- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
سلسلة علم الاديان المقارن (2) الاسلام دين السماح ...كيف ؟
بقلم:عباس الصباغ
تمأسس الاسلام منذ انبثاقه في غار حراء احد جبال مكة المكرمة على ثيمة السماح التي اكدها الله في كتابه في سورة البقرة (لا اكراه في الدين ) وكانت هذه الثيمة اللا اكراهية اساسا الى الانطلاق في عدم الاكراه في كل شيء مرورا ب( لكم دينكم ولي ديني ) و(لاتثريب عليكم ) ولم يسجل التاريخ المدوّن حادثا مرويا واحدا عن النبي محمد اجبر فيه اي احد من الناس على تغيير دينه او معتقده بل حدث العكس من ذلك تماما اذ دخل الكثيرون من اصحاب الملل والنحل والايديولوجيات سواء من السماوية او من غيرها دخلوا الى الاسلام طواعية تاركين معتقداتهم السابقة طوعا واقتناعا بدين الاسلام لم يُمارس اي ضغط او اكراه في ذلك بل عن قناعة تامة بالإسلام الذي تمأسس على ثيمة التسامح الحنيف وما وجدوه عند المسلمين من قيم تسامحية فعالة . ولكن ....! بقي العالم الغربي ينظر الى الاسلام والمسلمين عكس هذه النظرة ويتصور الاسلام غير هذا التصور . كثيرة هي المفاهيم الخاطئة والمقلوبة التي رسمها الغرب عن الاسلام بفعل ادبيات الاسلام السياسي اولا وادبيات الإسلام المعاكس والمقلوب ثانيا وهي ادبيات كتبت بمداد وعاظ السلاطين والمرتزقة المتسكعين على ابوب الملوك فانتج لنا تصورات عائمة ومغلوطة عن الاسلام وحرّفت تلك المفاهيم الى درجة ان الاسلام هو دين يعتمد على الذبح وقطع الرؤوس والايدي والسبي والاغتصاب وهتك الاعراض والحرق فضلا عن التمدد بحدود الدولة الى آفاق غير متناهية وبما يشبه شهية الحكام المتسلطين بالمحتلين الغزاة والبرابرة المتوحشين (وليس الشعوب المغلوب على امرها) فنتجت عندنا أيدولوجيتان متناقضتان احداهما تخالف الأخرى ، الاولى تمثل الماكنة الاعلامية الحكومية الهائلة (اعلام السلطة) والثانية اعلام الشعوب الاسلامية المغلوب على امرها والتي لم توّفق في تقديم وجهة نظر اخرى مغايرة للإعلام الحكومي فترسخت الصورة المنقولة عن الاعلام الحكومي المكتوب بمداد وعاظ السلاطين والمنافقين لتكون المصدر الوحيد والرئيس ليستقي منه الغرب تصوراته الخاطئة عن الاسلام كدين سماوي حنيف فكان هذا الاعلام السلطوي المشوّه هو المصدر لذلك تاركا الاعلام الاسلامي الاصيل المكتوب بمداد الاسلام المحمدي الاصيل القريب من التشيع المنبع الوحيد لرسم صورة حقيقية عن الاسلام الاصيل كصورة عقلانية عن الاسلام ومقنعة للعقل الغربي كي يستوعب الإسلام كما هو اي كدين خاتم وحضارة استوعبت كل الاثنيات والاقواميات في العالم دون فرق . حفل القرآن الكريم الكثير من الثيمات التي تدل على التسامح ابتداء من (وإن تعفوا اقرب للتقوى) فالتقوى بالمفهوم الاسلامي هي اقرب للإيمان وهي جوهر الايمان بالله (اكرمكم عند الله اتقاكم ) فالأتقى هو الافضل والاكثر ايمانا و...... تسامحا اذ ربط ذلك الجوهر الاساس بالعفو الذي هو التسامح كشرط لابد منه وكشرط لينتقل منه نحو تأسيس ثيمات التقارب بين البشر مهما اختلفوا وهذا لايعني التنازل عن الحقوق والمبادئ بل يكون متأسيا بالسيرة العطرة للنبي محمد والائمة الذين خلفوه وهم اثنا عشر إماما يمثلون الوجه الحقيقي للإسلام المحمدي الاصيل وسيرتهم كانت مليئة بالقصص والإشارات والامثلة التي تؤكد ان الاسلام هو دين التسامح حتى مع الاعداء والمخالفين وما قصة النبي محمد وعفوه عن اعدائه من اهل مكة يوم الفتح وفتحه للكعبة المشرفة بعد ان طهّرها من الاوثان والاستيلاء على مقاليد الامور فيها منتصرا وتركه عقوبة اعدائه الذين قال لهم (اذهبوا انتم الطلقاء ) ولم يرتكب اي عقوبة ضد اي احد وهم الذين اخرجوه وجماعته من ديارهم وصادروا حقوقهم واموالهم ونفوهم الى شعب ابي طالب حيث عانوا المجاعة والحرمان والمذلة الى ان ماتت زوجه خديجة وعمه ابو طالب ومن ثم النفي الى خارج الوطن حيث الحبشة وملكها النجاشي العادل الرحيم وبعد كل هذه المعاناة واراقة الدماء والتعسف والظلم يقول لهم محمد اذهبوا انتم الطلقاء وهو المنتصر ويستطيع ان يفعل بهم مايشاء، اسوق هذا المثل لتوضيح الحقيقة الغائبة عن اعين الكثير من الغربيين وللتأكيد على ان الإسلام المحمدي الاصيل الذي حمل لواءه هوية التشييع المبني على ثيمة (وان تعفوا اقرب للتقوى ) وهي الصورة التي ينبغي للناس جميعهم خاصة الغرب تصفّحها مهما كانوا عكس تلك الصورة التي حملت الكثير من التزييف والتزويق والتحريف والفبركة والتحامل والمليئة بالإشارات السلبية على الاسلام ونبيه محمد وتاريخه الناصع البعيد عن تلك الصورة المقلوبة التي حملت سيميائيات الذبح والدماء وقطع الرؤوس وهتك الاعراض والتمدد الى خارج الحدود باحتلال وقضم ما يمكن قضمه من ارض الله الواسعة .