شاب فيه كل مواصفات الرجولة والتفوق من العلم والجرأة والكد والعمل تيتم وهو في السابعة من عمره وتبنى اخيه الاكبر تربيته فعلمه على طريق الحسين (عليه السلام) وتعلق قلبه به وبشعائره، ونجح وتفوق واصبح طيارا في طيران الجيش وكان فارسا في الميدان بكل معنى الكلمة، قاتل ارهابيي القاعدة واذاقهم مرارة الموت وكان عنيدا ويخلي الطائرة التي تصاب الى قاعدته رغم الخطورة، واخلى الجرحى من زملائه وطائرته عند سقوط الموصل، وكان اول طيارا يلبي فتوى الجهاد الكفائي ويستمر بالطيران لستة ساعات اثخن فيها جراح الارهابيين وقتل الكثير منهم وهو يهتف (اني احامي ابدا عن ديني) فنال الشهادة ليرتقى شهيدا وخادما حسينيا.
تفوق وتميز
الحاج حيدر كريم الصريفي المنتسب في مديرية الدفاع المدني بوزارة الداخلية شقيق الشهيد الطيار احمد قال لوكالة نون الخبرية ان" الشهيد احمد من مواليد 1984 خريج معهد تكنولوجيا بتفوق وبسبب عدم حصوله على فرصة عمل في المؤسسات الحكومية عمل في اكثر من مهنة لكسب الرزق وكان موفقا فيها واعجب كثيرا بمهنة طيار المروحية وبعد ان استشارنا انا واخينا الاكبر ووالدتي وحصل على موافقتنا بصعوبة لان الاوضاع في البلاد كانت صعبة جدا والتحق بدورة خاصة في طيران الجيش عام 2013 وكان متفوقا في الدورة ودخل ثلاث دورات في اميركا وروسيا والاردن وكان من المتميزين فيها جميعا وحصل على شهادات بذلك واصبح يجيد اللغة الانكليزية بطلاقة وبرع في دورة الطيارة المروحية ( ME 35) وكان ينفذ الكثير من الواجبات القتالية ضد فلول عصابات القاعدة الارهابية في محافظات عدة، وتعرضت طائرته الى اصابة ولكنه تمكن من العودة بها وايصالها بسلام رغم انها كانت مهددة بالسقوط، وامرناه بترك المهنة لان الموت اصبح قريبا منه، ومنعته فرد علي بجواب افحمني فصمت لساني ولم استطع الرد، فعندما قلت له (احمد بعد اذا تروح للعسكرية اكسر رجليج) فكان جوابه ( اذا تقبل الارهابيين يفلشون مرقد الامامين الجوادين اني حاضر اكعد بالبيت)".
سقوط الموصل والفتوى
وبعد سيطرة عصابات "داعش" الارهابية على مدينة الموصل ودخول البلاد في موجه من الترقب والخوف والقلق، لم يكن هناك اتصال بيننا وبين اخينا الطيار احمد الصريفي لاننا كنا نعتقد انه في قاعدته العسكرية في بغداد هكذا يبين الحاج حيدر وضع اخيه ويستمر بالكلام قائلا، بعدها " اتصل الطيار احمد بنا وعاتبنا بشدة وهو يقول (كولوا عدنه اخو بنص النيران والموت خلي نسأل عنه) وعند استفسارنا منه اكد انه كان من اوائل الطيارين الذين ذهبوا لقتال الدواعش في الموصل واصاب الكثير من اوكارهم وسياراتهم وتجمعاتهم، لكنهم تعرضوا في المطار الى قصف شديد بالصواريخ والهاوانات فاستشهد عدد من زملائه واصيب الكثير منهم وتمكن ان يحلق بالمروحية ويخلي عدد من الجرحى ومنهم زميله الطيار المرافق له الذي اصيب وحمله وتمكن من اخلاء الطائرة والطيار والعودة به الى بغداد، ولكنه تعرض الى موقف جعله يتأسف على ما حصل معه حيث احاله احد الضباط المسؤولين عليه الى التحقيق بحجة واهية انه ترك المعركة، بينما سقطت كل محافظة نينوى وتبعهتا صلاح الدين والانبار واجزاء من كركوك وكان تصرفه بطوليا، وهنا ضغطنا عليه نحن اخوته ووالدتنا بقوة لترك الخدمة كطيار لاننا شعرنا بحجم الظلم الذي وقع عليه ولكنه كان مصرا على الاستمرار بالقتال رغم شعوره بالحيف والظلم، وبالرغم من مشاهدته لكثير من القيادات التي تركت ساحة المعركة ولم يوجه لهم اي سؤال، ورغم خطورة الموقف الا انه افصح لنا انه عشق مهنته كطيار مروحية مقاتلة من الارهابيين والمجرمين وتدمير اوكارهم وسيارتهم والثأر لابناء العراق لان فرصة القصاص متاحة له، وبعد الحاحنا عليه كثيرا جمع اغراضة وجهز حقائبه للعودة وترك العمل وكان هذا في يوم الجمعة الثالث عشر من حزيران من العام 2014 والتي اعلن فيها ممثل السيد السيستاني في صلاة الجمعة الشيخ عبد المهدي الكربلائي فتوى الجهاد الكفائي المباركة فاتصل احمد على الفور، قائلا( ها سمعتوا اللي اعلنته المرجعية واني جنت راجع للبيت بس هسه ما عندي عذر) فجاء الى البيت وكان الفرح عارم عنده والدنيا لا تسع فرحته وسلم علينا جميعا وكانت مناسبة الخامس عشر من شعبان وذهب الى كربلاء المقدسة وزار مرقد الامام الحسين واخيه ابي الفضل العباس (عليهم السلام) والتحق على الفور بقاعدته العسكرية".
الخدمة الحسينية والشهادة
ويتابع اخيه الاوسط كلامه بالقول " في يوم الاثنين الموافق للسادس عشر من حزيران من العام 2014 وفي نفس اليوم، وما ان وصل الى قاعدته حتى امتطى صهوة مروحيته حسب ما اخبرنا زملائه في اليوم الثاني وقصف مواقع للدواعش في منطقة الصقلاوية بمحافظة الانبار وقتل الكثير منهم، فاصيبت طائرته واستشهد هو ورفاقه في الساعة السادسة عصرا، ويشدد اخيه على ان "الطيار احمد ذهب مطيعا لمرجعيته مخلصا لوطنه مدافعا عن دينه شهيدا في سبيل الله بقناعة ويقين لا يدانيه ادنى شك"، ويكمل اخيه الاكبر حاتم كريم الصريفي الحديث عن اخيه الشهيد الطيار احمد خادم الحسين لوكالة نون الخبرية بقوله" انا اعتبر نفسي والد احمد واخيه الاكبر بنفس الوقت لان والدي توفى في العام 1991 وكان عمر احمد ست سنوات وبضعت اشهر وانا من ربيته وهو من المخلصين والمطيعين لنا اخوته الاكبر منه، وكان مجدا مثابرا في اي عمل اعمل به ويساعدني وهو من النوع الذي لا يعرف التقاعس وعملنا في البناء والبقالة وغيرها من المهن وهو العامل الكاسب الذي لا يتذمر من شيء، وكان متفوقا في دراسته بشكل كبير وكنا نتوقع ان يدخل الى كلية الطب لكن مرت به ضروف صعبة في البكلوريا فنجح وحصل على قبول في معهد التكنولوجيا وكان من الطلبة الاوائل ويمكن ان يكمل دراسته في احدى الكليات الهندسة في منطقة الدورة ببغداد، لكن ضروف البلد كانت صعبة واثار الطائفية لم تنتهي وخفت عليه كثيرا من الذهاب من منطقة الشعلة الى الدورة يوميا فمنعته من الالتحاق بالكلية، والتحق بطيران الجيش بعد موافقتنا وتزوج وانجب ولده باقر، وكان طفلا وصبيا وشابا متعلق بالخدمة الحسينية ومخلصا بشكل لا يوصف للحسين (عليه السلام) وقضيته وشعائره، وكان يخدم بعد العام 2003 وسقوط النظام المباد في موكبنا بمنطقة الشعلة وموكبا اخر لنا شيدناه في منطقة الوند على طريق بغداد ــ كربلاء المقدسة، وحتى بعد ان اصبح طيارا لم يترك الخدمة الحسينية وكان يستغل اي اجازة دورية له بل يوقت الاجازة خلال الزيارات المليونية ليأتي للعمل خادما متواضعا لزوار ابي عبد الله الحسين (عليه السلام)، وكان يساهم بمبالغ كبيرة من راتبه ومشارك بصندوق الموكب، وفي يوم استشهاده كان عزاء جارنا الشهيد منصوب في دارنا لانه يطل على الشارع العام، فاخبرونا ان احمد سقطت طائرته وهو مصاب حاليا ولابد ان نأتي لنتسلمه (وكانت غاية من ابلغنا هو تخفيف الصدمة علينا) فذهبت الى المطار واستقبلني عدد من زملائه وابلغوني باستشهاده وكانت صدمة كبيرة لاني فقدت الابن والاخ بوقت واحد، والامر المؤلم على انفسنا ان جثته لا يمكن الوصول لها لانها في ارض المعركة ولا زال الدواعش يسيطرون عليها".
