- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
شرح دعاء اليوم الثامن من شهر رمضان المبارك
بقلم: الشيخ محمود الحلي الخفاجي
(اللهم ارزقني فيه رحمة الأيتام، وإطعام الطعام، وإفشاء السلام، وصحبة الكرام).
للإسلام نظرية اجتماعية تقوم على مبدأ التعاون: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)، حيث أن الإنسان خُلق ضعيفاً لا يقدر على مقارعة الحياة وحده إلا إذا توفرت له ظروف التعاون مع الآخر، فعن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (من مشى في عون أخيه ومنفعته فله ثواب المجاهدين في سبيل الله). فالقرآن هو المصدر المعرفي لكل أساسيات الحياة، فالعبادة لا تقتصر على الصلاة والصيام وبقية العبادات، بل أن القيام بخدمة الآخرين و الإحسان إليهم وقضاء حوائجهم وإدخال السرور عليهم هو عبادة: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ...). فشهر رمضان شهر التربية على الفضائل والقيم الأخلاقية فهو يربي الإنسان عليها في جميع الأحوال ومن أهم المظاهر التربوية إحساس المسلم الصائم بالآخرين التي يعبر عنها علماء الأخلاق ب (المؤاساة). ومن مصاديقها:
- اولاً: (اللهم ارزقني فيه رحمة الأيتام).. رحمة الأيتام مادياً ومعنوياً، قال تعالى: (وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ). وجاءت الروايات لتضمن حق هذه الفئة فعن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (كن لليتيم كالأب الرحيم، واعلم أنك تزرع كذلك تحصد). وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): ( ما من مؤمن ولا مؤمنة يضع يده على رأس يتيم ترحما له إلا كتب الله له بكل شعرة مرت يده عليها حسنة). كل هذا كي لا تضيع هذه الفئة وتصبح لقمة سائغة لتيار الإنحراف والإنجرار نحو الرذيلة والضياع وبالتالي يصبح عنصراً فاسداً ينخر في جسد المجتمع.
- ثانياً: (واطعام الطعام..).. ومن الركائز الأخرى للبناء الإجتماعي في الإسلام هو: إطعام الطعام، و يظهر من الروايات الشريفة أن إطعام الطعام يتقدم رتبة على بعض الأعمال، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (لأن أطعم مؤمناً محتاجاً أحب إلي من أن أزوره ولأن أزوره أحب إلي من أن أعتق عشر رقاب). حيث أن لبعض الأعمال ثواب خاص به وحسب منفعته وخدمته للآخرين, لذا عدت بعض الروايات الإطعام من المنجيات فعن الامام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (المنجيات: إطعام الطعام، وإفشاء السلام، والصلاة بالليل والناس نيام)، ونرى أن الدعاء لم يقيد الإطعام بالفقراء بل ورد حتى في الغني لأنه ورد للثواب في الفقير، و الأغراض الأخرى في غير الفقير.
- ثالثاً: (وافشاء السلام...).. صورة من صور التآلف الإجتماعي والتي حث عليها الإسلام هي مسألة إلقاء التحية بصيغة معينة أو بصيغ أخرى، فعن النبي (صلى الله عليه وآله) انه قال: (إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه وليصافحه، فإن الله عز وجل أكرم بذلك الملائكة فاصنعوا صنع الملائكة). فهذه الرواية وأمثالها تشير إلى مدى أهمية صيغة التحية بين المؤمنين وما لها من آثار إيجابية بينهم, وقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: (ينبغي للمؤمنين إذا توارى أحدهما عن صاحبه بشجرة ثم التقيا أن يتصافحا). ولأهميته نرى من خلال الروايات الشريفة الواردة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أن الله تعالى يعطي الثواب العظيم لمن ابتدأ بتحية السلام، فعن أمير المؤمنين: (عليه السلام) أنه قال: (لِلسَّلامِ سَبْعُونَ حَسَنَة، تِسْعُ وَ سِتُّونَ لِلمُبْتَدِئِ وَوَاحِدَةٌ لِلرَّادِ).
-رابعاً: (.... وصحبة الكرام). أيضاً من المرتكزات الإجتماعية التي أكد عليها الإسلام هي مسألة الصحبة، ومن نصاحب؟، حيث أن المصاحبة والعشرة أصل اجتماعي حثت عليه الشريعة على أنه أحد الضمانات التي تحفظ المجتمع، حيث أن الخلة والصحبة من الأمور التي لها الأثر في حياة الإنسان وعقيدته وأخلاقه وثقافته، فعن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (من خير حظ المرء قرين صالح جالس أهل الخير تكن منهم)، فهذا الحديث بكشف عن أثر الصديق وما يمليه على صاحبه ثقافة وسلوكاً، فاختيار الصديق والصاحب أمر مهم كي لا تصبح الصداقة بيئة من بيئات الفساد المنكر ولصناعة المنحرفين.
أقرأ ايضاً
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر - الجزء الثاني
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر - الجزء الاول
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر