يهدف العراق إلى إيقاف حرق الغاز كليا واستثماره بحلول 2028، وعلى الرغم من أن هذا الهدف مازال بعيدا، لكن خبيرا في الطاقة أكد إمكانية تنفيذ هذه الخطوة لما يمتلكه العراق من احتياطي للغاز يجعله في مصاف الدول المصدرة، فيما وصف خبير بيئي هذا الهدف لو تحقق بـ”الإنجاز العظيم”، لأن ذلك يعني القضاء على أحد أهم مسببات التلوث البيئي والأمراض السرطانية، كما يمثل إيفاءً للالتزامات الدولية التي وقع عليها العراق.
ويقول خبير الطاقة كوفند شيرواني، إن “ما يحرق من الغاز المصاحب للنفط يشكل قرابة 40 بالمئة، وقيمة هذه النسبة تعادل مليارات الدولارات، وبحسب بيانات وزارة النفط فإن العراق يسعى إلى إيقاف هذا الحرق بشكل نهائي خلال ثلاث سنوات والاكتفاء من الغاز الطبيعي خلال خمس سنوات، وهذا يعني أن الغاز سيتم عزله واستخدامه كمصدر للطاقة لتشغيل المحطات الرئيسية للغاز والاستغناء عن استيراد الغاز والكهرباء من دول الجوار”.
ويعتمد العراق في تشغيل أغلب المحطات الكهربائية على الغاز المستورد من إيران، وبحسب نائب وزير النفط الإيراني لشؤون الغاز مجيد جكني فإن إيران صدرت إلى العراق نحو 52 مليار متر مكعب من الغاز بقيمة 15 مليار دولار منذ 2017.
وكان وزير الكهرباء زياد علي فاضل قد أعلن نهاية كانون الثاني الماضي تراجع معدلات الإنتاج الكهربائي لنحو 16 ألف ميغاواط، بسبب تراجع معدلات توريد الغاز الإيراني بعد أن وصلت البلاد لذروة التوليد الكهربائي الصيف الماضي بقدرة 26 ألف ميغاواط.
ويقدر شيرواني أن “ما يمتلكه العراق من احتياطيات الغاز تصل إلى 132 تريليون قدم مكعب، وهذا يجعله في المرتبة 13 على مستوى العالم، وهذه مسألة مهمة لأن بعد مرحلة الاستثمار ممكن أن يصل العراق إلى مرحلة التصدير إلى الأسواق الأوربية حيث تضاعفت أسعار الغاز الطبيعي 3 مرات بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية منذ شباط 2022”.
وتراجعت صادرات الغاز الروسية إلى أوروبا بشكل كبير بسبب الخلاف السياسي بشأن غزو روسيا لأوكرانيا بعدما كانت أوروبا السوق الرئيسية للغاز الروسي.
ويأمل خبير الطاقة أن “تتكلل خطط وزارة النفط بالنجاح خاصة أن هناك تعاقدات مع شركات كبيرة لعزل الغاز المصاحب والاستفادة منه في تشغيل محطات الطاقة الكهربائية، لأنه يشكل وقودا مثاليا لهذه المحطات، ويجعلها تعمل بكفاءة أكثر وتلوث أقل، كما أن قيمة الغاز أرخص كثيرا من الكاز أويل الذي يستخدم حاليا في العديد من المحطات الكهربائية”.
ويشدد شيرواني، على أهمية “استثمار هذه الثروة المبددة بأسرع وقت، وإيقاف حرق الغاز الذي يكلف العراق أموالا طائلة والعبور إلى مرحلة التصدير ليصبح مصدرا للتمويل يضاف إلى النفط الخام”.
ويعاني العراق من عجز مزمن في الغاز رغم كونه من أبرز الدول النفطية في الشرق الأوسط، حيث يستورد بموجب اتفاق مع إيران نحو 50 مليون متر مكعب من الغاز يومياً عبر مجموعة من الأنابيب في شرق وجنوب البلاد، تم تشييدها لتجهيز محطات الكهرباء العراقية التي تعمل بالغاز.
