- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
المؤسسات الدولية وتدمير الدول وهدم الاخلاق والقيم – الجزء الثاني عشر
بقلم: د. عبد المطلب محمد
العراق وعقيدة الصدمة
نشرت الصحفية الكندية (نعومي كلاين) كتابها المعنون (عقيدة الصدمة : صعود رأسمالية الكوارث) عام 2007 وتم اعادة طبع الكتاب عدة مرات كما ترجم الكتاب الى اللغة العربية وهو متوفر مجانا على الشبكة العنكبوتية وقد تم تحويل الكتاب الى فيلم قصير تم تحميله أكثر من مليون مرة خلال أشهر قليلة، عن طريق شبكة الانترنت، لما احتواه من معلومات مهمة. والكتاب يوضح ويشرح بالتفصيل, موضحا ذلك بعدد من الامثلة الواقعية, السياسات الاقتصادية والمالية والاجتماعية المدمرة التي تعمل على تطبيقها المؤسسات الدولية والدول الغربية في العالم منذ (50) عاماً في العديد من الدول ومن ضمنها العراق.
ومضمون عقيدة الصدمة يتمثل في استغلال حيرة وارتباك الشعوب اثناء تعرضها لسلسلة من الكوارث الطبيعية كالاعاصير الشديدة أو الزلازل أو الهزات الارضية أو نتيجة الصدمات الناتجة من الحروب والهجمات الارهابية والمجازر والانهيارات الاقتصادية من أجل تمرير سياسات اقتصادية واجتماعية قاسية ومدمرة ترفضها الشعوب في الظروف الطبيعية. وتؤدي هذه السياسات الى فرض اجراءات تزيد وتعمق الفوارق الاجتماعية بحيث تزداد ثروات بعض الناس على حساب فقر البقية الاخرين, كل ذلك يجري بالتعاون مع المؤسسات والشركات الكبرى العابرة للقارات. وترى الكاتبة انه في لحظات الأزمات الكبيرة يركز الناس عادة على الأولويات الضرورية المرتبطة بضمان شروط البقاء على الحياة ويميلون بشكل عام لمنح ثقة زائدة الى من هم في مواقع السلطة.
ففي الظروف العصيبة والقاهرة لا يمكن ممارسة النقد الواعي والبناء من قبل شعوب تقع تحت ضغط الحاجة الملحة للبقاء على قيد الحياة.
وتبين الكاتبة تأثير السياسات الاقتصادية لمدرسة شيكاغو وصاحب نظريتها الاقتصادي الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 1976 (ميلتون فريدمان) الذي تتلمذ على يديه رؤساء جمهوريات أمريكيون ورؤساء وزراء بريطانيون وطغاة من العالم الثالث ومدراء في صندوق النقد الدولي. كما عمل فريدمان كمستشار للدكتاتور التشيلي السابق الجنرال اوغستو بينوشيه عام 1973 الذي قام بانقلاب عسكري في تشيلي بدعم من وكالة الاستخبارات الأمريكية ضد الحكومة المنتخبة لسلفادور آليندي .
ومن الذين تأثروا بأفكار فريدمان من المحافظين الجدد في أمريكا يمكن الاشارة الى هنري كيسنجر، دونالد رامسفيلد، جورج بوش الابن، جورج شولتز، ديك تشيني، ولفوويتز، بول بريمر. ومن الملاحظ ان اغلب هؤلاء الاشخاص هم المسؤولون عن احتلال العراق وتدمير بنيته التحتية والاقتصادية والصناعية والصحية والعلمية ومأساة شعبه منذ فترة الحصار الجائر على العراق الذي استمر على مدى (13) عاما وما زالت تداعيات هذا الاحتلال والهيمنة والحصار والدمار تلعب دورا سلبيا في منع نهوض العراق لغاية الآن (للمزيد يراجع كتاب مايكل أوترمان, ريتشارد هيل & بول ويلسون, 2011 – محو العراق, خطة متكاملة لاقتلاع عراق وزرع آخر. ترجمة : انطوان باسيل. شركة المطبوعات للتوزيع والنشر, بيروت, لبنان. 263 صفحة وهو متوفر مجانا على الشبكة العنكبوتية).
