بقلم: عبد المنعم الأعسم
اولاً، المشكلة تتمثل في تشريعات حرية التعبير، وحصرا في تفسيرها ثم في تطبيقها على ارض الواقع، بل وايضا في حمايتها من التعدي واللجم والتخويف، وعندما يقال (وسيقال أغلب الظن) ان الانتهاكات لضوابط وحقوق حرية التعبير وممارسة الحريات العامة جرت وتجري في اطار مخالفات فردية محدودة، فان الامر لا يعدو عن كونه محاولة لاعطاء الانتهاكات ترخيصا، يساوي الموافقة على قتل انسان بريء بذريعة انه شخص واحد من ملايين من المواطنين لم يتعرضوا الى القتل..
وعندما نتحدث عن حرية التعبير، والحقوق ذات الصلة، نتجاهل مفصلين أساسيين من الموضوع، الاول ما له صلة بـ «الحرية» كضمانة تتحقق من خلالها حزمة الحقوق المدنية الثابتة، فلا ضمانات لحقوق التعبير عن الرأي إذا لم تكن مسبوقة بتشريعات وبيئات تضمن تحرير الانسان، المعنيّ بممارسة هذا الحق، من الاخضاع والقهر والخوف، والثاني، ما يتصل بحقيقة ان حرية التعبير تدخل في صلب العناصر الى تشكل هوية الدولة، على الرغم من انها تبدو، من وجهة النظر التبسيطية، همّاً للنخب المتعلمة.
وتتساءل بعض وجهات النظر: ما حاجة المزارع البسيط أو الأم المهمومة بتأمين معيشة عيالها الى حرية التعبير عن الرأي؟ ومنذ زمن قديم كان المستبدون ومغتصبو السلطة يتخفون وراء هذه الذريعة للجم الاعتراضات والاحتجاجات وتدمير روح الابداع لدى الأمة.
وفي كتاب «حكام مارقون»، تفضح الصحفية الاكثر شهرة في الغرب «آيمي غودمان» هذه الاخاطيل، وكذلك حلقات الفساد، المهيمنة على أجهزة الإعلام الكبيرة التي تحجب الحقيقة، «أن تذهب إلى مكان الصمت، لتقديم الحقيقة إلى الأغلبية الصامتة» وهي مولعة بمقولة مارغريت ميد القائلة، وهذا هو المهم: «لا تشكّون أبداً بأنّ مجموعة صغيرة من الناس الملتزمين المفكرين يمكن أن تغيّر العالم. في الحقيقة، إنهم الشيء الوحيد الذي غير العالم على الإطلاق».
وفي الجدل حول حرية التعبير في العراق نتذكر مناقشات مجلس النواب للدورات السابقة لجهة قانون حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي استناداً للمادة 38/ ثالثاً من الدستور العراقي الضامنة للحريات العامة، والتزامات الدولة العراقية بميثاق الامم المتحدة (المادة 19) التي اعطت «لكل فرد حق حرية التعبير عن الرأي» ثم «ان لكل فرد حق حرية إبداء الرأي دون تدخل خارجي» وقد انفتح الجدل لمساجلات حول الاساسيات في حرية التعبير والثانويات منها، وتدحرج السجال الى درابين مظلمة، لتعليق الحق الدستوري البائن، او اغتياله بدم بارد، وتسجيل الجناية على مجهول.
وفي كل وقت نحتاج الى رد الاعتبار لقضية حرية التعبير بوصفها حقا منتزعا نظير تضحيات ومعارك تاريخية مديدة، وليس مِنّة متبرع بها، ويلزم هنا أن نعاين هذه المعادلة الحساسة من زاوية مقربة لكي نميّز بين ما هو حق مطلق بالمعنى الفيزيائي، وما هي خصوصيات تأخذ بها المجتمعات وتجارب ممارسة الحريات في كل مكان، لكن كل هذه الخصوصيات لن تجعل من «الحق» هدية او وساما من أحد، وحين خرج القائد الوطني الافريقي نلسون مانديللا من السجن خاطبه مبعوث دولي في احتفال حضره مليون من الملونين قائلا «يا صانع حرية هذه البلاد» فرد عليه مانديللا، متضايقا، مشيرا الى الجماهير الغفيرة، بالقول :»هم الذين صنعوها».
استدراك:
«لا حياة لمن تنادي»
عمر بن ابي ربيعة