بذخ مالي كبير كشفت عنه الانتخابات المحلية التي جرت في 18 من كانون الأول الجاري من قبل الأحزاب وخصوصا تلك المتنفذة منها، وهذا ما يجعل المواطنين يتساءلون عن مصادر تلك الأموال.
وأعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات عن الحد الأعلى لسقف الصرف في الانتخابات المحلية، بأن يكون الحد الأعلى للإنفاق الانتخابي للمرشح بمبلغ قدره 250 دينارا مضروبا بعدد الناخبين في الدائرة الانتخابية المرشح عنها.
أما سقف الإنفاق الانتخابي للحزب والتحالف السياسي يكون المبلغ المخصّص 250 دينارا مضروبا بعدد الناخبين في الدائرة الانتخابية، ومضروبا بعدد المرشحين لقائمة الحزب أو التحالف السياسي في الدائرة.
ولكن المراقبين والمختصين يرون أن حجم الدعاية الانتخابية فاق السقف الذي سمحت به المفوضية بمرات عديدة، وأن ما أعلنته المفوضية هو إجراء شكلي لا يعدو كونه حبرا على ورق.
وهنا يبرز المال السياسي، المصطلح الذي راج في السنوات الأخيرة ويتصدر عناوين الأخبار والتقارير التي تتحدث عن صرف الأحزاب السياسية في الانتخابات، وفيما يلي أهم مصادر المال السياسي الذي تمول به الأحزاب نفسها في العراق:
القطاع المالي
يوجد في العراق 53 مصرفا أهليا و2500 شركة صيرفة، وتشارك هذه المصارف والشركات بمزاد بيع العملة ما يجعلها تُدر أرباحا كبيرة وبالعملة الصعبة لمالكيها، تعود كثير من هذه المصارف والشركات لرجال أعمال يمثلون الواجهة التجارية لأحزاب السلطة.
وهذا ما أكده رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، قائلا: "إذا ما نظرنا لطرق تمويل الأحزاب التقليدية في العراق فأنها استطاعت الحصول على الأموال من خلال اللجان الاقتصادية، ودعم أصحاب المصارف وشركات الصيرفة ورؤوس الأموال"، فضلاً عن أن "المصارف والبنوك وشركات الصيرفة تدخل ضمن اللجان الاقتصادية لتلك الأحزاب".
القطاع التعليمي
يعتبر قطاع التعليم من أهم مصادر تمويل أحزاب السلطة، إذ تفتح نحو 70 جامعة أهلية تتركز معظمها في بغداد، أبوابها للطلبة، ويدرس أكثر من 200 ألف طالب في هذه الجامعات ويدفعون أقساطا سنوية تتراوح بين مليون دينار إلى 10 ملايين بحسب التخصص الجامعي.
ويؤكد الشمري أن "الجامعات الأهلية أحد اللجان الاقتصادية التي تدعم الأحزاب بالأموال"، وفقاً لشبكة الساعة.
وتذهب هذه الأموال لمالكيها الذي يتبع بعضهم بشكل مباشر أو غير مباشر لعدد من الأحزاب المتنفذة في الحكومة العراقية.
عقارات الدولة
المدير العام لدائرة التحقيقات في هيئة النزاهة، كريم الغزي، أكد أن "العدد الكلي للعقارات، التي تم التجاوز عليها في بغداد والمحافظات، عدا إقليم كردستان، بلغ 31 ألفا و378 عقارا"، وفقاً للوكالة الرسمية.
فيما حصل النائب المستقل، أمير المعموري من وزارة المالية، التي تُعنى بعقارات الدولة، على جرد رسمي لعقاراتها المُتجاوَز عليها، وقدّر قيمتها في بغداد وحدها بـ 45 مليار دولار أميركي.
ويقول النائب المستقل في مجلس النواب العراقي، أمير المعموري إن "مجموع ما متواجد لدينا في بغداد، حوالي 4 آلاف إلى 5 آلاف عقار متجاوَز عليها وهذه العقارات إذا أردنا تقييم قيمتها حاليا، بين 50 إلى 60 تريليوناً، وليس ملياراً، هذه فقط بعقارات الدولة".
