بقلم: عبدالمنعم الأعسم
منذ حوالي عقد من السنين احتفلت منظمة اليونسكو التابعة للامم المتحدة باليوم العالمي للفلسفة، وجاء في رسالة ايرينا بوكوفا المديرة العامة للمنظمة، آنذاك، القول: «تقضي الضرورة أكثر من أي وقت مضى بأن يعاد التفكير في الأسس الحالية التي يقوم عليها التداول الحر للتنظيرات والممارسات» وهي دعوة (في جزء منها، كما احسب) الى تفليش المقولات المتداولة، وانهاء تقديسها، والى اعادة ترتيبها، وعلى وجه الدقة، الى قلب سافلها عاليها.
فالكلام المقلوب (أحيانا) اقرب الى الصحة وملاءمة واقع الحال منه الى الكلام الذي يمشي على رجلين، و"قلب" الكلام ليس عيبا من وجهة نظر البلاغة، ففيه تسكن الاسرار والفلسفة، ومنه تنطلق الاسئلة، تذكيرا بما يقول صديقنا حيدر سعيد بان الفلسفة هي "السؤال المنهجي الاول للانسان" حيث لا بد من اللف والدوران، وقلب الرؤوس والمفاهيم والنظريات (جاء اوان الفلسفة) للتعامل مثلا مع مشروع ردّة بطرياركي باسم "قانون حرية التعبير والتظاهر" الذي ينتهك عرض الديمقراطية في اكثر من بند، والدفاع عنه بوصفه إنقاذا للديمقراطية.
حسنا.. تعالوا نتفلسف في شؤون هذا الوضع العجيب، وندخل دهاليز الرطانات والاسلاك الشائكة والمواقف المثيرة للاستغراب، والقرف ايضا، فان بامكان الفلسفة، كما تؤكد مديرة اليونسكو في رسالتها "أن تساعد، جنباً إلى جنب مع العلوم الإنسانية والاجتماعية الأخرى، في تجديد النقاش حول القضايا المصيرية" ولنُدخِل الاوكسجين الى الغرف المغلقة التي يجري فيها طهي الحصى، وانتاج الصفقات، وتقاسم الغنائم، وذلك لكي "نستجلي مدى قدرتنا على أن نستفيد معاً من إمكانيات الربط بين ذهنيات جماعية وذهنيات منفردة".
لنتفلسف قليلا، او نتصارح حول مأزقنا في رحاب الفلسفة وفضيلتها الذهبية ذات الصلة بالعقل ومبدأ الحوار، فان "المنتصرين" يقودون مصائرنا الى منحدر سحيق، وان بعض اللاعبين يستخفون بعقولنا، وبقدرتنا على ان نتفلسف ونقلب الطاولات، وقبل ان تستيقظ التنظيرات الكبيرة من طيات الكتب يلزم ان نسبقها الى ايقاظ الاسئلة النائمة عن مسؤوليتنا (نحن المهزومون) عما حلّ بنا.. وحذار.. انهم يجبروننا على قبول ما يقدمونه لنا من نظريات وفلسفات وتهديدات مستعينين بمقولة سقراط: "من لا يرضى بما لديه، لن يكون راضيا إطلاقا بما يتمنى الحصول عليه" او ما قاله ديكارت ان "كل مصير هو بديهي في حقيقته" فان لدينا فسحة نتفلسف فيها.. وان نرصد فرصة الافلات من الضعف فــ"في منتصف الصعاب تكمن الفرصة" كما يعتقد اينشتاين، لندس فيها مقولات مغايرة، هي حصتنا من هذا الخراب.
لحسن الحظ (ولسوئه ايضا) ان الوضع القائم يتعقّد، وما يزيد التعقيد يتمثل في ان اصحاب الحل والربط، المنتهية صلاحيتهم، يتصرفون على انهم انتصروا علينا، نحن ابناء عاصفة الاحتجاجات والاسئلة المشروعة، وان المدار (يعتقدون) لن يدور يوما على عقبيه، وان المستقبل لصناعة السحر والسحرة.. والسحر كذبٌ في القاموس المحيط، والسحرة كذابون في كل القواميس.
كان حراس الحلقات الفلسفية الرومانية يمنعون السحرة من المشاركة في الجدال.. وكان اخوان الصفا والمعتزلة، قد سبقونا الى التفلسف في ما كان يستحيل حله بواسطة السحر.
كلام مفيد:
« إذا لم تسأل، فلن تحصل على إجابة»