بقلم: علي حسين
اكتشف الألمان، ولسوء طالعهم، أن هناك مجرمة تعيش بينهم لا يمكن طلب الغفران لها وعليها أن تقدم اعتذارها للشعب علنا، وقبل الاعتذار، أن تقدم استقالتها من منصبها لأن بقاءها يضر بمصلحة الشعب الألماني ويسيء لسمعة ألمانيا بين شعوب العالم.
المجرمة هي السيدة "فرانسيسكا غيفي" وتتولى وزارة الأسرة الألمانية، وهي شخصية تحظى بشعبية كبيرة، ومرشحة لأن تتولى منصب رئيسة بلدية برلين، لكن خبرها الذي تصدر كبرى الصحف وأصبح مادة دسمة للفضائيات جعلها تقرر اعتزال السياسة حيث كانت عضوا بارزا في الائتلاف الحاكم.
حين سمعت بالخبر قبل قراءة تفاصيله تصورت أن الوزيرة "لفلفت" مليار دولار من أموال الكهرباء مثلما فعل "المناضل" ايهم السامرائي، أو أنها استوردت أسلحة فاسدة راح ضحيتها المئات من الأبرياء، وقلت مع نفسي حتما ارتكبت هذه السيدة معصية كبيرة كأن تكون استوردت "نعل" طبية بملايين الدولارات، وتركت عشرات الاطفال يموتون حرقا في مستشفى حكومي، وذهب خيالي بعيدا، وقلت بالتأكيد أن هذه السيدة تقف وراء سقوط الموصل بيد داعش، أو أنها شريك في صفقة هياكل المدارس الحديدية التي لم تر النور.
ولكن حين قرأت الخبر أدركت أنني تجنيت على مسؤولينا كثيرا حين اتهمتهم بالفساد وسرقة المال العام والانتهازية والتزوير، فهذه "الجرمانية" ارتكبت جرما أشد وأبشع من كل ما فعله جمال الكربولي وعائلته، فقد اقتبست السيدة فرانسيسكا فقرات من بعض الكتب أثناء إعدادها لرسالة الدكتوراه من دون أن تشير إلى هذه المصادر، ورغم أن التحقيق لم ينته ولم تثبت إدانتها، لكنها قررت أن تغادر منصبها لتفسح المجال للقضية أن تأخذ مجراها دون التأثير من وزير أو مسؤول كبير.
في ألمانيا "الكافرة" هبت العاصفة، إذ كيف يمكن الوثوق بوزيرة غشت في أطروحتها الدراسية؟، ولم تخرج السيدة على الناس وتقول إن عدد من انتخبوها يفوق عدد الذين اكتشفوا خيانتها العلمية، ولم تصرح بأن استقالتها تعد انقلابا على الديمقراطية، ولم تتهم المنددين بها بأنهم من أذناب هتلر ويريدون إعادة الحزب النازي، وأنهم يخططون للانقلاب على العملية السياسية، فقط اكتفت بأن اعتذرت من الشعب الألماني وقدمت استقالتها من الحكومة.
لو سألت أي مواطن عراقي عن موقف الوزيرة الألمانية، فقد يموت قهرا أو ضحكا، أما لو سألت أي مسؤول عراقي عن رأيه لسارع على الفور باتهام الوزيرة بأنها إما ساذجة أو مجنونة!.
هل هناك مسؤول سياسي يشعر بالحرج؟، وإذا شعر هل يفكر في الاستقالة؟، هذا في عرفنا أقصى حالات التطرف، فالعاقل من يمسك بالمنصب بيديه وقدميه وأسنانه تعاونه طبعا شلة من المنتفعين والانتهازيين الذين يرددون بصوت واحد: "عديلة يا عديلة .. الوطن كلة شعبهة تلوكلهة الوزارة".