حجم النص
بقلم:سالم مشكور
في الدول الديمقراطية المتحضرة، عادة ما تستعر الحملات الانتخابية وتتصاعد الاتهامات بين المتنافسين، لكنَّ كلَّ شيءٍ ينتهي في يومِ اعلان النتائج، يعود الهدوء ومعه السلوك الحضاري، فيقوم الخاسر في الانتخابات بتهنئة الفائز والإعراب عن الاستعداد لدعمه من أجل خدمة البلاد والمواطنين.
في المقابل يشكر الفائز خصومه السابقين على هذا الموقف، ويعلن أنه أصبح مسؤولا عن خدمة الجميع دون تمييز بين من يؤيده أو يعارضه، بل يزيد البعض من ذلك بقوله إنه سيكون للجميع، ولمن صوت ضده قبل المصوتين له.
الفائز في هذه الدول لا يمارس عملية الانتقام والثأر من خصومه السياسيين، بل قد يكلّف أحد رموز الحزب المنافس الخاسر في الانتخابات بتولي إحدى الوزارات، إذا ما رأى فيه الكفاءة المطلوبة، لإدارة هذه الوزارة أفضل من غيره، أو لطمأنة الحزب المنافس.
هكذا فعل الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما (الحزب الديمقراطي) عندما أبقى روبرت غيتس (الحزب الجمهوري) وزيراً للدفاع، بعد أن كان في المنصب ذاته في إدارة بوش.
هذا السلوك يتيح ممارسة المعارضة السياسية في وضع آمن بعيد عن التنكيل والمطاردة والاقصاء، فتكون مكملاً للديمقراطية التي لا تكتمل الّا بوجود أغلبية تحكم وأقلية تعارض وتراقب عمل الحكومة وتقدم البدائل، التي تكسبها الأصوات الانتخابية اللاحقة.
في المجتمعات المتحضرة، يسعى الحزب الى السلطة ليس بهدف الاستحواذ ونهب المال العام، انما لتطبيق برنامج إدارة ناجحة للاقتصاد والتعليم والصحة وغيرها، مما يرفع مستوى البلاد والمستمع في شتى المجالات.
في هذه الدول يستقيل الوزير بسبب فضيحة استغلال المال العام، إذا ما دفع فاتورة مطعم من المال العام.
لا يستطيع المسؤول في الدولة الديمقراطية الحقيقية أن يسخّر إمكانيات الدولة، المدنية والعسكرية لشأن شخصي أو حزبي.
السباق في الدول الديمقراطية المتحضرة يكون على الإنجاز من خلال السلطة التي توفر أدوات التنفيذ والتشريع، وليس على الكراسي لأجل الكراسي.
فهي وسيلة وأداة وليست هدفاً.
والفوز الحقيقي هو النجاح في تقديم ما يدفع البلاد الى الامام وليس في مجرد الحصول على الكراسي، خلافاً للأنظمة الدكتاتورية التي تعتبر الظفر بالحكم نصراً والبقاء فيه نصراً أكبر.
نحن نسعى الى الديمقراطية بمواصفاتها وسلوكياتها الحضارية، ولو التزمنا بأخلاقيات التعاطي الحضاري بين الخصوم السياسيين لتوفرت بيئة آمنة لمعارضةٍ بنّاءة تراقب وتقوّم، وحكمٍ ينجز ويدفع البلاد الى الإمام.
أقرأ ايضاً
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- الانتخابات الأمريكية البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الاعظم
- التكتيكات الإيرانيّة تُربِك منظومة الدفاعات الصهيو-أميركيّة