بقلم: عادل الموسوي
عنوان مختصر يبدد او يخفف شيئا من القلق، فعناوين المقالات والتحقيقات حول موضوع الطلاق وزيادة معدلاته اصبحت مرعبة، وكأن كثرة تلك المقالات تريد ان توازي معدلات ذلك الموضوع..
تطرح تلك الموضوعات بالدرجة الاساس معدلات الطلاق بالسنة والشهر واليوم والساعة والدقيقة، وفقا لاحصائيات القضاء والمحاكم، ثم تعرّج على مسببات الطلاق، وتستعير لذلك مقتبسات لباحثين اجتماعين وناشطين في حقوق الانسان والمرأة، وفي بعض منها يتم تناول بعض الحلول والمعالجات.
سنحاول هنا ان لا نتناول اية ارقام او نسب او مقتبسات..
هناك عناوين مرعبة عن ظاهرة الطلاق في العراق وكأنه بلد الجحيم، وفي الواقع فان الطلاق بصورة عامة لا يشكل ظاهرة في العراق فقط، بل هو ظاهرة سائدة في معظم البلدان العربية والإسلامية، وحتى البلدان التي تشهد استقرارا نسبيا.. الطلاق اصبح ظاهرة عالمية.
ان اسباب الطلاق كثيرة، ركز الباحثون فيها على الجوانب الاقتصادية وعدم قدرة الازواج على الايفاء بمتطلبات الزواج، وعدو من الاسباب أيضا: الزواج المبكر، زواج القاصرات خارج المحكمة، عدم الانسجام لاختلاف الطبائع والعادات، عدم الانجاب، العنف الاسري، الخيانة الزوجية، وسائل التواصل الاجتماعي ودخول العادات والتوجهات الغريبة والدخيلة الى المجتمعات العربية والاسلامية..
ويمكن اضافة: عدم استشعار المشاكل والعواقب المترتبة، واساس ذلك عدم الشعور بالمسؤولية، ومن الاسباب: عدم الحاجة الملحة الى الزواج وتكوين الاسرة -عند البعض- للاعتياد على علاقات متعددة يكون الزواج بالنسبة لها علاقة عابرة كباقي العلاقات، وكصفقة فاشلة، كارجاع سيارة او فسخ شراكة، او قطع علاقة مع صديق او قريب، ومن الاسباب ايضا: ان ابَوَي الزوجين لهما دور اساس في الحيلولة دون وقوع الطلاق وتبديد المشاكل والخلافات، فإذا دخل الابوان في طريق التسرع وقلة الحكمة واساءة التصرف، ساعد ذلك على طلاق الأبناء.
بعد انسحاب السلطة من يد "العجوز" وبسط سيطرة "الچنة" قد تكون ام الزوجة من الاسباب والمقدمات المهمة للطلاق، اما اب الزوجة فأعتقد انه اخر من يفكر بطلاق ابنته، الا ان ضغوط عوامل معينة كالاعتزاز بالرجولة والكرامة قد تجبره على الاستسلام للطلاق، وربما يكون الامر على عكس ذلك تماما، فقد يكون مستسلما لزوجته الساعية في خراب "بيت" ابنتها.
قادني موضوع "العمة والچنة" الى الالتفات ان اقل معدل للطلاق في محافظات العراق هو محافظة "ميسان"، ولعل "لعل" ذلك يرجع إلى: بقائهم على الموروث المجتمعي في طبيعة العلاقات الاسرية في تلك المحافظة ذات الطبيعة العشائرية العربية، وهذا قد يحتاج من الباحثين الى تحريك اقلام الدراسة والاستقصاء.
ان كثرة الطلاق رغم وجود التشريعات التي تدعم موقف المرأة، وتقف الى جانبها، وكل العوائق التي تقف امام الطلاق، والمثبطات التي تثني عنه، والعواقب المترتبة عليه من مؤخر مهر ونفقة -لابد ان يكون لها اسبابا قوية وجذرية في الاقدام وعدم الاكتراث والمبالاة بعواقبه وتداعياته، وكل ذلك قد يرجع اما لضعف الشعور بالمسؤولية او لقوة الاسباب الموجبة.
الطلاق مشكلة كبيرة بالفعل، الا انه قد يكون حلا لمشكلة ونهاية لمعاناة الزوجة او الزوج او كليهما، لكنه في كل الاحوال يسبب اثارا اجتماعية ونفسية، لذلك فهو مكروه في الشريعة.
