بقلم: علي حسين
مثل كثيرين بدأت خطواتي الأولى في قراءة الرواية مع نجيب محفوظ، الذي لم يحاول في أعماله الأدبية أن يُهندس القضايا ويفلسفها، وإنما كان يقدمها ببساطة وعفوية، وفي كل مرة أعود إليه لأكتشف جديداً، في روايته "ميرامار" نجد الصحفي المتقاعد عامر وجدي يعيش حالة من القلق على مصير البلاد، يقول: "منذ أن ظهرت عندنا الثورة والديمقراطية والناس تصفق وتغني على كل شيء".
تذكرت هذا الحوار، وأنا أقرأ الخبر الذي يقول إن بعض النواب "الكرام" رشحوا إخوانهم وأقاربهم واحبابهم لانتخابات مجالس المحافظات. هل لاحظتم مثلي أننا أمام ديمقراطية حافلة بروائع الصور وبدائع المعاني، ودقائق الإحساس والتغني بالمحاصصة؟.
سيقول البعض إن الترشيح حق لكل مواطن لا يستحق أن تخصص له هذه الزاوية، وكان يفترض أن تكتب عن الإنجاز الكبير الذي تحقق مؤخراً وهو إجبار تركيا على إطلاق المياه، لن أعود للحديث عن روايات نجيب محفوظ، وكيف كان عامر وجدي يطلق مفردة "طز" كلما سمع حديثاً عن الإنجازات، ولن أعيد عليكم ما تفعله تركيا كل يوم من قصف لأراضي عراقية.
كل ما يجري على الساحة العراقية يذكرنا بالمرحوم نجيب محفوظ سيد الرواية العربية والذي تصادف اليوم ذكرى رحيله – توفي في الثلاثين من آب عام 2006 – واعذروني لأنني دائم الاستشهاد بصاحب "الحرافيش"، فأنا كلما قرأت عملاً روائياً محلياً أو عربياً، أبحث عن نجيب محفوظ وقدرته على تقديم نماذج إنسانية مبهرة، وإصراره على الوقوف مع الضعفاء ونصرة قضاياهم. أما عندما أشاهد أصحابنا السياسيين فإنني أتذكر رائعته ثرثرة فوق النيل، فلا زال الجميع يثرثر عن اجبار تركيا على اطلاق مياه دجلة والفرات، والنتيجة كما ترى ياسيدي: جفاف في جفاف.
يكتب نجيب محفوظ في أصداء السيرة الذاتية: "سألت الشيخ عبدربه التائه: متى يصلح حال البلد؟، فأجاب: عندما يؤمن أهلها بأن عاقبة الجبن أوخم من عاقبة السلامة".
والمشكلة ياسادة أن الجميع يريد من هذا الشعب أن يرفع شعار: في الخوف السلامة، وفي العجلة الندامة، المهم أن يتحول هذا إلى مجاميع تخاف من خيالها. مطلوب منا جميعاً أن نصبح جبناء، وأن نمارس فضيلة الخوف، مطلوب منك ومني أن نحمل لقب مواطن "ذليل" بامتياز، مطلوب منا أن نراقب أصحابنا ليل نهار، وأن نتحول في لمحة بصر إلى مخبر سري، مهمته تنظيف البلاد من الذين يرفضون الانصياع لأوامر أصحاب السيارات المظللة والتواثي.
حالنا اليوم لا يختلف عما جرى في روايات نجيب محفوظ، حيث لا يزال المواطن يشعر بالخوف على وطنه ومستقبله، فيما السياسي يُهندس حاله وأحوال أقاربه ومعارفه، ويفلسف لنا الفقر بأنه نعمة. ونحن والحمد لله منذ أن ظهرت عالية نصيف ونحن نُغني للنزاهة والوطنية.
أقرأ ايضاً
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القنوات المضللة!!
- ما هو الأثر الوضعي في أكل لقمة الحرام؟!