بقلم: ماجد احمد الزاملي
لقد كان القرن العشرين هو اكثر القرون تقدما وتطوراً, وقد استطاعت الحضارة الانسانية خلاله من المرور بقفزات كبيرة على جميع الاصعدة التكنولوجية والصناعية والاقتصادية والتجارية وعلى المستويات العسكرية ايضا .. وفي الوقت ذاته شهد القرن العشرين الكثير من الصراعات السياسية و الحروب العالمية و التي ادت في النهاية الى وضع مؤسسات دولية حكومية ترعاها الامم بانفسها ، الا ان كل هذا التطور و التقدم والحروب و الكوارث كانت قد استنزفت البيئة و هددت كوكبنا و سِر وجودنا على كوكب الارض تهديدات كبيرة و حقيقية فما كان الا ان يقف العالم مطولا عند هذه النقطة وخصوصا بعد ان اصبحت حركات الضغط و منظمات المجتمع الدولي تلعب دورا مؤثرا في داخل الدول، وايضا مع تزايد اهمية السير نحو تحقيق التنمية المستدامة من اجل مستوى افضل من الحياة الاجتماعية والبيئية والاقتصادية. ان المتتبع للتغيرات الاقتصادية في معظم دول العالم لابد انه لا حظ اهميه المشاريع الصغيرة والمتوسطة للاقتصاد المحلي والعالمي وهذا يعطي السبب الكافي الى ان نلاحظ هذا التوجه الكبير نحو هذه المشاريع خصوصا تكلفة إنشائها المنخفضة وانتشارها الجغرافي الواسع وقدرتها على استيعاب وتشغيل نسبة هامة من اليد العاملة، والمساهمة في رفع معدلات النمو الاقتصادي والاجتماعي، وتحقيق الترابط الرأسي والأفقي بين القطاعات الاقتصادية المختلفة لذلك كان لزاما على مختلف الدول إحاطة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بالعناية اللازمة لتتمكن من مواجهة الصعوبات التي كثيرا ما كانت تؤدي إلى فشلها وزوالها، وذلك من خلال إقامة شبكات الدعم التي أخذت عدة صور أبرزها حاضنات الأعمال.
العراق مثلاً يشهد حالة من التحول الاقتصادي الشامل والناشيء عن التغيير السياسي, ويحاول صناع القرار السياسي والاقتصادي في العراق الى النهوض بالاقتصاد الوطني ومعالجه حالة التفكك المنظم للبنى الارتكازية والفساد اذ يقف الاقتصاد العراقي بجانب الاقتصاديات المتخلفة من حيث تزايد معدلات البطالة والفقر واتساع المديونية لذلك لابد من تشجيع اقامة حاضنات الاعمال التي تلعب دور هام وفعال في تبني المشاريع المتوسطة والصغيرة لاسيما ان الصناعات الصغيرة والمتوسطة في العراق تعاني من الضعف وانخفاض مساهمتها في الناتج المحلي الاجمالي فضلا عن اغلاق العديد من المصانع والمعامل في ظل سياسة الاغراق اللا مدروسة التي يعاني منها السوق العراقي حيث يستوجب البحث عن اليات جديدة وفعالة لمواجهة الاوضاع الاقتصادية المتردية لهذا القطاع الحيوي حيث تعد حاضنات الاعمال احدى الحلول العلمية المقترحة لتخطي هذه الصعوبات والعقبات المالية والفنية والبشرية والتكنولوجية وحتى التسويقية التي تؤثر سلبياً على نشاط هذه الصناعات وتحد من دورها التنموي في الاقتصاد الوطني. إن مفهوم التنمية المستدامة هو المفهوم الأكثر من مفاهيم التنمية الآخرى ( الاقتصادية ، الاجتماعية ) فهي لا تقتصر على رأس المال المادي فقط أو رأس المال البشري فقط أو رأس المال البيئي فقط بل تشملها جميعاً. والعلاقة بين البيئة والسياسات الاقتصادية ذات تأثير متداخل بينهما فالسياسة المعتمدة على زيادة الصادرات لغرض الحصول على العملات الصعبة أو لإطفاء المديونية ، تقتصر في الدول النامية على تصدير الموارد الطبيعية كالنفط والغابات ، وذلك ذو تأثير سلبي على هذه الدول وإيجابي لأخرى تحافظ على مواردها الطبيعية ، لذا فإن تنظيم السياسات الاقتصادية على المستوى النقدي والمالي والزراعي وغيره يتمثل في تحديد نمط التدابير الواجب إتباعها للمحافظة على توازن النظام البيئي .