ان الحلول الموضوعة للحيلولة دون وقوع الطلاق لا تنجع بتشريع القوانين وبسط القوة في التنفيذ، المشكلة تكمن في التمرد والتخلص والالتفاف على تلك القوانين وضعية أكانت ام سماوية.
ان كثرة حالات الطلاق هو ليس ظاهرة في الواقع اكثر مما هو انعكاس لظاهرة الابتعاد عن الدين والقيم والايفاء بالوعود والعقود والالتزام بها، ظاهرة تعكس مدى الرغبة بالتحرر والتحلل من القيود، او تعكس ضعف الشخصية او التقوقع في العقلية الطفولية وعدم القدرة على استيعاب وحل المشاكل والخلافات.
الحل الاساس يكمن بالرجوع الى الله، وهذه هي رسالة الانبياء منذ بدء الخليقة.
ان هذه الارهاصات قد تفضي في دورات متعاقبة من حياة الانسان الى رجوعه إلى جادة الصواب بعد ان جرب مرارة فشل التجربة.
من زاوية اخرى..
اذا فرضنا ان مقالات الكتّاب وتحقيقاتهم، ودراسات الباحثين، وقوانين المشرعين لم تقف عند حل للحد من ظاهرة الطلاق، وان مواعظ الخطباء ورجال الدين لم تجد لها اذان صاغية في رجوع الخلق الى رب العالمين، فهل يمكن التعايش مع هذه الظاهرة، والاستسلام لها؟!
او على الاقل لفترة مؤقتة -من حياة المجتمع- كيما يجد المصلحون حلولا اكثر مناسبة وواقعية..
بمعنى اخر اذا لم يمكن الحد من ظاهرة الطلاق، فهل يمكن ايجاد حلول للمشاكل المترتبة عليه؟
من تلك المشاكل:
- الجانب الاقتصادي والمعيشي.
- النظرة السلبية للمرأة المطلقة.
- شقاء الاطفال وتعاستهم.
اولا- الجانب الاقتصادي والمعيشي:
ان المرتكز في ذهنية الأبوين، وبالاخص الاب منهما في "استراتيجية" الانفاق على الأبناء هي ايصالهم الى مرحلة الاعتماد على الذات: ففي الولد -عموما- الى مرحلة التخرج من الدراسة، لتقبض عنه يد الانفاق وتبسط له يد المطالبة بالمساهمة بالاعالة، وهو تحت مطرقة التعيير بـ "الاكل والنوم" ما لم يعمل و"يوَّرِق"، اما البنت فمنحة الانفاق عليها -عموما- محدودة بإكمال الدراسة والزواج.. ان الاب -غالبا- لا يبخل على البنت وان تأخر عنها الزواج، لكن بعد زواجها يكون للدينار حسابا، وإن كان الكثير يساعد في بعض متطلباتها ان قصّر عنها الزوج، الا ان ذلك قد يرجع الى شعور خفي او ظاهر بضرورة المساعدة لضمان استمرار الزوجية، بل ان الاب يغض الطرف عن كثير من تقصير "الصهر" وسلوكياته السيئة تحسبا للعواقب الاسوأ، فإذا ما طُلِقت اصبحت عالة وربما تلصق بها اسباب الطلاق عند اقرب مشادة كلامية مع اي فرد من العائلة.
المشكلة الاقتصادية لدى المطلقة تكمن في عدم ضمان المعيشة، وان فرصة عملها محاطة بمخاطر المطامع والابتزاز والتحرش.
ان انقطاع السبل بموت الاب او فقدان المعيل، له عواقب غير محمودة للمرأة التي لم تؤَمِن معيشتها، ورغم ان التشريعات قد تضمن للمطلقة بعض الحقوق، وكذلك الرعاية الاجتماعية بنسبة معينة، الا ان ذلك لا ينبغي أن يكون مدعاة للتكاسل عن تامين مستقبلها، لذا يكون من المؤكد ان لا تتواكل على انفاق الاب او الاخ او الزوج، ومقدمة لذلك ان تختار التعليم المناسب تمهيدا للعمل المناسب، كأحد حلول التعايش وفرض وقوع الأسوأ.
