اتفاق مبهم أثار حفيظة بعض دول الجوار، وسط مساع لإشراك دول جديدة فيه، هكذا بات مشهد طريق التنمية، الذي يسعى العراق لتطبيقه على أرض الواقع بكافة الطرق المتاحة، لكن الآمال الحكومية لهذا الطريق، فندها متخصصون بمجال النقل الدولي والبحري، وأكدوا أن الطريق سيكون “بلا قيمة” دون أن يتم تفعيل الصناعة العراقية لتصديرها إلى الدول المشتركة بهذا الطريق من الشمال للجنوب.
وفيما كان الهدف المعلن للطريق الذي سيرتبط بميناء الفاو، حلقة وصل بين شرق وغرب العالم، بات اليوم في حقيقته خطا للربط بين تركيا ودول الخليج العربي، لكن هذا الأمر لا يسير حسب المخطط أيضا، حيث تشير بوصلة الاتفاقات مع دول الجوار، إلى إشراك السعودية، الأمر الذي سيحول الربط إلى بري بالكامل، وإنهاء أي دور لميناء الفاو الكبير.
ويقول الخبير في مجال النقل الدولي زياد الهاشمي، إن “العراق وقع مذكرة تفاهم مع تركيا والإمارات وقطر من أجل طريق التنمية، حيث يبدأ الخط بشقيه السككي والبري إلى ميناء الفاو الكبير، وصولا إلى الحدود العراقية التركية، ويهدف كل من قطر والإمارات منه لرفع مستوى التبادل التجاري بينهم وبين تركيا”.
ويضيف الهاشمي، أن “العراق ليس لديه الإمكانيات الكافية لإنشاء هذا الطريق، ولا يملك الخبرات ولا البنى التحتية ولا اللوجستية، ولكن على المدى الطويل سيتم ربط الطريق، في حال إكماله، بالسوق التركية، وهنا نتحدث عن دول ستكون مستفيدة مثل جورجيا واليونان وبلغاريا، كما ستكون هناك واردات للإمارات، خاصة وأن الأخيرة تمتلك سوقا حرة ومراكز تصنيعية في جبل علي”.
ويلفت إلى أن “مسألة التمويل ما زالت غامضة إلى الأن، ومذكرة التفاهم التي وقعت بين الدول الأربع غير ملزمة لأي منها، فهي مجرد مذكرة نوايا لغرض دراسة الخيارات المتوفرة، ولا تتضمن أي تمويل أو اتفاق على النقاط المشتركة”، مبينا أن “المتحدث باسم الحكومة باسم العوادي صرح عن إنشاء صندوق من إيرادات النفط، وهذا خيار بعيد المدى، لأنه يحتاج إلى وقت طويل لإتمام المشروع، فنحن نتكلم عن 17 مليار دولار”.
ويستطرد الخبير في مجال النقل الدولي، “مما تقدم يتضح أن هذا المشروع يفتقر للتمويل اللازم، فلا قطر مستعدة ولا الإمارات لتمويله، لكن ربما تشارك هذه الدول بالدعم اللوجستي”.
وحول جدوى هذا المشروع، يوضح أن “الشكوك في جدوى هذا المشروع كبيرة، بسبب أن تكلفة المشروع كبيرة جدا، وخاصة تشغيل السكك الحديدة، فهي تحتاج إلى أن تشهد تدفقا مستمرا للبضائع شمالا وجنوبا وعلى مدار اليوم، حتى يتم الحصول على عوائد مالية تغطي الكلفة التشغيلية”.
ويكمل الهاشمي: “جرى إبرام اتفاقية مع موانئ أبو ظبي الإماراتية، لإدارة ميناء الفاو، والإدارة هنا تعني تشغيل الميناء، وإيجاد شركات سفن وبواخر لاستخدام الميناء من خلال عملية الربط بين جبل علي وميناء الفاو، حيث ستكون هناك رحلات مباشرة واستخدام للطريق البري باتجاه تركيا والعكس”.
ويدعو إلى “إنشاء مصانع أو للدخول في شراكات مع دول الخليج وتركيا لإنشاء سلاسل معامل إمداد عراقية تركية أو سلاسل إمداد عراقية إماراتية أو عراقية قطرية، كي يتم تصنيع البضاعة بشكل جزئي في تركيا أو الإمارات، ثم يتم إكمال تصنيعها في العراق وتصديرها، من أجل إضافة قيمة داخل البلد، والحصول على فائدة من هذا الطريق الرابط بين تركيا والخليج”.
وخلال زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى بغداد، الشهر الماضي، أعلن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، توقيع مذكرة تفاهم رباعية بين العراق وتركيا وقطر والإمارات للتعاون في “مشروع طريق التنمية”، فيما ذكر بيان مشترك أن هذا المشروع الاستراتيجي سيسهم في تحفيز النمو الاقتصادي وتعزيز علاقات التعاون الإقليمي والدولي من خلال تحقيق التكامل الاقتصادي والسعي نحو اقتصاد مستدام بين الشرق والغرب، كما سيعمل على زيادة التجارة الدولية وتسهيل التنقل والتجارة، وتوفير طريق نقل تنافسي جديد، وتعزيز الرخاء الاقتصادي الإقليمي.
وأثار هذا الاتفاق موجة من ردود الأفعال الغاضبة في الكويت، كون المشروع ينطلق من ميناء “الفاو” العراقي، وهو المحاذي لميناء “مبارك” الكويتي، وسط تعثر إنجاز الأخير، ما اعتبروه تهديدا لمصالح البلاد القومية والاقتصادية والتجارية.
ويتضمن مشروع طريق التنمية تدشين طرق برية وسكة حديد تمتد من العراق إلى تركيا وموانئها، ويبلغ طوله 1200 كيلومتر داخل العراق، ويهدف إلى نقل البضائع بين أوروبا ودول الخليج.
وبلغت الميزانية الاستثمارية للمشروع نحو 17 مليار دولار. وسيوفر المشروع 100 ألف فرصة عمل كمرحلة أولى، ومليون فرصة بعد إكماله وإنجازه. ومن المقرر أن يتم إنجاز المشروع على 3 مراحل، تنتهي الأولى عام 2028 والثانية في 2033 والثالثة في 2050.
إلى ذلك، يبين الخبير بالحدود والمياه الدولية جمال الحلبوسي، أن “العراق تربطه علاقات طيبة مع الكويت، ولا يمكنه أن يستخدم أي عمل اقتصادي ضدها، خاصة وأن سياسته منفتحة على جميع الدول، وبالأخص دول الجوار، وعليه فلا يمكن القول بأن العراق يضرب مصالح دولة مجاورة، ولكن بعض الدول المجاورة من ضمنها الكويت تنظر للعراق بأنه حصة الأسد الخاصة بها، وهذا غير صحيح”.
ويؤكد الحلبوسي، أن “واقع العراق الجغرافي يثبت بأنه يتعامل مع الدول في الشرق الأوسط ومنها دول الخليج، بما يؤمن له أفضل استخدام لطريق التنمية أو طريق الفاو، وعليه فإن الكويت بمينائها الذي كانت تتأمل أن يتحول لنقطة ربط عبر السكك مع العراق، تبين أنه لا جدوى اقتصادية فيه ويتسبب بخسائر إضافية لعملية نقل البضائع”.
وأعرب عدد من نواب مجلس الأمة في الكويت عن استيائهم من الاتفاق الرباعي لمشروع التنمية، لاعتباره أن عدم الاستقرار السياسي في الكويت والفراغ في بعض المناصب القيادية أدى إلى تعطيل المشاريع التنموية في البلاد، الأمر الذي يكبّد بلادهم خسائر كبيرة على مختلف المستويات ولاسيما الاقتصادية منها.
