أقرت الحكومات المتعاقبة بعد العام 2003 عشرات الخطط، على المستوى الاقتصادي والمالي وفي المجالات الزراعية والصناعية، إلا أنها سرعان ما تندثر على مر الأيام، كونها تفتقر إلى العديد من أسس البناء والتنفيذ الصحيح، في ظل استشراء الفساد في غالبية مؤسسات الدولة، وهو ما جعلها حبرا على ورق.
ويوم السبت الماضي (3 آب 2024)، أطلق رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، خطة التنمية الوطنية الخمسية 2024-2028 إدراكا من الحكومة (على حد تعبيره) بأهمية أن تكون للبلاد خطة تنموية في مسارات وأهداف قابلة للتحقيق، مؤكدا أهمية الالتزام بأهداف الخطة؛ كونها السبيل لتغيير حياة العراقيين نحو الأفضل، حسب ما جاء في البيان الرسمي.
وحول هذا الأمر، يقول الخبير الاقتصادي عبد الرحيم المشهداني، إن "هذه الخطط دائما ما يتم الإعلان عنها، لكن لا مجال لتطبيقها في الغالب، والغريب أن نفس الأشخاص الذين يضعون الخطط منذ العام 2007 هم أنفسهم من يضعون هذه الخطة الأخيرة، رغم أن وزارة التخطيط قد عقدت مؤتمرا للإعلان عنها".
ويرى المشهداني، أن "هذه الخطة ستكون كسابقاتها، كونها تتضمن طموحات كبيرة، ولكنها لم تؤطر في موازنات الحكومة وبرامجها، كما هو المعمول به في مثل هذه الحالات".
ويستبعد "إمكانية تمويل هذه الخطط من القطاع المصرفي، لأنه لا يملك هكذا توجها، بالرغم من مبادرات البنك المركزي العراقي، فالمصارف كانت تعتاش على نافذة بيع العملة حتى تحقق أرباحا كبيرة، فضلا عن كونها بوابة من بوابات الفساد وتهريب الأموال، خصوصا وأن سرقة القرن ليست ببعيدة، حيث أن غالبيتها أخرجت عن طريق النافذة".
ويوضح أن "التركيز على القطاع المصرفي ضمن هذه الخطة لن يحقق أهداف خطة التنمية الوطنية، في ظل وجود 28 مصرفا معاقبا وأكثر من أربعة مصارف تحت الوصاية من الـ70 مصرفا وأيضا لدينا سبعة مصارف حكومية سيتم إعادة هيكلتها".
وينوه الخبير الاقتصادي، إلى أن "مساهمات الـ63 مصرفا الأهلية والإسلامية ضعيفة جدا، ولو كانت هذه المصارف فاعلة وقادرة على أن تقود التنمية لاستقطبت رؤوس الأموال لتنفيذ مشاريع التنمية، وإلا فهي ضعيفة وغير صالحة، وإلا ما فائدة وجود مصرف لا يستطيع زيادة رأس ماله على مدى 20 عاما، وعليه فإن هذه تبقى مجرد أحلام".
وفيما يتعلق بالقطاع الخاص، يوضح المشهداني، أن "هناك فرصا كبيرة له من خلال التسهيلات الحكومية، ومنها تصدير لائحتين لتسهيل عمله خاصة في مجموعة من الصناعات، وصولا إلى توطين الصناعات الدوائية، ولدينا نحو 50 معملا للأدوية ضمن القطاع الخاص، بعضها قيد الإنشاء والأخرى من خطوط إنتاج عالمية رصينة، إضافة إلى التركيز على الصناعات الإنشائية ولدينا حاليا تقريبا 25 معملا لصناعة الحديد وفي العام المقبل قد نصل إلى الاكتفاء الذاتي".
هذا وأكد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، أن خطّة التنمية الخمسية تتضمن مسارات ذات أبعاد اقتصادية تستند إلى فلسفة التنوع الاقتصادي، وتعمل على إصلاح القطاع المصرفي والمالي، وأتمتة جميع الأنشطة الاقتصادية والخدمية، وحوكمة العمل الحكومي والخدمي.