من الطبيعي ان الطفلة لا تعي تأمين مستقبلها المعاشي بالتعليم والعمل المناسبين، لذا فمن العملي ان يتوجه الخطاب اليهن من الاباء والامهات، وكذلك من المعلمات والمدرسات وان يتم تركيز هذا المعنى في اذهان التلميذات والطالبات، وقبل ذلك لابد ان يتوجه الخطاب الى هذه الفئات من فعاليات المجتمع المختلفة، وهذه ليست دعوة لترك المرأة لوظيفتها الحقيقية في التربية البيتية، بل لتجاوز حالة فرضتها ظروف المجتمع الذي ابتعد عن الدين، كما هي ليست دعوة الى اية وظيفة او عمل، بل لعمل مناسب مع طبيعة المراة، كالتعليم والتمريض والمهن البيتية كالخياطة مثلا..
ان هذه الخطوة ذات الثمار البعيدة الاجل، ان لم تكن نافعة في تأمين مستقبل المراة فهي ليس ضارة حتما، فالتعليم لا تخفى جدواه وفائدته، وما يمنحه من توسيع للمدارك، ويضفيه من قوة للشخصية، ويعطيه من مكانة في المجتمع.
قد ينتهج الأبوين هذه الخطوات لتامين مستقبل الولد، لانهما يطمحان او يطمعان في ان يستوفيا جهودهما في الانفاق والتربية، ولا يكترثان لمستقبل البنت لان مستقبلها كما هو الاعتقاد السائد هو "بيت زوجها"، لكن استقراء الواقع يفشل تلك الطموحات، فما ينتظرانه من رد الجميل بعيد عن تفكير الابن -لدى الكثير- الذي لا يشغله الا الاستقلال وما يسمى بـ "تكوين النفس".
لابد من تغيير "استراتيجية" الأبوين الاقتصادية، لتامين مستقبل البنات ايضا وليس الاولاد فقط.
- النظرة السلبية للمرأة المطلقة:
المراة اقل حظا من الرجل في الحصول على زواج مناسب، فنسبة النساء الاكثر، والصعوبات الموضوعة امام تاسيس الاسرة، يقلل من الفرص المناسبة، كما ان العادات والتقاليد والحياء تمنع المراة عن الافصاح عن رغبتها في الزواج، فهي تنتظر الزوج ولها فسحة في القبول لفترة معينة من شبابها، بعد ذلك تقل الفرص وتنحسر الاختيارات وتقل نسبة المواصفات المطلوبة في الرجل، والمطلقة تكون أقل حظا بكثير من غيرها، فلن يتقدم غير المطلق، او الارمل، او كبير السن، او الراغب بزوجة ثانية، ومن النادر ان يتقدم الشاب الاعزب، لذا ففرصة الزواج الجيد للمطلقة تكون ضعيفة، الا اذا كانت لها مواصفات تتجاوز بها حالة كونها مطلقة، كالمال والجمال والمكانة الاجتماعية المرموقة، وعموما فإن النظرة المجتمعية السلبية للمطلقة لا تأتي من جانب كونها الاقل حظا من حيث المواصفات، بل من اعتبارها صاحبة تجربة زواج فاشلة، وكثيرا ما يساء بها الظن بكونها غير صالحة، ينظر اليها ككائن ضعيف، يمكن لاصحاب النوايا الدنيئة افتراسه بسهولة، المراة غالبا ما تكون موضع تهمة، ففي كثير من حوادث القتل -مثلا- بين الزوجين تتهم المرأة بعفافها سواء أكانت قاتلة او مقتولة..
ان تغيير الافكار والاتجاهات ليس من السهولة بمكان، فهي نابعة من رواسب فكرية عميقة، لذا فان تغيير النظرة السلبية الى المطلقة من الامور غير اليسيرة، ولكن للدقة فان النظرة السلبية للمطلقة ليس عامة مطلقة بل هي غالبة لا تخلو من استثناءات.
هل من حل؟
يمكن الاستفادة مما طرحناه في الجانب الاقتصادي وتامين المعيشة، فالمراة المتعلمة صاحبة الوظيفة او العمل المناسب لها كمرأة، يجعل لها مكانة وقوة شخصية تستطيع من خلالهما عكس صورة جيدة وانطباع مخالف للنظرة السلبية تجاهها، ويزيد ايضا من فرصة زواجها مرة ثانية.
نحن لا نتحدث بمثاليات، بل نتعامل مع واقع، ونبحث عن حلول من الضروري ان تكون عملية، ولا اقل من اعتبارها مقترحات مشاريع قد تفتح افاقا لحلول جذرية وحقيقية.
