بقلم: عبد الحميد الصائح
مِن كثرِ ما سمعتُ وقرأتُ عن السيدة رغد قبلَ لقائِها التلفزيوني الأخير،كنتُ اظنّ بأنّ هذه المرأة التي شهِدتْ أقسى مايمكنُ أنْ تمرَّ به فتاةٌ مدللة بعد أن تحوّلتْ بحيراتُ العسَلِ التي عاشتْ فيها الى مستنقعاتِ دمٍ عائلي، قد تكوّنَتْ لديها شخصية مختلفة ذكية قويّة خبيرة تعلّمت من المأساة واطلعت على هول الكارثة التي حلت ببلدها طيلة حكم والدها أو ما لقّنها اياه ناصحوها في الاقل، لتخرجَ بعد غيابٍ طويل إمراةً صلبة معارضة لها رصانة مريم رجوي أو بنازير بوتو أو أي امرأة ناضجة تريد أنْ تجرّبَ حظَها في السياسة، خاصة السياسة العراقية (السهلة) فكل شيء جائز في عالم التحولاتِ العجائبية المعتاد هذا .
لكن اللقاءَ الذي أجرتْه معها قناةُ العربية لأسباب غامضة وتكهنات بالتسويق أو طرح مشروع ما، بدّد كلّ تلك التوقعات والمخاوف من ظهور شخصية تمثل النظام السابق ، حيث بدت المرأة خائبة بائسة تحاول الحديث بشكل طبيعي عن شيء غير طبيعي . تحاول ان تؤنسن التوحش وأنْ تتحدثَ بطريقة راعشة عن ذكريات طفلة في حضن أبيها ،العطوف الجميل الرحيم الحنون وعن زوجها المقدام العاشق الذي يقع في حبّ فتاة قاصر. فراحتْ تلوغُ في مستنقعِ الدم كالعمياء لاتميزُ بين دمِ أبيها ودمِ زوجِها وذويه الذين قتلهم ابوها وأخوانها وأعمامها في حفلةِ قتلٍ لاتحدثُ الا في الأساطير . وكلهم – القتلة والمقتولين – على حق!!
تتحدث عن الحروبٍ التدميرية وأحكام الموتِ والإعدام وكأنها حوادثُ مرورية عالجَها والدها الحنون بحكمة الرجل المطيع الذي يلتحق يومياً بدوامه الرسمي مبكراً! .
لقد ظهرت السيدة رغد خفيفةً عادية متلهفة لأن يرى الناسُ صورتها ولا فكرة في ذهنها لطرحها في لقاء فاشل ومفيدٍ معاً . مفيدٍ لكونه كشف خواء هذه العائلة التي كانت تشربُ دماءَ الناس وتتصوره نبيذاً، وتعلكُ لحمَ الأبرياء وتتصوره قشطةً مع الصباح ، الأبِ المهان والزوج الخائن والبنات الخفيفات اللواتي يتاجرن باسم صدام أباً أو جداً دون حياءٍ واعتذارٍ لشعبٍ وبلدٍ تحطم مستقبلُهما بسببه، ولأمّةٍ غبيّة مازالت تصدّق أنّ من أضعَفها وأخرَجَ أعظمَ جيوشها وأقوى أوطانها من معادلة القوة والتوزان هو رمزُها واملُها في البقاء والتفوق !!! .
وفاشل لأن من أرادوا لهذه الخبطةِ الصحفية أنْ تكونَ ركيزةً سياسية قدّموا نموذجاً منهاراً نفسياً ضائعاً فكريا ، يحاول أن يعيشَ على فضلات نطائحِ العراق المتردية التي جاءت بعد إسقاط نظام أبيها. بعد أن أخرجوا هذه السيدة التعبانة من أكوامِ ثيابِها ومشارطِ التَجميلِ الترقيعي التي انشغلتْ بها ، ليقولوا إن دوراً سياسياً في هذا البلد يمكن أن تلعبه!، لا مشروع لديها سوى فشل مشروع دولتنا الجديدة !. متوهمينَ أن الجائعَ يمكن أنْ يأكل الجيفة ، وأن المعترضَ على الفاسدين يمكنُ أنْ يرضى بالقتلة ، وأنّ دولة العراق المستباحة اليوم من أدعياء السياسة تتسعُ ثغراتُها لمزوري التاريخ والطامعين باعادة الموت بديلا للموت، والفشل بديلا للفشل، والظلم بديلا للظلم .
ماكنتُ اتمنّى على نفسي التعليقَ على هذه السقطةِ الاعلامية والسياسية الفاشلة، البائسة شكلا ومضمونا ، لولا أنّها أخذت بُعداً وثرثرةً ومزايداتٍ اكثر مما تستحق .بل اتصور وأرجو أن لا أكون واهماً أنّ بعضَ المحترفين من الذين عملوا في سلك الدولة أيام صدام يأسفون في قرارة انفسهم على أنهم خدموا نظاماً وعائلة بهذا المستوى من السطحية والتبرير المفضوح للخطأ والجريمة،خطأ جارٍ متواصل تسري جيناته في عروق الانظمةِ التي تعاقبت على حكم هذا البلد حتى يومنا هذا ، حيث يتحول السياسيون في العراق عادة الى آلهة ، الهةِ دمٍ يحكمون، خائفينَ من آلهةِ دمٍ خارج الحكم، حتى وان كانت عودتُهم من سابع المستحيلات.