وكان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، ذكر خلال افتتاحه مشروع معالجة الغاز المصاحب في حقل الحلفاية بمحافظة ميسان، السبت (8 حزيران 2024)، أن نسبة استثمار الغاز المصاحب قد ارتفعت من 50% إلى 61%، وأن الجهود والخطط مستمرة لاستثمار جميع ما ينتج من الغاز، والهدف هو الوصول إلى نسبة (صفر) للغاز المحروق، بحلول عام 2028.
وتعليقاً على ذلك، يؤكد من جهته، مدير بيئة البصرة وليد حميد الموسوي، أن “هدف استثمار الغاز لو تحقق خلال هذه المدة، فهو إنجاز عظيم في ما يتعلق بتحسين الوضع البيئي، لاسيما مع التغيّرات المناخية القاسية والتطرف الجوي الذي تشهده بيئة المنطقة الجنوبية في العراق”.
ويضيف الموسوي، أن “حرق الغاز أحد أهم مسببات التلوث البيئي، فإذا استطاع العراق إنهاء هذه العمليات يعني أنه أوفى بالتزاماته أمام الأمم المتحدة والمنظمات ذات العلاقة، لأن العراق عضو في الكثير من الاتفاقيات الدولية والمؤتمرات الأخيرة التي عقدت في غلاسكو أو شرم الشيخ والمؤتمر الأخير في الإمارات، لأن العراق وضع تعهدات عديدة خلال هذه المناسبات للحفاظ على البيئة ومن ضمنها التعهد بعدم حرق الغاز المصاحب والقضاء على الشعلات النارية”.
ووقعت الولايات المتحدة مع العراق اتفاقيتين بهدف الحد من حرق الغاز عالي التلوث والمهدر، في 15 نيسان خلال زيارة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى واشنطن لإجراء محادثات مع الرئيس جو بايدن.
وفي 31 آذار الماضي، أعلنت وزارة النفط عن توقيع مذكرة تفاهم مع شركتي سيمنز وشلمبرغير، تتعلق باستثمارات في قطاع الغاز.
وإضافة إلى ذلك، يشير الموسوي، إلى أن “عملية استثمار الغاز المصاحب لها مردود اقتصادي كبير، ومن ناحية أخرى تقضي على أحد المسببات الرئيسية للأمراض السرطانية، كما أن هذه الخطوة إذا ما أنجزت ستكون لها تبعات وإيجابيات على صعد مختلفة”.
ويتم حرق الغاز عندما تقوم شركات الوقود الأحفوري بإشعال غاز الميثان الفائض من عمليات النفط بدلا من حفظه في الأنابيب. عند حرقه، ينبعث في الغلاف الجوي هذا الغاز القوي من غازات الدفيئة، والذي يعتبر أكثر تأثيرا بـ80 مرة على الاحترار العالمي من ثاني أكسيد الكربون على مدى فترة 20 عاما، بعد روسيا، يأتي العراق في المرتبة الثانية بين الدول التي تُسجل فيها أعلى مستويات لحرق الغاز في العالم.
ويُطلِق الحرق أيضا ملوثات سامة معروفة بأنها تضر بصحة الإنسان، بما فيها البنزين، وهو مادة مسرطنة للإنسان يمكن أن تسبب اللوكيميا.
وعن إمكانية العراق في تحقيق هذا الهدف، يذكر أن “ما وصل إلينا من تصريحات من قبل وزير النفط السابق وكذلك الوزير الحالي، تؤكد أن هناك عقودا جدية وحقيقية كبيرة مع شركة توتال الفرنسية لاستثمار الغاز ومنع الحرق العشوائي، وحسبما وصل إلينا أيضا أن العمل قد بدأ على الأرض الذي نتوسم أن ينتهي ضمن الوقت المحدد”.
وكان العراق قد أبرم 4 عقود مع شركة “توتال إنيرجيز” الفرنسية للطاقة في تموز يوليو الماضي بقيمة 27 مليار دولار في مسعى لتعزيز إنتاج النفط واستثمار الغاز المصاحب الذي سيوفر للبلاد نحو 300 مليون قدم مكعب قياسي من الغاز، فضلا عن إنتاج نحو ألف ميغاوات من الكهرباء عبر الطاقة الشمسية المتجددة.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- 400 مليون دولار خسائر الثروة السمكية في العراق
- هل ستفرض نتائج التعداد السكاني واقعا جديدا في "المحاصصة"؟
- هل تطيح "أزمة الدولار" بمحافظ البنك المركزي؟