ونقرأ في كتاب الصحفية الكندية المذكور اعلاه (صفحة 21) ما يلي (لن يعاد بناء بلد (العراق) كما كان قبل الحرب, بل سيمحى ويختفي وستظهر مكانه صالة عرض للاقتصاد الحر القائم على عدم التدخل (الحكومي), يوتوبيا لم يسبق للعالم ان شهد مثلها قبلا. وستعتمد كل سياسة من شأنها ان تطلق يد الشركات المتعددة الجنسيات لتتابع سعيها من اجل الربح). وفي الصفحات 24-25 نقرأ (اتضحت نيات الولايات المتحدة في العراق منذ بداية الاحتلال. فتم تأمين الحماية لوزارتي الداخلية والنفط فقط بينما تركت المتاحف والمكتبات (والمستشفيات والمدارس والمصارف والوزارات وجميع الدوائر الحكومية) بل وحتى مخازن الذخيرة من دون حماية.
وسمح البنتاغون, استنادا الى ياروسلاف تروفيموف من صحيفة الوول ستريت جورنال, بعمليات النهب لتقويض الدولة العراقية).
وفي تقرير نشرته صحيفة (نيويورك تايمز) في 18/12/2021 أكدت الصحيفة من خلاله ان (متابعة العمليات العسكرية التي نفذتها الولايات المتحدة في العراق كشفت عن .... غياب كامل للمحاسبة القانونية عن جرائم الحرب التي ارتكبت من قبل قواتها) وفي موضع آخر قالت الصحيفة (حتى اليوم, لم يتم محاسبة مسؤول واحد عن قتل المدنيين العراقيين من قبل القوات الامريكية).
كما ذكرت صحيفة اللموند (Le Monde) الفرنسية بتاريخ 19/10/2021 بأن ملف التحقيق المتعلق بشكاوا بلغ عددها (1291) شكوى ضد الجنود البريطانيين بتهم ارتكاب جرائم حرب في العراق خلال الفترة 2003-2009 اغلق من دون ان يؤدي الى ادانة أحد من الجنود حسب تصريح وزير الدفاع البريطاني (بن ولاس) هذا رغم اعتراف رئيس الوزراء البريطاني السابق (طوني بلير) بأن غزو العراق كان خطأ وأدى الى مأساة انسانية.
وفكرة فريدمان تتلخص في ابعاد الدولة بشكل كامل من التدخل في الدورة الاقتصادية الوطنية وفتح السوق أمام القطاع الخاص ورجال الاعمال والشركات العابرة للحدود وخفض الإنفاق الحكومي في مجال المساعدات والخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية وتسريح أكبر قدر ممكن من العاملين في القطاع العام وتسليم القطاع الصناعي والمعامل والمصانع والتعليم والصحة والخدمات الاخرى للمستثمرين الكبار لادارتها. أي ان ما يدعوا له فريدمان في الحقيقة ما هو ألا فرض وتطبيق النظام الرأسمالي الصرف بكل أبعاده.
ويرى فريدمان سهولة تمرير جميع هذه المخططات والاجراءات خلال الازمات والكوارث الكبيرة والحروب والارهاب التي تصيب المجتمعات حيث تكون الشعوب تحت تأثير الصدمة وقلقين من المستقبل وفي حالة ذهول وهلع لا يملكون معه أي مقاومة أو ممانعة ويتقبلون بسهولة ما يطبق عليهم من سياسات لرغبتهم في الخروج من الحالة البائسة والعصيبة التي هم عليها. كما لا يعارض الناس, في هذه الحالة, صعود طبقة رأسمالية جديدة ولا يعيرون كثير انتباه لسيطرة الشركات والرأسماليين الجدد على خيرات البلد ومقدراته وينتج عن ذلك ضياع حقوق الناس الاساسية ونهب ثروات بلدانهم. كما كان فريدمان مقتنعا تماما بضرورة التصرف بسرعة كبيرة عند وقوع كارثة أو حرب أو أزمة ما وعدم تفويت الفرصة لغرض فرض واقع جديد لا يمكن الرجوع عنه بحيث يسبق استيقاظ المجتمع الذي عانى من الصدمة.
وهذه الفكرة قد تكون مستوحاة من كلام البارون اليهودي روتشيلد خلال القرن الثامن عشر حيث يقول (أفضل الأوقات لشراء العقارات هي حين تسيل الدماء في الشوارع).
أقرأ ايضاً
- الجنائيَّة الدوليَّة وتحديات مواجهة جرائم الكيان الصهيوني
- الانتخابات الأمريكية البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الاعظم
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير