بقلم: بشير خزعل
القراءات التي تسلط الضوء على واقع الاقتصاد العراقي يمكن أن نجدها من خلال قراءة معمقة للقضايا الاقتصادية التي أقرت في الدستور، إذ تبلورت لدى أصحاب القرار في الدولة العراقية رؤى جديدة عن قضية الاستثمار، والسبل التي يمكن ان تؤدي الى نجاحه، خصوصا بعد مرور سنوات طويلة عانى منها الاقتصاد بمجمله من ظروف مختلفة أدت الى تعطل مشاريع ستراتيجية مهمة بسبب غياب الاستثمار ولاسباب مختلفة أهمها التمويل وضعف الباعث على الاستثمار، فضلا عن الظروف السياسية غير المستقرة مع وجود بعض الجوانب المتعلقة باللوائح والقوانين، ويرى البعض من اصحاب الاختصاص ان الاستثمار الخاص الذي يقوم به القطاع الخاص لايمكن ان يحل بديلا عن الاستثمار العام في بلد مثل العراق، لانه بحاجة الى مشاريع عملاقة تهدف الى تقديم خدمة عامة، وهذه المشاريع بحاجة لتمويل مالي كبير وخبرة فنية واسعة، والتفرقة بين النوعين من الأمور التي يستطيع ان يميزها المواطن العادي، فالاستثمار في القطاع الخاص يعتمد على دافع الربح بشكل أساسي.
أما الاستثمار في القطاع العام فإنه يهدف إلى تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية حسب الفلسفة التي تؤمن بها الدولة، كتحقيق مستوى التوظيف الكامل أو استقرار المستوى العام للأسعار او انه يستخدم كعامل تعويضي لسد أي عجز في إنفاق القطاع الخاص، أهم مايبحث عنه المواطن من وراء الحديث عن الاستثمار هو انجاز مشاريع الخدمات الضرورية من قبل شركات رصينة تعمل بنظرة مستقبلية وليست بحلول آنية او وقتية لاتراعي تضخم عدد السكان والتغييرات التي ترافق تقادم السنين، فمشاريع الطاقة والماء والصحة والتعليم هي اهم التحديات التي تواجه الدولة العراقية ولاحلول للاستقرار المجتمعي من دون توفر هذه الخدمات التي يمكن ان تغير معالم البلاد ونفسية المجتمع نحو البحث الدائم عن التطور والازدهار وصولا الى مستوى الرفاهية التي نراها في دول كثيرة من العالم، ولما كان الاقتصاد هو من بين أهم مفاصل الحياة لانه يهتم بتحقيق أهداف التنمية والرفاه المعاشي لجميع افراد المجتمع، فإن ثمة ارتباطا جدليا بين الاقتصاد والدستور، فالمفترض أن تعكس طبيعة تنظيم الجوانب الاقتصادية في الدستور التوجهات العامة للدولة، هل هي ذات نظام اقتصادي قائم على دعائم السوق وفق آليات العرض والطلب، أم انه نظام ذو ميول ونزعة تملي سيطرة الدولة على جميع مفاصل الحياة الاقتصادية، أو هو جامعٌ بين النوعين؟.
قضية الاستثمار من القضايا المهمة التي لا بد أن تلقى عناية خاصة في الدستور، فالدستور يمكن أن يوضح لنا توجهات الدولة، هل هي ذات طبيعة إنتاجية ـ استثمارية تتولى القيام بعملية الاستثمار؟ أم أن الدولة ستكون ذات نزعة تشغيلية تميل إلى القيام بذلك الدور الداعم للقطاع الخاص بحيث يكون هو رائدا لعملية الاستثمار. ما يهم المواطن والمجتمع هو ان يكون هناك استثمار حقيقي يفضي الى نتائج ملموسة.