من المستحقين لراتب شبكة الحماية الاجتماعية: العزباء البالغة ٣٥ عاما، وليس لها معيل، والارامل، والمطلقات،.. فاذا فرض ان الدولة تهتم بشؤون مواطنيها، وتريد فعلا القضاء او الحد من مشاكل المجتمع ومنها التقليل من نسبة العوانس، والارامل والمطلقات، وذلك بالتشجيع على زواجهن، فهناك وسائل، منها: تشريع قوانين لا تحجب رواتبهن من شبكة الحماية عند زواجهن، او صرف منح مشجعة للمقبلين على الزواج من تلك الفئات، ومن المعلوم ان الدولة لن تسعى لهذه المبادرة، فتبقى المهمة من وظيفة جهات الضغط والتأثير، كالاعلام والمنظمات والخطباء..
لن نتطرق لحلول شرعية اخرى، لكون مواضيعها حساسة ومثيرة للجدل، كما ان اساءة الاستخدام، وعدم قبول العرف العام لها، يرجح عدم الخوض بها، وان كان في الواقع ان الكثير مما فيه الناس من ضنك العيش يرجع إلى الابتعاد عن شرع الله وتحريم حلاله وتحليل حرامه، ورؤية المعروف منكرا، والمنكر معروفا، لكن عموما فالاحجام وعدم التطرق اولى.
- شقاء الاطفال وتعاستهم:
اعتقد ان "الضياع" هو الوصف المختصر لحالة اطفال الزوجين المنفصلين، واذا ما قارنتهم بالايتام تجد نقاطا مشتركة بين حياتهم، بل ان حياة اليتيم في كثير من الحالات تكون افضل بكثير، فاليتيم وان كان محروما من رعاية احد الأبوين وحنانه، الا انه يعيش في كنف الاجداد او الاعمام او الاخوال، وربما يغدق عليه من الرعاية والحنان اكثر مما كان عليه في حياته مع المتوفي من ابويه، مضافا الى الرعاية العامة من الدولة والمجتمع والمؤسسات الخيرية، فهو مكفول -غالبا- وموصى به في الدين ايضا، وكذلك فهو يسمع من المحيطين سيرة طيبة عن والده المتوفي او والدته المتوفية، الا ان ابن المطلقة لا يسمع من المحيطين به الا سيرة مشوهة تجاه الطرف الاخر الذي هو اباه غالبا.
تسمح التشريعات القانونية ببقاء حضانة الام للاطفال حتى بعد زواجها، ويخير الطفل عند بلوغه ١٥ عاما بين العيش مع امه في بيئة قاسية من خشونة المعاملة -غالبا- من الجدين او الاخوال او زوج الام، وبين بيئة جديدة قد تعبأ وجدانه بالكراهية منها مسبقا، ليعيش مع الجدين والاعمام وزوجة الاب في بيئة التعبئة بكراهية معاكسة، ربما يضاف لها الطعن في الاعراض..
النظرة السلبية للمطلقة تلاحق اولادها..
ان تجارب تشريعات الاحوال الشخصية على المجتمع لم تكن الا تخبطات ومحاولات فاشلة، من المستكبرين المتعالين على احكام الدين..
خلاصة الحكم الشرعي: ان حضانة الطفل في السنتين الاولتين من عمره للام وبعدها للاب، على تفصيل -ليس محله- موكول الى الفقه، مع اختلافات فقهية يسيرة، والضابط العام في الاولوية في حضانة الطفل يدور مدار مصلحته.
الحل: الرجوع إلى احكام الدين، وذلك ليس انحيازا اعتقاديا، بل لموافقته العقل والمنطق والطبيعة البشرية..
مضافا الى ذلك فالامر بحاجة الى توجيه جانب من العناية المجتمعية الى اطفال المطلقات كما للأيتام.
-وعرضا- التفت الى ان تاكيد العناية والتوصية والكفالة للايتام هي اكثر بكثير وبفارق متميز عن التوصية باطفال المطلقين، فوجدت ان اليتيم وان كان هو الطفل المتوفى عنه احد الأبوين، الا ان الانصراف الاكثر هو الى من فقد الاب بالخصوص، لذلك يتوجه التاكيد في اليتيم على رعايته والعناية به، بعكس الطفل -ابن المطلقة- الذي يكون في كنف ابيه وتحت رعايته -فيما لو طبقت احكام الحضانة في الشريعة بعناية.
في جميع ما تقدم لسنا مع الاستسلام للتعايش مع ظاهرة الطلاق، بل هي محاولة لمقترحات معالجة لبعض المشاكل المترتبة عليه، والتي نرى مساهمتها ايضا -ولو على المدى البعيد- في التقليل من حالات الطلاق.
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- منع وقوع الطلاق خارج المحكمة
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!