- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الولايات المنقسمة الامريكية !
بقلم:محمد صالح صدقيان
ليس مهما ماقاله الرئيس الامريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب بشأن ما حدث يوم الاربعاء في « غزوة » الكونغرس ؛ كما انه ليس بالمهم ما قاله الرئيس المنتخب جو بايدن . المهم ان العالم بأسره شاهد بالمباشر ما حدث لصرح الديمقراطية الليبرالية الامريكية وهو يسقط بأيدي ميليشيات معروفة بالاسم والصورة والاعلام الملونة لاحداث « ثورة » كما قالت تلك السيدة التي حاولت مع اصدقائها اقتحام الكابيتول . قناة « سي ان ان » نقلت رأي هذه السيدة التي كانت تتكلم عن نفسها لكنها كانت تتكلم ايضا عن قناعات عشرات الألوف الواقعة تحت تأثيرات التيارات الشعبوية المحافظة التي دافع عنها الرئيس ترامب ووضع لها اطارها السياسي والاجتماعي ودفعها لتكون القوة التي اراد لها ان تقف معه في انقلابه على « المزورين » الذين سرقوا اصوات الناخبين الامريكيين .
ما الذي حدث في الولايات المتحدة ؟
ما هو مصير ترامب والترامبية ؟
هل سقطت الظاهرة الشعبوية بسقوط كبيرهم دونالد ترامب الذي علمهم السحر ؟
وكيف سيتصرف الحزب الجمهوري بعدما اسقط الرئيس ترامب ورقة التوت عن عورة النظام الديمقراطي ؟ .
وهل يمكن للرئيس الامريكي المنتخب جو بايدن ان يلملم جراح الامة الامريكية التي اغتصبوا ديمقراطيتها في عقر دارها ؟
اسئلة كثيرة طرحت منذ يوم « الاربعاء الثائر » لدراسة العوامل التي دفعت بهذه الاحداث الى السطح ؛ ولإيجاد اجوبة مقنعة لما حدث : هل انه حدث عابر وسيزول ؟ أم ما حدث هو جزء من قوة بركانية تتحرك تحت الارض ؛ وما شاهدناه ارتجاجات ارضية تنبىء عن هزة ارضية بدرجة عالية على مقياس رختر .
من السابق لأوانه الاجابة على كل هذه الاسئلة بشيء من الوضوح لارتباط هذه الاسئلة بالعديد من الاستحقاقات الامريكية خلال الشهور الستة القادمة ؛ لكن المراهنة على ترامب والترامبية بعد كل الذي حصل في داخل الولايات المتحدة فيه نوع من السذاجة والبساطة السياسية .
ما سمعناه من زعيم الاغلبية الجمهورية في الكونغرس اثناء الانقلاب يعطي مؤشرا واضحا الى ان الجمهوريين سوف يحاولون مسح « الغزوة » من الذاكرة الامريكية ان سمح لهم الديمقراطيون الذين يسيطرون على البيت الابيض ومجلسي النواب والشيوخ ؛ بل اكثر من ذلك : سيعمل الجمهوريون على طي مرحلة دونالد ترامب وإبعادها عن ذاكرة الامريكيين وبقية شعوب العالم لانها شكلت نقطة سوداء في تاريخهم السياسي . تذكروني .. سيلجأ الجمهوريون الى النأي بالنفس عن كل السياسات التي اقدم عليها الرئيس ترامب وفريقه داخل البيت الابيض حتى انهم سيذهبون بعيدا في ذلك الى الاعلان عن انزعاجهم عن اقوله وافعاله في محاولة لمسح عهده من الذاكرة ؛ على الرغم من المكاسب الاقتصادية التي تحققت في عهده . اما الرئيس ترامب فانه سيعيش حالة الاكتئاب النفسي وسينزوي بعيدا عن عدسات الكاميرا وشاشات التلفزيون . هذه ليست نبوءة لمستقبل الرجل وانما هي قراءة للحالة الشعبوية المتعاظمة عندما تدخل في جسم الانسان وسرعان ما تنهزم ؛ وهي النهاية التراجيدية التي انتهى اليها الشعبويون الذين ظهروا في امريكا واوروبا وامريكا اللاتينية وبعض الدول في اسيا وافريقيا منذ بداية القرن الماضي .
« غزوة الكونغرس » دفعت بالولايات المتحدة الى الامام وأيقظت احلام الانقسام والانفصال عند القوميين في الداخل الامريكي . واذا كانت ولاية كاليفورنيا - على سبيل المثال - تفكر بالانفصال عن الولايات المتحدة بعد عشرين عاما فانها اليوم صارت اقرب لسبب بسيط جدا وهو حالة الانقسام الذي اولدته الترامبية في داخل المجتمع الامريكي .
74 مليون ناخب صوت لصالح دونالد ترامب . هؤلاء يصطفون لصالح الاتهامات التي ساقها ضد منافسه وضد مواقف الولايات التي لم تقف مع مزاعم الرئيس ترامب . هذا الانقسام المجتمعي ليس بسيطا في القاموس السياسي ؛ وان تداعياته سوف تظهر بوضوح خلال الفترة القادمة ليست بالبعيدة خصوصا في ظل المشاكل المتعددة التي تعصف بالولايات المتحدة وتحديدا فيما يتعلق بتفشي كوفيد 19 والخسائر الكبيرة التي تكبدتها جراء السياسات التي انتهجها الرئيس ترامب بشان هذه الجائحة ؛ اضافة الى المشاكل الاقتصادية التي تتجسد ليس بعدم دفع الرواتب وانما في حالة البطالة التي وصلت في افضل التقديرات الى 19 مليون شخص .
امام الرئيس المنتخب جو بايدن مهمة صعبة في « لملمة » الابتعاد الخطير عن « دولة المؤسسات » وفي ظل مجتمع منقسم طبقياً وعرقياً وثقافياً وهوياتياً. انقسام عمودي وأفقي يتمظهر بشكل غير مسبوق في تاريخ أمريكا الحديث . ومن الصعب على أمريكا طي صفحة لتفتح اخرى بعد « الغزوة » ، وسينتظر العالم ليرى إذا كانت الولايات الأميركية ستبقى متحدة.
اما العالم الخارجي فانه يتحين الفرص للانفلات من الهيمنة التي فرضتها الولايات المتحدة والذي يتجه الى تعدد القطبية في عالم متغير ومتسارع .
أقرأ ايضاً
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القنوات المضللة!!
- ما هو الأثر الوضعي في أكل لقمة الحرام؟!