بقلم: إنتصار الماهود
نردد هذه العبارة في مواقف كثيرة، ونتأسى بها حين تمر بنا المصائب، ونقول نحن لسنا أفضل من مولاتي زينب الكبرى (عليها السلام)، ومصيبتنا هي هينة أمام هول مصائبها، فبعد كل ما مرت به قالت ليزيد لعنه الله "ما رأيت الا جميلا"، فلم يكن إستشهاد إخوتها وأبناؤهم وأصحابهم جميلاً أبداً، لقد كان للكلام معنى أكبر وأعظم، من مجرد ثلاث كلمات، قالتها وقصدتها مولاتي، هي رددتها لنأخذها نحن بعدها كأنها سُنة ونهج نسير عليها، حين تمر بنا مصاعب وأهوال الحياة، فكل مصيبةٍ أمام مصيبة عزيزة علي بن أبي طالب (عليهما السلام)، تهون وكل ألم فقدٍ أمام ما فقدته زينب (عليها السلام) هو سهل يسير.
كيف تحولت فخر المُخْدرات العزيزة الحوراء، والتي كان أخويها الحسن و الحسين (عليهما السلام) يسيران خلفها، كي يمحوا آثار أقدامها لئلا تراها الناس، أن تكشف عن نفسها، وتقف وتجهر بقوة وشموخ، وتتحدث أمام يزيد لعنه الله وزبانيته، وتنقل ما حدث من ظلم وطغيان وحيف، من ال مروان لآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعترته، في كربلاء وفي عقر دار الظالم وأمام حاشيته، لقد كانت بطلة كربلاء (عليها السلام)، لسان الحسين (عليه السلام) الناطق، بعد إستشهاده و قلبت طاولة الظلم على الظالم، وحولت السبي واليتم والقهر، الى نصر وقوة وشموخ، وهي تحقّر يزيد بكلمات، نعم هي كلمات فقط، لكن وقعها أشد من السياط على جلود الظالمين، كلمات تناقلتها الكتب، وخلدها التأريخ وأصبحت دستورا ونبراسا لأهل الحق في كل زمان ومكان.
آه يا زينب، كل ما عشته من حياتك بكفة، وما قاسيته في كربلاء وما حل بعدها بكفة أخرى، وكأنني بمجلسه معك أشاهد وأسمع ما يحدث، كيف جاءوا برأس عزيزيك الحسين والعباس (عليهما السلام) أمامك، لا أعلم أي قوة انزلها الله تعالى على قلبك، وأي سكينة حلت على روحك، وأي حصن تحصنت به، كي تتحملي هذا المشهد، وتكوني أهلا لهذا الحمل الثقيل الذي تنوخ أمامه الجبال الراسيات؟!.
ألتفت و أنا أشاهد حولك العيال والنساء، خائفون حزانى فاقدون للأمان، لا يعرفون ماذا يفعلون، كنت انت السند والعون والأمن لهم، أنت بمجلس غريب وبلاد غريبة، لا معين ولا ناصر سوى الله تعالى على تلك المصيبة.
مولاتي لقد كنت أنت صوت الحسين (عليه السلام)، ولسان العباس (عليه السلام)، أوغلت بصدور الاعداء ورقابهم، الهزيمة كما فعلت سيوف آل محمد (صلوات الله وسلامه عليهم)، في معركة الطف، واقتبس منك مولاتي ما قلته أمام الجميع: "ثم كد كيدك، وإجهد جهدك، فوالذي شرفنا بالوحي والكتاب والنبوة، والإنتجاب، لاتدرك أمدنا، ولا تبلغ غايتنا، ولا تمحو ذكرنا، ولا ترخص عنك عارنا، وهل رأيك إلا فند، وأيامك إلا عدد، و جمعك إلا بدد".
آه يازينب، آه يا جبل الصبر الأشم، يا إسما كتب التأريخ المشرف بماء الذهب، تعلمنا منك الصبر على فراق الأحبة، والإحتساب لله فيهم، تعلمنا منك الحشمة والوقار و الستر والعفاف، تعلمنا منك القوة والجَلَد في إحتمال الصعاب، تربينا في مدرستك مدرسة الزينبيات، للدفاع عن الحق والعقيدة والدين و كتاب الله وعترة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تعلمنا أن الحق حق وأن نسلك طريقه وإن قل الناصر والمعين.
فوالله لم يمحى ذكركم، ولم تهون علينا مصيبتكم، ولا زلنا نحيي أمركم وشريعتكم ما أستطعنا، ولن نتوقف ما حيينا.
عظم الله لنا ولكم الأجر بذكرى وفاة عقيلة الطالبيين مولاتي زينب الكبرى (عليها السلام).