ماذا قال المرجع لام الشهيد
كانت عبارات الاشادة والترحم تنطلق من السنة زملائه بفخر هكذا يوضح الاخ الاكبر للشهيد ويضيف" قالوا لنا هنيئا لكم هذا البطل المغوار هذا المقاتل الباسل، فقد استمر بالطيران لمدة ستة ساعات متواصلة وكان ينوب عن زملائه بالتحليق والقصف وقتل اعداد كبيرة من الدواعش بل اوقف تقدمهم في كثير من الجبهات، وكنا نسمع هتافه وهو يقتل بالدواعش وهو يردد عبارة علي الاكبر عليه السلام ( اني احامي ابدا عن ديني)، وتقبلنا الامر في بدايته، وفي العام 2016 وبعد تحرير منطقة الصقلاوية اتصلت زملائه واخبرونا بالعثور على جثته، ولكن عندما وصلنا وجدنا ان الامر هو العثور على عظام رفاة اخينا واثنان من زملائه وقام افراد الجيش بخلطها وجمعها واقترحوا علينا ان تدفن سوية، فقبل ذوي الشهداء زملائه ولكن والدتي اصرت على استلام رفات احمد بمفرده ورغم انهم حذرونا من احالته على فحص (DNA) لانه يتأخر كثيرا وقد لا يعود الا اننا اصرينا على اجراء هذا الفحص، وهنا شرح امرا مهما انه ذهب الى مكتب المرجع الاعلى السيد علي السيستاني للسلام عليه وطرح امرا امامه في العام 2018، فكان له ما اراد ووقف ليخبر المرجع ان والدته ومنذ استشهد ابنها الطيار وهي لا تنام الليل ولا النهار والحزن اخذ منها الكثير، فلاحظت التأثر عليه ورفع يديه يدعوا لها وابلغني ان اخبرها ان منزلتها اعظم من منزلة الشهيد وعليها بزيارة قبور شهداء الطف في حرم الحسين (عليه السلام)، وما ان وصلت للبيت واخبرتها نامت من ليلتها واستقرت حالتها، وبعد اكثر من ست سنوات من استشهاد احمد اخبرنا بالتعرف على رفاته حسب فحص (DNA) وتجدد الحزن من جديد علينا، وحضر اهالي المنطقة عن بكرة ابيهم للتشييع والوداع وشيع في العتبتين المقدستين في كربلاء المقدسة وفي مرقد الامام علي (عليه السلام)".
قاسم الحلفي ــ بغداد
أقرأ ايضاً
- فاطمة عند الامام الحسين :حاصرتها الامراض والصواريخ والقنابل.. العتبة الحسينية تتبنى علاج الطفلة اللبنانية العليلة "فاطمة "
- المجلس الشيعي الاعلى في لبنان: السيد السيستاني الداعم الاقوى والاكبر للشعب اللبناني في هذه المرحلة المصيرية(فيديو)
- بركات الامام الحسين وصلت الى غزة ولبنان :العتبة الحسينية مثلت العراق انسانيا(تقرير مصور)