لم يعيش طفولة كباقي اقرانه لانه التحق بمهنة تجليد الكتب التي يعمل بها والده، فمنذ نعومة اظفاره صار اسطة تجليد، وما ان بلغ سن الشباب حتى افتتح لنفسه محلا خاصا، ومضى به العمر ليطرق باب الثالثة والثمانين وليصبح اقدم مجلد كتب في العراق، يعمل بمكائن عمرها تجاوز القرن من الزمان، عائلته مارست هذه المهنة منذ اكثر من (150) عاما، وهو مازال فيها منذ (71) عاما، واورثها لابنائه واحفاده، له زبائن مشهورين من شعراء وكتاب ومؤرخين وباحثين، وله بصمة في اغلب مكتبات المؤسسات الحكومية التي كانت تلجأ اليه لتجليد كتبها وسجلاتها وصحفها، واول تلك المؤسسات المكتبة المركزية.
تاريخ مهنة وعائلة
ويشرح عبود محمد حسن فلوجي صاحب مكتبة العصري لتجليد الكتب تاريخ عائلته مع هذه المهنة لوكالة نون الخبرية بالقول" انا من مواليد بغداد في جانب الكرخ في العام (1940) وعمري الآن (83) عاما بدأت العمل مع والدي في مهنة تجليد الكتب منذ كان عمري (12) عاما، اي اني اعمل بها منذ (71)عاما، ويمتد تاريخ عائلتنا في هذه المهنة الى حوالي (150) عاما، وكان محل والدي بمدينة كربلاء المقدسة ويجلد المصاحف والكتب الدينية، وانتقل بعدها الى شارع المتنبي في بغداد وافتتح محلا ببناية محمد صالح الاعظمي وكان والدي من المعمرين حيث توفى وعمره (110) عاما، وعند بلوغي العشرين من العمر افتتحت اول محل لتجليد الكتب وعملت مستقلا عن والدي، ونقلت المهنة من والدي الي ومنها الى اولادي الذين تخرجوا من الجامعات وهم يعملون معي ومنهم الى احفادي، ويعتبر محل والدي "العصري" لتجليد الكتب هو اقدم محل تجليد في العراق حيث افتتح عام (1920) ويعمل به ثلاث اجيال انا واولادي واحفادي".
رصانة المهنة
يتحدث الفلوجي عن الفارق بين عملهم قديما وما يجري الان بالقول ان" التجليد سابقا افضل من التجليد الحالي، لان العمل حاليا يسمى تجاري ولا يمتلك لرصانة الحرفة السابقة، حيث كنا نجلد في الاسبوع الواحد (100) كتاب، ، وحاليا نجلد في الاسبوع الواحد (400) كتاب، والاعتناء بالكتب سابقا كان اكثر من الآن وكنا نخيط كل ملزمة على حدة ثم نجمعها، واذا كان الكتاب ممزق نعيد فتحه واصلاحه حسب لون الورق المصنوع منع (ابيض او اصفر او اسمر)، ليعاد متطايق شكلا ومضمونا، وسابقا نستعمل جلود الحيوانات الطبيعية المتينة لتجليد الكتب، بينما نستعمل الان المشمع الورقي قليل المتانة، ومن اشهر مجلدي الكتب في شارع المتنبي توفيق الشيخلي واسماعيل الشيخلي وخضير ياس التي اندثرت جميع محالهم ولم يتبقى منها الا محلي العصري".
اكثر من (100) عام
ويستطرد فلوجي في ذكرياته بالقول ان" العمل سابقا كان بمكائن ميكانيكية يدوية، مثل المقص اليدوي والمكبس اليدوي، بينما تحولت المكائن منذ مدة الى اوتوماتيكية الكترونية، وعلى سبيل المثال فقد اشتريت ماكنتين خاصتين بقص الكتب اليدوية من اعدادية واحد حزيران بمبلغ مئة دينار لكل ماكنة وهي من منشأ الماني عالمي رصين وقمت ببيع واحدة بمبلغ (250) دينار واحتفظت بالاخرى، وعمرها الآن يتجاوز (100) عام، واشتريتها بعد ان تعينت في الاعدادية كمدرب وعرضت حينها للبيع بعد استيراد مكائن حديثة وباعتبارها قديمة، ومنذ (50) عاما اعمل عليها في محلي، كما امتلك ماكنة قطع الكارتون روسية المنشأ اشتريتها في حينها بمبلغ (50) دينار، واعمل عليها في قطع الكارتون منذ خمسين سنة تقريبا، وكذلك عندي ماكنة تذهيب الكتب من منشأ انكليزي اشتريتها بمبلغ (50) دينار وتعمل في المحل منذ اكثر من اربعين عاما، والى الان كل مكائن محلي قديمة جدا، وكنا نستخدم مادة "الشريص" الذي يتميز بالقوة ومطابقة لون الكتب، بينما تستخدم حاليا مادة "الغراء" البيضاء".
اسعار وشخصيات
ويبين اقدم مجلد كتب الاسعار سابقا وحاليا بقوله ان" اسعار التجليد سابقا كانت تختلف حيث نستخدم كعب الجلد الطبيعي والوجه مشمع اصلي ويكتب عليه اسم الكتاب والمؤلف وسنة الطبع، وكان سعر التجليد (300) فلسا، بينما يصل سعر نفس التجليد حاليا الى (20) الف دينار، واسعار جميع المواد الداخلة في عمليات التجليد كانت مناسبة جدا واصلية ، حيث نشتري متر المشمع بمئة فلس وسعر القدم سابقا كان (50) فلسا، بينما وصل الآن الى (5000) دينار، وتعتبر هذه المهنة مستمرة حاليا وغير مندثرة بالرغم من التحول الى الارشفة الالكترونية، لكن محالها واسطواتها اصبح عددهم قليل، ومن الشخصيات المشهورة التي كانت تقصدني لتجليد كتبها شاعر العرب محمد مهدي الجواهري والمؤرخ واللغوي مصطفى جواد والباحث كوركيس عواد، وعدد كبير من المؤسسات تكفلنا بتجليد كتبها ومجلداتها وصحفها
اجرى اللقاء /قاسم الحلفي
أقرأ ايضاً
- في حي البلديات ببغداد: تجاوزات ومعاناة من الكهرباء والمجاري ومعامل تلحق الضرر بصحة الناس (صور)
- بينهم عروس تستعد ليوم زفافها :قصف وحشي في بعلبك يخلف (19) شهيدا منهم (14) طفلا وأمرأة
- (122) شهيد وجريح في قصف واحد.. سيدة لبنانية تروي قصة استشهاد شقيقتها و(5) ومن افراد عائلتها