- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
مسؤولية القاضي في احترام الدستور والقانون
بقلم: فائـق زيـدان
القضاة هم الأمناء على حسن تطبيق القانون لضمان حماية الحقوق التي على أساسها يبنى المجتمع وتسود العدالة، لذا ينبغي ان تكون سلوكيات القضاة سواء في عملهم الوظيفي أو خارجه على مستوى الأمانة المودعة لديهم، ويرتب القانون على القضاة التزامات كما هي واجبات الموظفين والمكلفين بالخدمة العامة في مختلف قطاعات الدولة باعتبار ان القاضي أيضاً مكلف بتقديم الخدمة العامة هذا فضلاً عن ان المنصب القضائي يفرض وجوده المعنوي وتمام المسؤولية على شخصية القاضي التزامات تحقق ضماناً لشرف ونزاهة عمل القضاء ومنها التزامه ببذل العناية الكافية لتجنب الخطأ وإلا أصبح عرضة للمساءلة التي تعد الأساس الحقيقي للنظام القانوني وإلا ما قيمة القانون إذا لم يكفل مساءلة المخطئ. وفي الدول التي تحترم القانون فان الجميع يخضعون لحكم القانون سواء من أعضاء السلطتين التشريعية والتنفيذية أو السلطة القضائية التي هي أولى من غيرها بالخضوع لحكم القانون باعتبارها المسؤولة عن تطبيقه إلا ان مساءلة القضاة بطبيعة الحال تختلف عن مساءلة أعضاء السلطتين التشريعية والتنفيذية بسبب طبيعة عمل القضاة وما يجب ان يتمتع به القضاة من استقلال وحياد لذا فان آلية مساءلة القضاة عن الأخطاء التي يرتكبونها يجب ان لا تؤدي إلى المساس بهذا الاستقلال والحياد لذا نجد ان القانون يوفر الحصانة للقضاة حيث نصت المادة (64) من قانون التنظيم القضائي رقم (160) لسنة 1979 على عدم جواز توقيف القاضي أو اتخاذ الإجراءات الجزائية ضده في غير حالة ارتكابه جناية مشهودة إلا بعد استحصال إذن رئيس مجلس القضاء الأعلى، غير ان هذه الحصانة ليست مطلقة إذ يمكن مساءلة القضاة عن كل فعل يشكل مخالفة للدستور والقانون وأفعال الإهمال والتقصير التي قد تقع منهم عند مزاولتهم العمل القضائي وقد تصل عقوبة القاضي إلى إنهاء الخدمة بموجب أحكام المادة (58 / ثالثاً) من قانون التنظيم القضائي إذا صدر عليه حكم بات بعقوبة من محكمة مختصة عن فعل لا يأتلف وشرف الوظيفة القضائية كما بينت المادة (61 / أولاً) من القانون المذكور ان لجنة شؤون القضاة تقرر إحالة القاضي على المحكمة المختصة إذا وجدت ان الفعل المنسوب إليه يكون جناية أو جنحة، لذا نجد ان القاضي إسوةً بغيره من المواطنين يتعرض للمساءلة الجنائية عند ارتكابه أي فعل مجرم بمقتضى قانون العقوبات والقوانين الأخرى على سبيل المثال المادة (234) من قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 التي تعاقب القاضي بالحبس والغرامة إذا اصدر حكماً ثبت انه غير حق كذلك يخضع القاضي شأنه شأن الموظفين والمكلفين بخدمة عامة لأحكام المادة ( 329 /1 ) من قانون العقوبات إذا تسبب بحكمه تعطيل حكم نص دستوري أو قانوني نافذ، ويخضع لإحكام المادة (330) من القانون المذكور إذا اخل عمداً بواجب من واجبات وظيفته، ونرى ان هذه النصوص القانونية وغيرها التي تطبق على القضاة عما يرتكبونه من أفعال مخالفة للدستور والقانون وتطبيقها بشكل جدي يساهم في تعزيز ثقة المواطن بالقضاء لان المواطن حين يرى معاقبة القاضي لارتكابه ما يخالف الدستور والقانون سوف تتعزز الثقة بعدالة القضاء أما إذا كان القاضي في مأمن من عواقب مخالفته الدستور والقانون لمجرد كونه قاضياً فان ذلك يؤدي إلى انحسار الثقة بالقضاء لان القائمين عليه غير ملتزمين بحكم الدستور والقانون فكيف يمكن الثقة بتطبيقهم لإحكام الدستور والقانون على الآخرين؟
ويعد واجب (احترام الدستور والقوانين النافذة وتطبيقها بأمانة ونزاهة وحياد) هو الأساس الذي يستند عليه العمل القضائي لذا نجد ان المشرع حرص على النص على هذا الالتزام في صيغة اليمين التي يؤديها القاضي قبل ممارسة عمله القضائي بموجب المادة (37 / ثانياً) من قانون التنظيم القضائي رقم (160) لسنة 1979 والمادة (7) من الأمر رقم (30) لسنة 2005 (قانون المحكمة الاتحادية)، وهنا أوجه دعوتي بمحبة وحرص إلى زميلاتي وزملائي السادة القضاة إلى ان يضعوا نصب أعينهم بان العدل اسم من أسماء الله والقضاء قبس من نوره وتحقيق العدل أساس في رسالة الأنبياء والرسل الذين بعثهم الله بالكتاب والميزان وبالقضاء تصان الدماء والأعراض والأموال، وان ولاية القضاء من أعلى الولايات قدراً وأعظمها شأناً واعزها مكاناً وأشرفها ذكراً لذا يجب على جميع القضاة النأي بأنفسهم عن كل سلوك يخالف الدستور أو القانون.
أقرأ ايضاً
- مسؤولية الأديب في زمن الاحتضار.
- المسؤولية المدنية المترتبة عن استخدام الذكاء الاصطناعي
- الدستور العراقي والمحكمة الاتحادية