التنمية المستدامة تقوم على ,الكفاءة الاقتصادية، الكفاءة الاجتماعية والكفاءة البيئية. وتعتمد الكفاءة الاقتصادية على الاستخدام الامثل لأدوات, التقنية، الاقتصادية، الاجتماعية، ويتوقف النجاح على الجمع المتوازن بين الحزم جميعًا. فالأدوات التقنية هي وسائل تحقيق هدف صون الموارد الطبيعية المتجددة، أي قدرتها على العطاء (الإنتاج) في مدى الزمان الممتد، مع زيادة الغلَة في حدود هذه الضوابط، وترشيد استغلال الموارد الطبيعية غير المتجددة بغية تمديد المدى الزمني لعطائها. يطرح هذا الأمر إعادة النظر في الأدوات والآلات التي تستخدم على مستوى الفرد. أما الأدوات الاقتصادية فهي ضوابط الأداء. وقد برزت فكرة "المحاسبة البيئية للموارد الطبيعية" إذ جرى الأمر على عدم إدراج قيمة ما يؤخذ من العناصر المختزنة بالبيئة (حقول البترول والفحم والغاز الطبيعي ورواسب الخامات) في حساب التكاليف. فمصر مثلاً، كبلد زراعي، ترفض، مثلاً، إدراج مياه الري في حساب كلفة الزراعة.
ومن جانبها تقوم الكفاءة الاجتماعية على مشاركة الناس مشاركة فاعلة في مراحل رسم سياسات التنمية، ووضع الخطط وتنفيذ المشاريع، وهذا هو جوهر الديموقراطية. إن حرمان الناس المشاركة يعفيهم من المسؤولية ويعطّل قدرتهم على الأداء، وهنا تبرز أهمية المنظمات الأهلية كأدوات لحشد المشاركة الجماهيرية. ويعدّ العدل الاجتماعي إحدى ركائز التنمية المستدامة التي ترفض الفقر والتفاوت البالغ بين الأغنياء والمدقعين، والمفهوم الأول للعدل الاجتماعي هو العدالة بين الأجيال. إن صون النظم البيئية المتجددة يحفظ للأراضي الزراعية والمراعي والغابات والصيد قدرتها على الإنتاج المتواصل. وتحتاج الإدارة الصحيحة لموارد الفحم والبترول والغاز الطبيعي وخامات المعادن إلى الضبط الاجتماعي الذي يقاوم الإسراف. والمفهوم الثاني للعدل الاجتماعي هو العدل بين أهل الجيل الحاضر، ويفي باحتياجاته المشروعة.
والتنمية المستدامة لا تمثل ظاهرة اهتمام جديدة ، حيث إن الاهتمام بالبيئة والحفاظ على الموارد وتنميتها كان من الأهداف التي سعى إليها الناس في الحضارات القديمة، وخير مثال على ذلك أنماط الزراعة والري التي كانت سائدة في بلاد ما بين النهرين , وفي الحضارة المصرية القديمة، وكانت بارزة أيضاً في كتابات الفلاسفة الإغريق من أمثال أرسطو وأفلاطون، فضلاً عن وجود إشارات في الكتب السماوية تحث على العلاقة السوية بين النشاط الإنساني والمحيط الطبيعي الذي يعيش في كنفه الإنسان، حيث يلاحظ المتأمل لخطاب القرآن الكريم مدى الاهتمام بالطبيعة وعناصرها وتوازنها، وبالأرض اوكائناته الحية، فضلاً عن الأحاديث النبوية الشريفة التي تدعو إلى التعامل الرشيد مع موارد الأرض، من قبيل الماء والمراعي، وتنبذ الهدر والتبذير.
والتنمية المستدامة هي تعبير عن التنمية التي تتسم بالاستقرار، وتمتلك عوامل التواصل وهي ليست واحدة من الأنماط التنموية التي درج مفكرو التنمية على إبرازها، مثل التنمية الاقتصادية، أو الاجتماعية، أو الثقافية، أو البيئية، أو المؤسسية، بل هي تشمل كافة هذه الأنماط، فهي تنمية تنهض بالأرض ومواردها وتنهض بالموارد البشرية وتقوم بها، فهي تنمية تأخذ بعين الاعتبار البعد الزمني وحق الأجيال القادمة في التمتع بالموارد الطبيعية. والتنمية المستدامة لم تتحسن مؤشراتها إلا بفعل جهود إنمائية نابعة من فلسفة الدولة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية . والجهد الإنمائي لم يستثمر في تحسين مؤشرات التنمية المستدامة جميعا وإنما تحسنت َّ ومن ثم المؤشرات الاقتصادية فقط بينما المؤشرات البيئية تراجعت مع الزمن كان ذلك متوافقا مع فرضية البحث في عدم إدماج البعد البيئي في عملية التخطيط له نتائج سلبية على مؤشرات التنمية المستدامة.
ويمكننا اعتبار التنمية المستدامة قضية أخلاقية وإنسانية بقدر ما هي قضية تنموية بيئية، وهي قضية مصيرية ومستقبلية، والذي يؤكد ذلك أن التنمية في مختلف دول العالم لا تحقق شروط الاستدامة بوضعها الحالي لأنها تتم على حساب استهلاك واستنزاف الرصيد الطبيعي للأجيال القادمة ,فبعضهم يتعامل مع قضية التنمية المستدامة كقضية أخلاقية ,وبعضهم الآخر يرى أنها نموذج تنموي بديل يختلف عن النموذج الصناعي الرأسمالي أو هو أسلوب لإصلاح أخطاء وتعثرات النماذج السابقة بعلاقتها مع البيئة، ويرى آخرون أنها تفكير في مستقبل ومصير الأجيال القادمة و إن عنصر الوقت هو أهم ما يميزها.