بقلم: رعد العراقي
كثيراً ما تحدّثنا عن معاضِل لُعبة كرة القدم التي ذهبت بها نحو التراجع بالنتائج وانحسار كبير باكتشاف المواهب كانت أغلبها تدور ضمن فلك القصور الإداري والفني، وغياب الرؤية الصحيحة في كيفية معالجة الخلل بأسلوب علمي بعيداً عن التأثيرات والعواطف والمُجاملات الفارغة!
كلّ من شاهد أداء منتخب الناشئين خلال بطولتي غرب آسيا التي أقيمتا في السعودية وبعدها في الأردن تحت قيادة نفس الكادر التدريبي سيجد أننا خسرنا سنوات من البناء والتحضير، وأنفقنا أموالاً لمعسكرات إعدادية من دون أن نلمس تطوّر أو إضافة فنية أو حتى اكتشاف عناصر جديدة يمكن أن تمنحنا أملاً للمستقبل يكونوا فيه عِماد المنتخبات الوطنية حسب المراحل العُمرية.
المُطالبة بالتغيير كان أمراً لابدّ منه لتدارك الانهيار الفنّي والنفسي الذي بدأ يُشكّل نهجاً يطغي على تفكير اللاعبين والجماهير بأن منتخباتنا باتت تمثّل الحلقة الأضعف في كلّ مشاركة قياساً لدول الجوار عربياً وأيضاً آسيوياً وهو ما دفع اتحاد الكرة الى إقالة الكادر التدريبي السابق وإناطة المهمّة بالكابتن الخلوق أحمد كاظم .
عملية الاختيار رافقتها الكثير من الاعتراضات بعد أن عدّها البعض إجراءً روتينيّاً لا يخرج عن حدود الهروب من الضغط الجماهيري بعد الفشل الكبير ليكون الكادر التدريبي السابق هو الضحية في مشهد أصبح يتكرّر لانقاذ الاتحاد من المسؤولية الكاملة وخياراته التي أثبتت بما لا يقبل الشكّ عدم استنادها الى الدقة والموضوعية!
السؤال المهم .. هل كان اختيار الكابتن أحمد كاظم يستند الى أسس فنية وتربوية يمكن لها أن تتعامل مع هذه الفئة الصغيرة أم كان مفاضلة روتينيّة مع اسماء أخرى اعتمدت التصويت لأعضاء المكتب التنفيذي واللجنة الفنية؟ هنا الأمر يبدو في غاية الخطورة حين يَصرُّ الاتحاد على اللجوء إلى البحث عن الاسماء والتجريب من دون أن يمسك بأهم مشكلة ينبغي معالجتها هي من تحدّد الاختيار بعدها.
المسألة لا تتعلّق بكفاءة أحمد كاظم الذي ربّما يقلبُ التوقّعات، ويتمكّن من النجاح في مهمّته، إلا أن المنطق يفرض نفسه حين نُقلِّب السيرة الذاتية لمسيرته التدريبية بعد أن اعتزل اللعب عام 2013 وتولّى أول مهمّة تدريبية له مع فريق الديوانية عام 2018 في وقت أن فئة الناشئين تعتبر (أخطر ميدان) يمكن أن يخوض به أي مدرّب من دون أن يمتلك سجلاً ثريّاً يجمع بين احترافية التعامل والتعاطي مع تلك الفئات الصغيرة تربوياً وفنياً مع خزين من أساليب اللعب الحديثة والمتطوّرة يمكن أن يغرسها في نفوس اللاعبين لإحداث التغيير بالأداء ومواكبة دول العالم.
أظنّ أن اللجنة الفنية لم تقف عند أسباب فشل الملاك التدريبي السابق برغم عمله لمدة ثلاث سنوات وتجاوزت اختباراته لأكثر من 90 لاعباً، وبرغم ذلك انتج منتخباً هزيلاً لا يقوى على مواجهة أضف المنتخبات، ولا يمتلك أداءً واضحاً أو يمكن أن يرسم جملة تكتيكية، بل أنه ظلّ أسير اللعب الطويل المُملّ، والاعتماد على بعض المهارات الفنية، لذلك فإن الاصرار على اختيار المدرب من ذات المدرسة والأسلوب مع عدم امتلاكه الخبرة الطويلة ما هي إلا جرس إنذار باستمر خطر الانهيار والتراجع وخسارة الأموال والوقت دون فائدة.
باختصار.. لا يمكن أن تتطوّر الكرة العراقية إلا بالتركيز على الفئات العمرية وتغيير فلسفة أداءها، والتعامل معها تربوياً أولاً وفقاً لنظرة احترافية تعتمد استقطاب أكثر المدربين خبرة وقدرة على ترويض وتهذيب اللاعبين وزرع مفاهيم اللعب المتطوّرة في نفوسهم وإخراجهم من أجواء الفشل والارتباك الذي بات سمة بارزة تنعكس على تصرّفاتهم في الميدان، فالعملية تحتاج الى تخصّص دقيق بتلك الفئة، ولا بأس أن تعمل الاسماء الشابّة كمدربين مساعدين لكسب الخبرة الميدانية ليكونوا جاهزين في المستقبل لاستلام المهمة. أحمد عبد الجبار وحيدر عبد الأمير رفضا مهمّة العمل كمساعدين لمدرب الناشئين والأخير قالها بصراحة لمُقرّبين منه أنه لم يخض التجربة سابقاً ولم يتعامل مع تلك الفئة في موقف ينمُّ عن وعي وإدراك وتفضيل لمصلحة المنتخب، ورسالة لاتحاد الكرة ولجنته الفنية بأن التخصّص والخبرة هما المعيار الحقيقي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه!
أقرأ ايضاً
- مواجهة الخطر قبل وصوله
- إعفاء فئات من الضريبة؟ ام كسب اصوات في انتخابات قريبة؟
- مواطن الضعف ومكامن الخطر