وفي السياق، يوضح عضو مجلس النواب محمد الزيادي، أن "وضعنا الاقتصادي هش ويعتمد على بيع النفط والاعتماد على ما نستحصله من إيرادات لتوفير الرواتب والخطط الاستثمارية الأخرى وهذا ما يسمى اقتصادي إحادي الجانب وهو خطر جدا".
ويشير إلى أن "الحكومة لم تأخذ بالحسبان الوقائع التي قد تطرأ على المنطقة في ظل التوتر الحالي، ونسعى أن لا يتعرض العراق لخسائر على المستوى الاقتصادي مستقبلا".
وأطلقت حكومة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، في آيار 2018، خطة التنمية الوطنية الخمسية للفترة من 2018 إلى 2022، وركزت على تطوير الاقتصاد وإيجاد موارد مالية بعيدا عن النفط، وبحسب المعلن في حينها، فإن التخطيط يتضمن رفع حجم الاستثمار بالقطاع الخاص من 34 بالمئة في حينها إلى 40 بالمئة، والإبقاء على الاستثمار الحكومي عند 60 بالمئة، بهدف تفعيل دور القطاع الخاص في التنمية.
وأكد العبادي خلال إعلان الخطة، أن الاهتمام خلال السنوات المقبلة سيكون بتنمية قطاعات السكن عبر بناء وحدات جديدة، وبناء المدارس، وتنمية قطاع الصحة والتربية والتعليم وتوفير الخدمات، وتوفير فرص العمل.
إلى ذلك، يشرح المحلل الاقتصادي عبد الحسين الشمري، أن "الخطة الخمسية تأتي في حال كان البلد مستقرا وقياداته من الكفاءات العالية بمعنى أن كل وزير متخصص في مجال عمله وهذا يشمل التخطيط والتجارة والصناعة وغيرها".
وينبه الشمري، إلى أن "الخطة الخمسية حينما توضع عرجاء، وتعتمد على مبالغ ضئيلة قياسا بالصرفيات والنثريات والمخصصات غير المشروعة لجميع مسؤولي الدولة، فهي لم تؤد أهدافها، لأن البلد منهوب والمبالغ التي تدخل له من النفط تذهب لتخصيصات غير نافعة".
ويكمل "لا نتفاءل بالخطة الخمسية التي قد تتضمن مشاريع لا تتجاوز نسبة 10 بالمئة من نسبة الموازنة وهي قليلة جدا ومنذ العام 2003 ولليوم الدولة لم تركز على بناء البنى التحتية الحقيقية للمحافظات العراقية".
ويذكر المحلل والباحث الاقتصادي، أن "قطاع المصارف لم يطور نفسه كما أن البنك المركزي العراقي هو من يشرف على هذا الأمر، الذي هو أيضا يخلو من المتخصصين من الدرجة الأولى وما يصدر منه هو ردود أفعال لإجراءات فاشلة".
يشار إلى أن الاقتصاد العراقي يتميز بميزتين أساسيتين تساعدان على منحه الأفضلية في الاستثمار الأجنبي: أولهما التدفقات النقدية بالعملة الأجنبية يعكسها الحساب الجاري لميزان المدفوعات نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي والتي تقدرها المراكز الاقتصادية والوطنية الدولية بفائض يقدر بنحو (موجب 7 بالمئة) كما يحتل العراق المرتبة الثانية في إنتاج "أوبك" النفطي والمرتبة الخامسة عالمياً في ذلك الإنتاج، بحسب مختصين.
إذ حققت سوق المشاريع العراقية، بحسب المؤشر، مكاسب بقيمة 26.3 مليار دولار، أو 7 بالمئة، بسبب إعادة تنشيط خطط إنشاء شبكة وطنية من خطوط السكك الحديدية عالية السرعة في جميع أنحاء البلاد.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- هل ستفرض نتائج التعداد السكاني واقعا جديدا في "المحاصصة"؟
- هل تطيح "أزمة الدولار" بمحافظ البنك المركزي؟
- انتخاب المشهداني "أحرجه".. هل ينفذ السوداني التعديل الوزاري؟