بقلم: علي حسين
قال لي صديق عزيز، ما هذه الأكوام من الكتب، هل ستقضي عمرك تتنقل من شوبنهور إلى طه حسين؟ ضحكت وأنا أقول له، برغم مئات الكتب التي تراها فإنني حتى هذه اللحظة، لا أفهم بماذا "يرطن" ساستنا !
منذ سنوات والناس تبحث عن مسؤول مختلف يمنحونه أصواتهم، وهم مطمئنون إلى أنهم استثمروها في المستقبل، رغم أنهم يدركون أنّ معظم السياسيين يتعاملون مع الانتخابات على أنها عدّاد سيارة أجرة لا يعمل إلّا لصالحهم، لقد مللنا من رئيس وزراء يخرج كل ثلاثاء يذكّرنا بأنه "المنقذ"، وأنه سيضع خمسة آلاف فاسد وراء القضبان، في الوقت الذي يجلس كلّ مساء يتسامر مع حيتان النهب، انظر إلى هذا الكتاب وأشرت إلى "خطابات السلطة" الذي كتب فيه جان لوك أنّ "الحاكم هو الذي يحقق نفعاً مستقبلياً للناس" والآن أجبني ماذا سيكتب مسؤولونا، لو قرروا كتابة مذكراتهم ويومياتهم، هل سيتحدثون عن حجم الخراب الذي قطعته البلاد خلال السنوات الماضية؟ يا صديقي أليس مذهلاً ومثيراً حين نقلب مذكرات بناة التجارب الحديثة، فنجد كيف أن التحول في سنغافورة صنعه إخلاص وتفاني رجال بوزن "لي كوان"، وأن كوريا الجنوبية تحولت من الفقر إلى بلد ينافس اليابان في عقر دارها، بفضل نزاهة مسؤوليها وحبهم لوطنهم.
تعال يا عزيزي واقرأ ما كتبه باني الهند الحديثة نهرو عن سياسيي التهريج في كتابه لمحات من تاريخ العالم :"كانت خطب بعض الساسة انفجارية تهديدية، يبدو أصحابها دائماً في حالة تحدٍّ ودعوات للنزال".
تعال نعرف حكاية عامل المصنع الذي أصبح رئيساً للبرازيل؟.. هذا الرجل ظل في الحكم حتى عام 2010، عندها شعر أهالي البرازيل بنوع من الخيبة لأن الدستور لا يسمح لـ"رئيسهم المحبوب" بالبقاء في المنصب، فقد مشى حتى اليوم الأخير من حكمه مؤمناً بالدستور رافضاً أن يغيره لصالحه فيبقى رئيساً مثلما يتمنى معظم الشعب.. أليست هذه معجزة حقيقية؟.. فيما نحن نعيش في ظل ساسة يعتاشون على ترويض الناس وقهرهم، نعيش في ظل قبائل وطوائف.. ثم راح الرجل، وبحماسة، يضرب الأمثال قائلاً: هل تعرف الكاتب المسرحي فاتسلاف هافال؟، وقبل أن أجيب بنعم أكمل حديثه: هذا الرجل عاش حياته من أجل هدف واحد أن لا يأتي بأي خطوة خاطئة تثير حفيظة الناس وتزعجهم.. وأشار إلى كتاب يضم عدداً من مسرحيات الرئيس التشيكي.. قائلاً: في هذا المجلد الصغير ستجد كلمات من نوعية: " لقد آمنت طوال حياتي، بأن ما يُعمل لا تمكن العودة عنه أبداً، وأن كل شيء يبقى إلى الأبد".
والان هل تلومني ياعزيزي لانني أدفن راسي مع ماركيز وسقراط بعيدا عن تقلبات عالية نصيف الثورية الثورية !