ويتابع الحلبوسي، أن “عملية المناولة والصيانة بالإضافة إلى عمليات الدخول من بلد إلى آخر، هذه كلها إجراءات تسبب تأخيرا وزيادة في الكلف على التاجر، ولأن الإمارات وقطر، وجدت مصلحتها في ميناء الفاو، الذي يوصلها برا بأوروبا عن طريق تركيا، فإنها تحمست لهذا الطريق، وهذا بمفهوم الكويت يعتبر ضربة لها، فحكم الجغرافيا وضع العراق في هذا الموضع، ولكن سوء فهم الكويتيين لهذا الواقع، وعدم إدراكهم وضعفهم في تناول هذا الملف هو الذي أوصلهم إلى التمادي لإنشاء ميناء مبارك في خطوة غير صحيحة”.
ويردف أن “التجارة القادمة من دول الجوار والمنطقة مثل قطر والإمارات وعمان والسعودية واليمن وإيران وتركيا والأردن وسوريا، لا يمكن فيها تقديم مصلحة دولة على أخرى، لأنها حركة تجارة، حيث أن التاجر لديه بضائع يأخذها من إيران يعبر بها وسط العراق إلى سوريا، فمن غير الممكن أن يترك استخدام هذا الطريق البري القصير ويذهب إلى طريق بحري من ميناء بندر عباس ويأتي إلى الخليج، هنا ستكون عملية نقل كبيرة وبكلف عالية، وبالتالي فالكويت بمفهوم القاصر، تقول إن العراق وجه لها ضربة عبر اتفاقه مع تركيا والإمارات وقطر”.
وفيما يخص السعودية، يوضح الخبير في الحدود، أن “السعودية ستشترك بهذا الخط، فإذا رجعنا للمؤتمر الذي عقد في بغداد بحضور الدول المجاورة للبحث في موضوع الربط السككي للطرق الرئيسية مثل عرعر جميمة مع السعودية، وزرباطية والمنذرية مع إيران، وعن طريق السليمانية أيضا يوجد طريق ومع سوريا والأردن يوجد طريق طريبيل، وطريق إبراهيم الخليل مع تركيا أيضا، فهنا وبحكم الواقع ستكون السعودية شريكة، فإذا أرسلت بضاعة من شمال السعودية ستمر بالطريق البري ولن ترسل عبر الموانئ البحرية جنوبا، حيث ستمر بالعراق وتذهب لوجهتها مثلا إلى آذربيجان وكازاخستان وأرمينيا، عبر تركيا أو إيران، وهنا سيكون العراق هو الطريق الوسطي وطريق المرور الأفضل”.
ومنذ حزيران العام الماضي، أبدت السعودية وإيران دعمهما الكامل لمشروع “طريق التنمية” الذي أعلنه السوداني، وفيما أعربتا عن شكرهما وتقديرهما لجهود العراق في إعادة العلاقات للبلدين وترسيخ الاستقرار في المنطقة، كشفتا عن خطط استثمارية تتضمن تعاونا وضخ أموال في السوق العراقية.
وكان المدير العام للشركة العامة لسكك الحديد يونس خالد، أكد في 15 أيار العام الماضي، أن مشروع طريق التنمية يمثل حلم العراق، وهو مكمل لمشروع ميناء الفاو الكبير، وسيكون المشروع الأكبر على مستوى العراق، وسيمر الخط السككي بـ10 محافظات عراقية، كما أنه سيتحول إلى ممر من العراق إلى الأسواق الأوروبية، وأن حجم الإيرادات من طريق التنمية ستلامس الـ5 مليارات دولار سنويا.
ويعلق العديد من الاقتصاديين آمالا كبيرة على ميناء الفاو الكبير وطريق التنمية الذي يربط العراق بأوروبا، ويؤكدون أن العائدات التي سيحققها المشروع للعراق لا تقتصر فقط على رسوم نقل البضائع، بل إنه سيحيي العديد من الصناعات ويؤسس لقطاعات مختلفة تجارية وصناعية وزراعية.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- 400 مليون دولار خسائر الثروة السمكية في العراق
- هل تطيح "أزمة الدولار" بمحافظ البنك المركزي؟
- المجلس الشيعي الاعلى في لبنان: السيد السيستاني الداعم الاقوى والاكبر للشعب اللبناني في هذه المرحلة المصيرية(فيديو)