بقلم: القاضي إياد محسن ضمد
المتهم بريء حتى تثبت إدانته.. هذا المبدأ فرضته الفطرة الإنسانية السليمة وجاد به الفقه القانوني المعتدل وواظب على طرحه دعاة حقوق الانسان حتى ترسخ كنص قانوني في دساتير الدول وقوانينها بعد ان اقرته كافة العهود والمواثيق الدولية ذات الصلة بحماية حقوق الانسان.
يعني هذا المبدأ او القرينة ان المتهم يحتفظ بصفة البراءة طيلة فترة إجراءات التحقيق والمحاكمة وان لا تلصق به صفة المجرم حتى صدور قرار محكمة الموضوع على وجه القطع واليقين بإدانته، أما عن السبب في إقرار هذا المبدأ فذلك للحفاظ على كرامة أي انسان يكون محل اتهام في قضية جزائية من الإهانة ووجوب توفير كافة ضمانات المحاكمة العادلة عند محاكمته والسبب الأبرز لصيرورة هذا المبدأ نصا قانونيا وبحسب رأي بعض الفقهاء, هو لان الانسان وهو متهم يكون بمركز قانوني ضعيف امام سلطات الاتهام كالقضاة والمحققين لذلك منحته التشريعات قرينة البراءة كي تعزز من قوة مركزه القانوني وتضمن له شفافية وعدالة اجراءات التقاضي كذلك كي يبقى عبء إثبات الجريمة ملقى على عاتق جهات التحقيق والمحاكمة ويتخلص المتهم من عبء إثبات براءته وهو عبء ثقيل ومعقد، ومع ذلك فان بعض القوانين تحاول الاجهاز على هذه القرينة وتقويض مساحتها من خلال افتراض الركن المعنوي المتمثل بالعلم والإرادة لدى المتهم حتى يثبت العكس كما جاء في المادة 40 ثانيا من قانون العقوبات العراقي في معرض نصها على اعفاء الموظف من العقاب اذا ارتكب الفعل الجرمي تنفيذا لأمر صادر من رئيس تجب عليه طاعته او اعتقد الموظف ان طاعة الرئيس واجبة وعليه ان يثبت ان اعتقاده كان مبنيا على أسباب معقولة وانه لم يرتكب الفعل الا بعد اتخاذ الحيطة المطلوب.
حيث وباعتقادي ان هذا النص نقل عبء الاثبات الجنائي الى المتهم وانتقص من قرينة البراءة لديه وسلب من محكمة الموضوع سلطة اصيلة من سلطاتها في مناقشة الركنين المادي والمعنوي للجريمة واثباتهما وبذلك يكون المشرع قد تجاوز حدود الفصل بين السلطات وتدخل في عمل السلطة القضائية خلافا للقانون وقوض مبدأ الأصل في المتهم البراءة هذا المبدأ الذي تسعى كافة النظم القانونية للنص عليه وتطبيقه التطبيق الأمثل.