- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
ادب المراثي الحسينية بين التجلي والتجني ...الجزء الاول
حجم النص
حسن كاظم الفتال...الجزء الأول
بدءاً أقول : إن ما يدعوني للخوض في غور بعض المجريات أو بعض القواسم المشتركة أو بعض المفاصل التي لها علقة بتراثنا الأدبي الحسيني بشكل عام وبالمراثي الحسينية بشكل خاص ليس إلا الحرص في الرغبة على إبقاء الصورة الزاهية المشعة التي يبرق بها تراثنا الأدبي الثر وإبرازها وصون تماسك عقده الؤلؤي من الفرط والتناثر . وإن من نافلة القول أو مما هو شائع لدى الجميع أننا لم نأتِ بجديد حين نعلن أن الأدب الحسيني قد انفرد وتميز بخصوصية فائقة وأحاطته قدسية جعلته سامقا يعتلي ذرى النضوج الفكري العقائدي ويستقر عليها ولا يسهل على الأدبيات الأخرى الدنو منه كثيراً وذلك ليس إدعاءً بل حقيقة يدركها القاصي والداني من أصحاب الشأن . ولعل أبرز غصن من دوحة الأدب الحسيني المباركة المراثي الحسينية بكل اشكالها وأنماطها وتنوعاتها وتوافقاتها من تلك التي ارتبطت بالمشهد العاشورائي الكوني وبالمنبر الديني. وشكلت المراثي الحسينية بمختلف أصنافها وأنماطها ى بعداً وافيا شغل مساحاتٍ واسعة من من عموميات عالم الأدب . وحين نود أن نتعلق بعجلة الزمن ونعكس دورانها لتعود بنا إلى الماضي البعيد بذاكراتنا وأذهاننا إلى عقود مضت سنجد أن الساحة الأدبية كانت زاخرة بلآلئ براقة من النتاجات التي ابدع في تدوينها الشعراء الحسينيون مما فرض عليها أن تستقر بل تلتصق في كل ذاكرةٍ وذائقة حية متوقدة .إذ أنها سجلت حضورا واسعا فاعلا في الذائقة الجمعية وتقبلا واسعا واستحسانا غير مسبوق من قبل شرائح مختلفة لمعظم المجتمعات مع تباين مراحلها العمرية وحتى تغاير توجهاتها وولاءاتها ومعتقداتها رغم ان معظم النصوص تحاكي عمق عقيدتنا بشكل خاص . وحرصا على ديمومة الترابط الزمني والتواصل الفني وإبقاء سُمْعَة مجد التراث الأدبي الحسيني محتفظة بنقائها الناصع وصونا وحماية لهذا التراث من أن تندثر معالمه الزاهية فإن بعض الأدباء الواعين من المنتمين إلى مدرسة النهضة الحسينية والمتدرعين بثقافة عاشورائية عميقة بوعي تام سعوا إلى إبراز المنجز الإبداعي للمراثي الحسينية ليقدموا البرهان على صدق وحسن الإنتماء إلى زمن الوفاء والإخلاص الولائي والرغبة في التواصل وعقد الصلة بين الماضي والحاضر وإحياء الذكر بما ينبغي وبما يليق بالقضية الحسينية العظيمة . هؤلاء الشعراء الذين بدأنا نترقب نتاجاتهم بشوقٍ ورغبة ونتلقاها بكل ارتياح راحوا يترجمون عمق ولائهم ونواياهم الحسنة وصدق عقيدتهم إلى إنثيال ينساب من سلسال قرائحهم ويسطرون نصوصا شعرية مزينة بقوافٍ منمقة تُكَّوِّن هيكلية قصيدة حية تفصح عن همسات ضمائرهم . قصيدة يشار إليها بالبنان تستحق أن تطلق عليها تسمية قصيدة دون اي توجس أو تردد كما تستحق أن تجتذب آذاناً واعية صاغية لتنصت إليها إنصاتاً تاماً وتلتقطها بكل توق ورغبة. أراقت قرائحهم النقية الواعية نزيفاً شعريا بنماذج تحمل ديباجات عقائدية منحتها الأحقية لأن تنسبت إنتسابا شرعيا حقيقيا وعرفيا للمراثي الحسينية ونالت حصة وافية من الإستحسان والتقبل بل والإعجاب , وما زادها بهجة وصفاءً تُليت من قبل منشدين واعين تتناسب إمكاناتهم وقدراتهم مع الفيض الجمالي للنص الشعري وأنشدها أولئك المنشدون بكل براعة واقتدار وبإتزان دون إطلاق الصراخ غير المبرر ودون إبداء أي افتعال للحركات أو التمايلات أو الصرخات غير المجدية أو التصنع في العرض أو التباكي . هذه القصائد وإنشادها أعادت للمتلقي والمتذوق الأمل في أن الساحة لا زالت تحتضن مواهب تستمد اصالتها من نسغ جذور الماضي العريق .
الدعوة للإرتشاف من معين نقي
إن بعض أصحاب الشأن أو المنتمين إلى الوسط الحسيني انتابهم توجس من أن يجرفنا تيار الغفلة ويلقي بنا على ضفة العجز عن التصدي والرفض لعملية تغييب وإقصاء وتهميش أصحاب الحق واصحاب المواهب والقدرات وانسحابهم من الساحة بسبب الزحامات أو المضايقات أو مآرب أخرى . وكذلك يخشى هؤلاء من أن نقف وقفة المتفرج العاجز على ما يجري مما لا يُرغَبُ به من تراجع فنحصد ما لا يحمد عقباه فيؤدي إلى أن تفيض الساحة الأدبية غاية الفيض بوفرة وغزارة من النصوص الشعرية في المراثي الحسينية التي لا تلبي الطموح من تلك القصائد التي تكاد تنخر جسدها البنيوي مفرداتٌ متشابهةٌ في الطرح والمضمون وأساليب النظم والصيغ وتحتشد بعبارات الوصف والمديح والغزل للإمام المراد التحدث عنه أحيانا وبطريقة وصفية سرديه سطحية هامشية تقليدية مكررة يصوغها بطريقة تجعلها صالحة لمخاطبة كل الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين في آن واحد بالصيغ والعبارات والتعريفات والتلميحات نفسها مما يجعلك أن لا تجد أحيانا أي تغاير بين نص وآخر وبين ناظم وآخر إلا ما ندر . إلى اللقاء في الجزء الثاني