بينما موسى فرج، الرئيس السابق لهيئة النزاهة الاتحادية مقدرا قيمة تلك العقارات خلال حديثه مع قناة "الحرة" أن "العقارات المتجاوز عليها في مجمل العراق بمبلغ خيالي، يوازي 4 أضعاف ميزانية الدولة، البالغة عام 2023، 153 مليار دولار".
ويبين فرج أن "قضية الفساد بالعقارات قيمتها لا تقدر بثمن، إذ قد تصل المبالغ إلى 600 مليار دولار".
بدوره، اعتبر الشمري أنه "من الممكن أن تكون عقارات الدولة أحد مصادر التمويل للأحزاب السياسية لذلك يجب أن تخضع هذه العقارات لمعايير مغايرة للحالية".
وأردف: "عقارات الدولة يجب أن تُحدد أسعارها من جديد، فليس من الصحيح أن يكون عقارا بمنطقة تجارية وخاضع لإيجارات قليلة وبالتالي تستثمرها الأحزاب بمشاريع معينة".
العقود الحكومية
ويتمثل في الأموال التي تدفع للكتل السياسية مقابل تنصيب الوزراء والمديرين العامين والمسؤولين من ذوي الدرجات العليا، مقابل وعود بالحصول على العقود الحكومية، بحسب الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني.
في حين يؤكد الشمري أن العقود الاستثمارية الحكومية تلعب دورا مهما في تغذية ميزانيات الأحزاب قائلاً: "جزء من الصراع الذي يدور للحصول على هذا المقعد التنفيذي وهذه المساحة في أي من مؤسسات الدولة هو لغرض أن تكون هناك مظلة للجان الاقتصادية وبالتالي احتكرت عدد من الأحزاب عقودا كاملة ومشاريع استثمارية لمؤسسات الدولة".
ويستدرك أن "هذا أدى لتضخم أموال تلك الأحزاب حتى أن بعض الأحزاب تقوم ببيع هذه العقود وتكون وسيطا على حساب الدولة وعملها".
وكلف استغلال المناصب من جانب المسؤولين لمصالح خاصة ميزانية الدولة أكثر من 25 مليار دولار بحسب رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي.
التمويل الخارجي
تعد مصادر التمويل الخارجي للأحزاب العراقية عنصرا إشكاليا أساسيا في الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد على اعتبار أن هذا التمويل لا يشكل مصدر قلق حيال أهداف هذا التمويل وحسب بل يتعدى ذلك إلى كونه عامل إفساد للطبقة السياسية في البلاد.
ويوضح الشمري أن "الأحزاب السياسية كانت تتلقى دعماً ماليا كبيرا قبل عام 2014، واتهمت بعض الأحزاب بتلقيها دعماً ماليا في الانتخابات التشريعية الأخيرة 2021".
وبين أن "الأحزاب بدأت تعتمد على نفسها خصوصا بعد عام 2018، إذ تمكنت وثبتت نفسها اقتصاديا وأصبح الدعم المالي الخارجي ما نسبته 35% من الأموال التي تحصل عليها لغرض خوض الانتخابات والقضايا الأخرى".
عوائد المنافذ
"كارتيل الفساد" أو "شريعة الغاب" هكذا وصفت الوكالات الصحفية العالمية المنافذ الحدودية في العراق، إذ يوجد حوالي 14 مركزا جمركيا تتوزع بين المنافذ الحدودية والمناطق الحرة.
معظم هذه المراكز هي مراكز برية أو مناطق حرة والمنفذ الجوي الوحيد هو مطار بغداد الدولي بالإضافة لمنفذين بحريين في كل من مينائي أم قصر وخور الزبير، بحسب هيئة الجمارك العراقية.
من جانبه قال الكاتب والمحلل السياسي، محمد نعناع، إن "أرصفة الموانئ والجمارك والمنافذ الرسمية وغير الرسمية مثل الشلامجة والقائم وعكاشات والطرق الداخلية بين المحافظات تمثل مصادر لتمويل الأحزاب السياسية"، وفقاً لشبكة الساعة.
