بقلم: رعد العراقي
لا يمكن أن تمضي عملية البناء الصحيح للوصول الى قمة الهدف المرسوم في حصد الثمار من دون أن يكون ذلك البناء يستند الى أسس متينة ومتكاملة تتجاوز في قوّتها عوامل الزمن وتقلّبات الاوضاع وتصمد أمام تصاعد الأزمات ويتّسع بنيانها لمزيد من احمال التطوّر متى ما تطلّب ذلك مستقبلاً.
مع الأسف، تلك الرؤية لا تزال مشوّشة عند افكار القيادات الرياضيّة ومتسرّعة بعض الشيء عند أي محاولة للانطلاق في تغيير الواقع الحالي والنهوض بالرياضة العراقية عموماً وكرة القدم على وجه الخصوص، ففكرة إرضاء الجماهير وتسجيل انجاز آني يُحسب لهذه الشخصيّة أو تلك هي من تسيطر بشكل مُطلق على هواجس وخطط أغلب تلك القيادات في كل قرار تدوّنه وتمضيه أقلامهم بالحبر الأحمر!
قبل أيام تحدّث وزير الشباب والرياضة عدنان درجال عن قُرب انفراج معضلة افتتاح ملعب نادي الزوراء الرياضي حال اكتمال بعض التحسينات التي أجريت عليه، وهي بشارة قد تفرح الجماهير الكروية، لكني كمتابع لم يعتريني ذلك الشعور بالفرح العميق بعد أن أجهزت البشارات السابقة على ما تبقى من أمل بتحقيق صدق الوعود بانجاز هذا الصرح العتيد الذي استعصى فكّ لغزه منذ المباشرة بهدمه عام 2013 واستمرّ مسلسل بناءه تسعة أعوام كاملة ولا زلنا ننتظر افتتاحه برغم أن سِعة الملعب حسب ما أعلن لا تلبّي طموح الأمة الزورائيّة التي تكاد تكون هي القاعدة الأكبر جماهيرياً بين كل الأندية.
ملعب الزوراء، وسنوات البناء، وحجم الأموال التي رُصدت له وأخيراً فرحة قرب انجازه قد تكون خير دليل على ما ذهبنا اليه من حالات القفز على الواقع واصطياد المواقف لتكون درعاً من الاتهام بالاخفاق تسجّل في سجلات الانجاز للقيادات الرياضية حالها حال صورة أخرى شدّتني أكثر من مرّة حين تناقلت القنوات الرياضيّة مشاهد استقبال أبطال لعبة المواي تاي بعد تحقيقهم نتائج جيّدة في بطولة كأس العالم متنقلين بين أروقة وزارة الشباب والرياضة واللجنة الأولمبية العراقية، متلقين التهاني والتكريم في وقت أن المواي تاي لا يمتلك قاعة نظامية للتدريب، فلمن يسجل الانجاز؟ لمن قهر الظروف أم لمن عجز عن توفير وبناء قاعة رياضية هي من صلب واجباتهم؟!
نظرة أخرى لواقع البنى التحتيّة الرياضية البائسة للأندية والاتحادات تأخذك إلى حدود التفكّر باسباب التراجع بالنتائج ونضوب المواهب، أندية جماهيرية لا تمتلك مقرّات رياضية تحتوي على إرثها وتؤرّخ تاريخها من ملاعب ومنشآت لبقية الألعاب واتحادات رياضية بإداراتها تبحث عن مأوى لرياضييها للتدريب بدلاً من انفاق أموال طائلة على معسكرات خارجية!
حين نسمع كمثال، عن معسكر داخلي لمنتخب كرة الصالات، لن نجد غير محافظة النجف مكاناً مناسباً يمكن أن يحتضنهم، أما المدينة الرياضيّة في البصرة فقد أصبحت قبلة الانقاذ الذي يتوجّه اليه اتحاد الكرة في إقامة بطولة أو مباراة تجريبية للمنتخبات الوطنية، مكتفين بالتفاخر بها لتستر عورة خواء طموحاتهم في تحقيق حلم أن يكون في بغداد ملعب كبير ومدينة رياضية متكاملة تضاهي مُدن في عواصم دول العالم!
هل تواردت الى أذهان القيادات الرياضية فكرة توحيد الجهود في دراسة مستفيضة لمشروع بناء الصروح الرياضيّة تبدأ بتحديد الأولوية حسب الحاجة الفعليّة والأهميّة وتراعي التوزيع الجغرافي عبر اتجاهين الأول تأمين ملاعب للأندية الجماهيرية شاملة كل الألعاب وخاصة ممّن ترتبط بوزارة عبر مُنح حكوميّة تُستقطع من ميزانيّة تلك الوزارات للسنوات القادمة؟
الاتجاه الثاني، إنشاء مراكز تدريبيّة شاملة لجميع الألعاب في مجمّعات رياضيّة تؤمَّن نفقاتها من قروض المصارف الحكومية، يتم استيفاء نسبها المالية من ميزانيّة اللجنة الأولمبية والاتحادات الرياضيّة، حتى وإن تطلّب تقليص النفقات والمشاركات غير المُجدية!
باختصار.. الأمر يحتاج الى إرادة وتصميم وحجّة اقناع عبر مشروع متكامل يغطّي كل الجوانب الإداريّة والماليّة، ويوصل معاناة الرياضة العراقية وتراجع مستواها خارجيّاً لتكون أمام أنظار الحكومة التي ستسجّل لها موقفاً تاريخيّاً في انتشال واقعها المرير، وتنقذ أجيال ومواهب من الضياع وسوء المنشآت الرياضية، وحين يتحقّق هذا الأمر فإننا عندها سنقف إحتراماً ونرفع القُبّعة للانجاز الحقيقي للقادة الرياضيين.