اسكتت اصوات البنادق وازيز رصاصها كل الاصوات التي تريد حل نزاع دموي وقع بين عشيرتين من عشائر محافظة ذي قار، فعندما نشب النزاع المسلح وسقط رجال قتلى وحرج آخرون من العشيرتين واحترقت السيارات والبيوت، لم يعد للصلح مكانا بين بحر الدم وغليان اكباد المتقاتلين، ولانهم يسكنون في قرى ومناطق زراعية فان الارض مكشوفة والقتال صعب وخطر فيها، فانتظم رجال كل عشيرة على ساتر ترابي يطلقون النار من مختلف انواع الاسلحة نحو خصمهم، ووقفت العشائر الاخرى متفرجة لا حول لها ولا قوة، كما وقفت معها القوات الامنية مكتوفة الايدي لان تدخلها يلحق الأذى بأفراد العشيرتين، ووسط هذه المعركة والميدان المتأجج بالرصاص وسيل الدماء، كان وفد صغير العدد من وحدة حل النزاعات العشائرية في العتبة الحسينية متواجدا في احد اقضية محافظة ذي قار، وبلغ بالامر ليلا، وجاء الى ساحة المعركة اعزل من كل سلاح، الا راية ابي عبد الله الحمراء المكتوب فيها " يا حسين" فكان لها اثر بالغ على النفوس المتقاتلة حتى تركت كل شيء وجنحت للسلم".
خبر في الليل
يكشف مسؤول وحدة حل النزاعات العشائرية في قسم الشؤون الدينية بالعتبة الحسينية المقدسة الشيخ صباح الخاقاني لوكالة نون الخبرية ما جرى بقوله ان" الوجاهة الحسينية تعتبر هي الوجاهة الايمانية قبل ان تكون وجاهة عشائرية او وطنية، وفي عملنا الكثير من الصعوبة ولكنها تخفف علينا الازمات ببركة سيد الشهداء ابي عبد الله الحسين (عليه السلام)، واكثر ما لمسناه في هذه البركات عند تدخلنا لحل نزاع عشائري دموي حصل بين عشيرتي البو صالح والبو عمر في محافظة ذي قار، وكنا حينها في جولة بقضاء الجبايش في محافظة ذي قار ضمن برنامج عمل الوحدة بتنظيم الزيارات و عقد المؤتمرات او اللقاءات الخاصة مع الوجهاء والعشائر، ووصلنا اتصال هاتفي من احد الاخوة يبلغنا ان نزاعا عشائريا حادا وصل حد الاقتتال على طرفي ساترين ترابيين، واستخدمت فيه الاسلحة وقع الان بين عشيرتي البو صالح والبو عمر، وكان من الصعب الذهاب الى مكان الاقتتال لان الليل لا يميز فيه العدو من الصديق، وذهبنا صباح اليوم الثاني الى منطقة سيد يوشع الذي وقع فيها الاقتتال وهي مناطق قرى زراعية مفتوحة، ووجدنا ان العشيرتين تتقاتلان متواجهتين واتخذت كل منهما ساترا ترابيا يقابل الاخر، ووقف على جانب منطقة القتال عدد من ابناء عشائر اخرى يتفرجون ولا يستطيعون التدخل، كما وقفت قوات امنية من الجيش والشرطة دون تمكنها من التدخل لحل النزاع او التصادم مع اي طرف".
هول الصدمة
ووصلنا واحترنا من هول الصدمة فوجدناها ساحة حرب بمعنى الكلمة ساتران وارض حرام وازيز الرصاص وصراخ واهازيج والتراب يعلوا من السواتر، هكذا يصف الخاقاني الحال ويضيف بقوله" سقط جراء القتال عدد من ابناء العشيرتين بين قتيل وجريح، ووجدنا العشائر الاخرى كأنما تتفرج على تلفاز لمعركة منقولة تلفزيونيا، والقوات الامنية وقفت عاجزة عن التدخل، وكنا خمسة افراد والتحق بنا مجموعة من افراد اللجان العشائرية في الجبايش المتعاونة مع العتبة الحسينية في حل النزاعات، فاستوقفتنا القوات الامنية والعشائر الواقفة جنبها وبعد تعرفهم علينا حذرونا من الدخول الى ارض المعركة لان الخطر والموت لا يمكن رده عنا، فأخبرناهم اننا سندخل لتقديم اي شيء يوقف هذا القتال ببركة سيد الشهداء ابي عبد الله الحسين (عليه السلام)، وكنا قد تناقشنا بكيفية ايجاد حل في الطريق، ولكننا اصبحنا امام واقع حال اما نبقى متفرجين او ندخل وسط النار، فأخبرتهم ان المعضلة ستحل بإذن الله، فسألتهم هل جلبتم راية الامام الحسين (عليه السلام) من العتبة الحسينية، فأكدوا وجودها وانها راية حمراء مكتوب عليها (يا حسين)، فقلت لهم قضي الامر الذي فيه تستفتيان".
في ساحة المعركة
فعقدنا النية وتوكلنا على الله ونزلنا فعلا الى وسط ميدان ساحة المعركة بين الساترين رافعين راية (يا حسين) الحمراء، بهذه الكلمات يصف الخاقاني لحظة الدخول الى ارض تملكها الشيطان وملك الموت يصول ويجول فيها، وبمجرد نزولنا وكأن النار الملتهبة القي عليها اعصار من ماء فأطفئها وخفت اصوات ازيز الرصاص ثم سكتت، وتعالت صيحات "اوقفوا الرمي" واختلطت الاصوات بين "لبيك يا حسين" و"لحد يرمي" و " راية ابو عبد الله دخلت لحد يرمي" و" العتبة الحسينية بالميدان"، فتشجع الحاضرون والتحقت افواج الناس وعناصر القوات الامنية بنا لتدخل الميدان من خلفنا، فتوقف القتال نهائيا وانسحب ابناء العشيرتين، وكانت تلك المهمة من المهام الصعبة جدا علينا، ثم اخدنا "العطوة" لمدة خمسة ايام وفي العرف العشائري فإن العطوة هي ايقاف للقتال واستعداد للصلح، وبعد ثلاث اشهر من الجلسات وتدخل العشائر ورئيس مجلس الوزراء والمرجعية الدينية العليا تم التوصل الى الصلح وتعينت لجان من بينها من العتبة الحسينية المقدسة لإحصاء الخسائر بين الطرفين من القتلى والجرحى والسيارات المتضررة والبيوت المحترقة ولتحديد الديات العشائرية والخسائر وما يتوجب على كل عشيرة دفعه".
قاسم الحلفي ــ كربلاء المقدسة
تصوير ــ عمار الخالدي
أقرأ ايضاً
- بدأ براية ورجُلين :موكب رايات البصرة الحسيني يسير (22) يوما رافعا (30) راية (مصور)
- الحاج فاضل عوز و 20 عاما وهو يصعد قبة الامام الحسين لتبديل الراية بالاول من محرم(فيديو)
- خدام الامام الحسين في ولاية ميشغان الامريكية يطالبون براية الحسين ..والعتبة الحسينية تستجيب