وأضاف أن "كل مصادر التمويل هذه اساسا جاءت من مصدر أوحد وهو أن هذه الأحزاب الفاسدة تتقاسم العوائد النفطية الدولارية بعد تضمينها في الموازنة العامة للدولة".
ولا توجد إحصائية رسمية بخصوص عائدات المنافذ الحدودية، ولكن عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار البرلمانية مازن الفيلي، أكد أن "العراق يحقق إيرادات مالية سنوية ما مقداره 10 مليارات دولار من منافذه، ولكن المستحصل منها مليار واحد فقط".
مراكز التجميل
تمثل مراكز التجميل أحد أبرز الأماكن المتهمة بغسيل الأموال داخل البلاد والتي غالبا ما تقف خلفها جهات سياسية متنفذة.
رئيس لجنة الصحة النيابية، ماجد شنكالي، أكد "أنه تلقى أكثر من 30 اتصالاً من مسؤولين في الحكومة العراقية بسبب إغلاق مركز تجميل".
وكشف شنكالي أن "71 مركز تجميل مجاز رسمياً للعمل وما دون ذلك جميعها غير رسمية وبين أن هذه المراكز مسنودة من جهات متنفذة سياسياً".
من جانبه بين إحسان الشمري، أن "مراكز التجميل لا تعدوا كونها مصدرا من مصادر تمويل الأحزاب".
الأموال المهربة
وعن حجم الأموال المهربة، يتحدث الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني في تصريح للجزيرة نت، أن "تصريحات برهم صالح في حصر حجم الأموال المهربة بـ 150 مليار دولار غير دقيقة".
ويعتقد أن "حجم الأموال المهربة تتراوح بين 350 و600 مليار دولار للفترة من عام 2006 ولغاية عام 2018، وأن السنوات اللاحقة سجلت العديد من ملفات الفساد دون إمكانية تحديد حجمها، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن مزاد بيع الدولار في البنك المركزي العراقي لا يزال مستمرا، وسط اتهامات مسؤولين حكوميين بتهريب العملة الصعبة خارج البلاد".
ويؤكد المشهداني أنها "ناتجة عن مشاريع وهمية ومتلكئة، حيث إن الحكومة كانت قد صرفت أموال تلك المشاريع دون وجود لها على أرض الواقع".
ويضيف أن "الفترة بين عامي 2006 و2014 شهدت صرف المليارات من الدولات على 6 آلاف مشروع لم تنفذ، حيث إن سياسة الحكومة آنذاك كانت تصرف تكلفة المشاريع لحظة توقيع العقود، دون اعتماد نظام السلف النسبية التي تعطى للمقاولين وفق نسبة إنجاز كل مشروع".
موقف النظام الدولي
يعتقد محمد نعناع أن النظام الدولي والإقليمي لا يرى أن هناك اشكالية في النظام الحالي مادامت هناك حالة انتخابات مستمرة ووجود سلطات منفصلة كل سلطة لها قانونها الخاص فهي لا تمس بهذا النظام القائم على الفساد لأنها ترى بأنه يلبي مصالحها من جهة وشكليا وظاهريا هو نظام ديمقراطي.
ويصنّف العراق ضمن الدول الأكثر فسادا في العالم، في مؤشر مدركات الفساد لعام 2022 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، إذ جاء بالمرتبة السابعة عربيا والـ 157 عالميا من بين 180 دولة مدرجة على قائمة المنظمة.
وحافظ العراق على تلك المرتبة لعدة سنوات متتالية.
وتشير أرقام متفرقة، أن إجمالي الأموال المنهوبة تتجاوز 300 مليار دولار، فيما أوردت وكالة الأنباء العراقية، العام الماضي، أن إجمالي الرقم يبلغ 360 مليار دولار، بينما يقدرها برلمانيون بـ 450 مليار دولار.
أقرأ ايضاً
- الناجي الوحيد يسرد الحكاية.. كيف غيب النظام السابق 6 أشقاء؟
- "الاستثمار في العقار" يلجأ اليه المواطنون والتجار ومسؤولو الأحزاب الحاكمة لانعدام ثقتهم بالبنوك
- مع أزمة الدولار.. كيف تحايل التجار على ارتفاع الأسعار؟