في وسط وشرق العراق لكن الاجراءات الحكومية والصحية طوقت مخاطره في حينها.
ولغرض تلافي مخاطر انتشار الاوبئة والتلوث في العراق قررت الحكومة بداية سبتمبر/أيلول الجاري تشكيل لجنة تتولى وضع استراتيجية وطنية للحد من تلوث مياه الشرب والامراض المنقولة بواسطتها، ورفع توصياتها الى الامانة العامة لمجلس الوزراء لاتخاذ ما يقتضي بهذا الشأن.
وقال بيان رئاسي \"تقرر ان يترأس وزير الصحة اللجنة وان تكون بعضوية وزارات التربية و الصناعة والمعادن والبيئة والموارد المائية والبلديات والاشغال العامة و امانة بغداد و ممثل عن وزارة الصحة في اقليم كردستان العراق.
ولكن لا يُعرف ما إذا كانت اللجنة انتهت من مناقشاتها او قدمت توصيات، او تم اتخاذ اجراءات ملموسة لمعالجة التهديد المتفاقم للوباء.
أقرأ ايضاً
- السياسيون يتبارون بـ"التسريبات".. والحكومة تشكو "الاستهداف"
- تـخصص لها اكثر من تريليوني دينار :ماهي الـ (37) مشروع التي خصصتها الحكومة الاتحادية لمحافظة كربلاء؟
- البرلمان "غاضب" والحكومة صامتة.. من يوقف الزحف التركي؟