بقلم:عباس الصباغ
لم يكن مُتوقعا ان تصل مآلات المشهد السياسي العراقي بعد اعلان نتائج الانتخابات الى هذه الدرجة من التشرذم الوطني وهي التي كان من المقرر ـ اي الانتخابات ـ ان تكون بنسخة غير مكررة عن سابقاتها، اي ان تكون بعيدة عن انتاج عملية سياسية ضمن منهج المحاصصة والتوافق سيئ الصيت ، وذلك بسبب الفساد وسوء التخطيط ووضع الشخص غير المناسب في المكان المناسب مع هدر ترليوني مبرمج للمال العام دفع العراقيون ثمنه باهظا من حاضرهم ومستقبلهم مع ضياع اغلب الفرص المؤدية الى ارساء حكم رشيد والتمتع بحياة كريمة . تقابل ذلك في ذات الوقت دعوة اخرى تتمثل في انتاج عملية سياسية بعيدا عن التحاصص التوافقي اي وفق نظام الاغلبية السياسية التي دعا اليها سماحة السيد مقتدى الصدر بعد ان رأى ان العراقيين قد اكتووا بنار المحاصصة والتوافق وضاعت منهم اغلب الفرص لتأسيس دولة كريمة تليق بهم طيلة مايقارب عقدين من الزمن ضاعت هباء فاراد تغيير بوصلة العملية السياسية نحو اتجاه آخر. ولكن !! يفترض ان لا يستحيل الاختلاف في الراي الى شقّ الصف الوطني وتشتيته الى حزبين متناقضين لكل حزب رؤيته وجمهوره ومنظرّوه ومحلّلوه السياسيون ووسائل اعلامه وهذا الانقسام وبهذا الشكل هو طبيعي او معتاد عليه في البلاد التي تعتمد الديمقراطية بأبسط صورها ولكن له اثار وخيمة على الانسجام السياسي ـ المجتمعي ، كونه يؤدي الى تشظي الراي العام وتخندق الشارع وراء متاريس ايديولوجية متقابلة وتشظّي النسيج المجتمعي العراقي الذي بقى منسجما في احلك الظروف لان هذا النسيج هو النواة الصلبة التي يعتمدها المجتمع السياسي بإنتاج عمليته السياسية ، فان كان المجتمع الاهلي غير منسجم ستُولد حكومة لاتعمل بسياسة الفريق الواحد وبالنتيجة انعدام ثقة الشارع بالعملية السياسية برمتها وينحسر تأييده ومشاركته في الانتخابات ( مستقبلا) وهي الوسيلة الديمقراطية الوحيدة التي لامناص عنها للتداول السلمي للسلطة وهو احد اهداف الديمقراطية ولتفادي الوقوع في شراك المربع الاول حيث الديكتاتورية المقيتة التي مازال اغلب العراقيين يئنّون من اثارها المأساوية وما يجري الان من تجاذبات ومناكفات وكيديات وطرح سقوف عالية من الشروط التي قد تكون تعجيزية وعدم طرح الثقة مع الطرف الاخر والانفتاح عليه والجلوس معه على طاولة واحدة كل ذلك سيضر بالعملية السياسية ان لم يتمّ التوصل الى بصيص ضوء في نهاية النفق المظلم ، فالجميع عراقيون لهم وجهة نظر في ارساء خارطة طريق لتشكيل حكومة تخدم الشعب العراقي، او في اسوأ الاحوال اللجوء الى المعارضة وهو خارطة طريق ثانية نتمنى على الكتل السياسية ان تنظر بعين الاعتبار الوضع الحساس الذي يعيش فيه العراق وان يلتزموا بالسياقات الدستورية في الاعتراض فمن حق الجميع ان يعترضوا على اي شيء وفي كل شيء شرط احتساب حساسية المرحلة التي يمر بها العراق ومنظومة الازمات والمصاعب التي تحدق به من كل حدب وصوب ، ونتمنى على الفرقاء السياسيين التوصل الى نتائج مرضية للجميع ولو بحلول وسطى . ان الاحتباس السياسي الذي تعيش العملية السياسية في مناخه قد اضرّ بالعراق وعلى كافة الصعد لاسيما الاقتصادية منها لايختلف عن الاحتباس الحراري الذي يهلك الحرث والنسل . وفّق الله الجميع لما فيه الخير للعراق وشعبه الصابر .
أقرأ ايضاً
- صفقات القرون في زمن الانحطاط السياسي
- ديمقراطية سامة وتصلب شرايين سياسي
- ديمقراطية سامة وتصلب شرايين سياسي