- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الحكومة والطبقة السياسية بين موقفين للمرجعية العليا !
بقلم: نجاح بيعي
الأهمية البالغة عند المرجعية العليا في موضوع الإنتخابات النيابية المقبلة, تنطلق من كونها تمثل (المسار السلمي الصحيح للخروج من المأزق الراهن) الذي يمر به العراق ويُعاني منه, وهذا المازق الخطير إنما جاء بسبب (تراكم أزماته سياسياً واقتصادياً وأمنياً وصحياً وخدمياً وغير ذلك) نتيجة الفشل الذريع لجميع القوى السياسية في إدارة دفة الدولة مع تعدد أسباب ذلك الفشل المدمر, منذ انبثاق أول حكومة مُنتخبة من أول انتخابات حرّة عام 2006م وللآن.
وهذا ما يلمسه أدنى مطلع على خُلاصة ما أدلى به السيد (المرجع الأعلى) في النجف الأشرف من مواقف مهمة لعدد من القضايا الخطيرة أمام الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة (جينين هينيس بلاسخارت) خلال زيارتها له يوم الأحد 13/9/2020م. حتى عدّ الأمر عند البعض أنما هو رسالة قرعت (جرس) الدرس الأخير لهم وإلا (ستندم عليه جميع الأطراف المعنية المُمسكة بزمام السلطة في الوقت الحاضر). وهذا يؤشر عند مَن طالع مضمون مواقف المرجعية العليا الأخيرة, ويخلص الى أن جميع القوى السياسية والحكومات المتعاقبة وخصوصا ً المُمسكين بالسلطة كانوا جميعا ً جزء ً من المشكلة وتفاقمها, ولم يكونوا يوما ًجزءً من الحل أمام الأزمات والمشاكل الكبرى والتحديات المصيرية التي واجهت ولا تزال تواجه العراق وشعبه الجريح على مدى مسيرة العملية السياسية المنطلقة منذ عام 2003م.
ـ هل كانت الطبقة السياسية الحاكمة فعلا ً جزء ً من المشكلة وتفاقمها ولم يكونوا يوما ًجزءً من الحل؟
الجواب: نعم
وذات الجواب يدفعنا الى أن نرجع قليلا ً الى الوراء ونراجع ما أوصت به المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف لـ(أول) رئيس مجلس وزراء مُنتخب من (أول) انتخابات حرة تجري في العراق خلال زيارته بتاريخ 27/4/2006م.
وبمقاربة بسيطة بين ما أرشدت إليه المرجعية العليا ونصحت به الزائر الضيف (رئيس مجلس الوزراء) آنذاك, وبين ما أدلت به مؤخرا ًمن مواقف أمام ممثلة الأمم المتحدة في13/9/2020م, يتجلى ذلك الفشل المدمر ومدى خطورته واستفحال الأزمة وتفاقمها, وكيف زادت القوى السياسية بأجمعها ومن يُمسك بالسلطة معها الطين بلة منذ ذلك الوقت, وكيف كانوا جزء ً من المشكلة والأزمة ولم يكونوا قط جزء ً من الحل أمام المعضلات والتحديات المصيرية.
ولكي تكتمل الصورة سأذكر أولا ًموقف المرجعية العليا في (الأمس) في (27/4/2006م) تخص قضية من القضايا المذكورة في البيان عقب الزيارة, وبعدها أذكر موقفها (اليوم) في (13/9/2020م) لتبرز النتيجة وما آلت إليه بشكل متسلسل, وسأترك بعدها التقييم للقارئ المنصف:
1ـ مما أوصت به المرجعية العليا لأول رئيس مجلس وزراء منتخب بالأمس عام 2006م(1):
(ضرورة أن تشكّل الحكومة الجديدة من عناصر كفوءة علمياً وإدارياً وتتسم بالنزاهة والسمعة الحسنة مع الحرص البالغ على المصالح الوطنية العليا والتغاضي في سبيلها عن المصالح الشخصية والحزبية والطائفية والعرقية ونحوها).
ـ ومما أدلت به المرجعية العليا اليوم في 13/9/2020م كنتيجة لما آلت أليه تلك القضية, وبعد أربعة عشر عاما ً وأربع دورات إنتخابية وخمسة رؤوساء مجلس وزارة (2):
(إن الانتخابات النيابية المقرر إجراؤها.. يجب أن توفر لها الشروط الضرورية التي تضفي على نتائجها درجة عالية من المصداقية.. ولا بد من أن تجرى وفق قانون عادل ومنصف بعيداً عن المصالح الخاصة لبعض الكتل والأطراف السياسية، كما لا بد من أن تراعى النزاهة والشفافية في مختلف مراحل اجرائها..) وإلا(ستندم عليه جميع الأطراف المعنية المُمسكة بزمام السلطة في الوقت الحاضر).
2ـ مما أوصت به المرجعية العليا لأول رئيس مجلس وزراء منتخب بالأمس عام 2006: (معالجة الحالة الأمنية ووضع حدّ للعمليات الإجرامية التي تطال الأبرياء يومياً خطفاً وتعذيباً وتفجيراً وقتلاً وتنكيلاً وغير ذلك).
ـ ومما أدلت به المرجعية العليا اليوم في 13/9/2020م كنتيجة لما آلت أليه تلك القضية, وبعد أربعة عشر عاما ً وأربع دورات إنتخابية وخمسة رؤوساء مجلس وزارة:
ـ أن الحكومة الراهنة (مطالبة بالعمل بكل جدية للكشف عن كل مَن مارسوا أعمالاً إجرامية من قتل أو جرح أو غير ذلك بحق المتظاهرين أو القوات الأمنية أو المواطنين الأبرياء، أو قاموا بالإعتداء على الممتلكات العامة أو الخاصة.. ولا سيما الجهات التي قامت بأعمال الخطف أو تقف وراء عمليات الإغتيال الأخيرة).
3ـ مما أوصت به المرجعية العليا لأول رئيس مجلس وزراء منتخب بالأمس عام 2006:
(لا بدّ من حصر حمل السلاح في أيدي القوات الحكومية, وبناء هذه القوات على أسسٍ وطنية سليمة بحيث يكون ولاؤها للوطن وحده لا لأية جهة سياسية أو غيرها).
ـ ومما أدلت به المرجعية العليا اليوم في 13/9/2020م كنتيجة لما آلت أليه تلك القضية, وبعد أربعة عشر عاما ً وأربع دورات إنتخابية وخمسة رؤوساء مجلس وزارة:
(إن الحكومة الراهنة مدعوة الى.. تحسين أداء القوات الأمنية بحيث تتسم بدرجة عالية من الإنضباط والمهنية، وفرض هيبة الدولة وسحب السلاح غير المرخص فيه، وعدم السماح بتقسيم مناطق من البلد الى مقاطعات تتحكم بها مجاميع معينة بقوة السلاح تحت عناوين مختلفة بعيداً عن تطبيق القوانين النافذة).
4ـ مما أوصت به المرجعية العليا لأول رئيس مجلس وزراء منتخب بالأمس عام 2006:
(من مهام الحكومة مكافحة الفساد الإداري المستشري في معظم مؤسسات الدولة بدرجة تنذر بخطر جسيم..فلا بدّ من وضع آليات عملية للقضاء على هذا الداء العضال وملاحقة المفسدين قضائياً أياً كانوا).
ـ ومما أدلت به المرجعية العليا اليوم في 13/9/2020م كنتيجة لما آلت أليه تلك القضية, وبعد أربعة عشر عاما ً وأربع دورات إنتخابية وخمسة رؤوساء مجلس وزارة:
(الحكومة مدعوة أيضاً الى اتخاذ خطوات جادة واستثنائية لمكافحة الفساد وفتح الملفات الكبرى بهذا الشأن حسب الإجراءات القانونية، بعيداً عن أي انتقائية، لينال كل فاسد جزاءه العادل وتسترجع منه حقوق الشعب مهما كان موقعه وأياً كان داعموه).
5ـ مما أوصت به المرجعية العليا لأول رئيس مجلس وزراء منتخب بالأمس عام 2006:
(إن على الحكومة الجديدة أن تعمل كل ما في وسعها في سبيل استعادة سيادتها الكاملة على البلد سياسياً وأمنياً واقتصادياً وغير ذلك.. ومن الضروري إقامة أفضل العلاقات وأوثقها مع دول الجوار كافة على أساس الإحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية).
ـ ومما أدلت به المرجعية العليا اليوم في 13/9/2020م كنتيجة لما آلت أليه تلك القضية, وبعد أربعة عشر عاما ً وأربع دورات إنتخابية وخمسة رؤوساء مجلس وزارة:
(إن الحفاظ على السيادة الوطنية ومنع خرقها وانتهاكها والوقوف بوجه التدخلات الخارجية في شؤون البلد وإبعاد مخاطر التجزئة والتقسيم عنه مسؤولية الجميع).
6ـ مما أوصت به المرجعية العليا لأول رئيس مجلس وزراء منتخب بالأمس عام 2006:
أن (نجاح الحكومة المقبلة هو نجاح للجميع واخفاقها لا سمح الله سيصيب الجميع بالضرر البليغ.. فلا بد من التكاتف والتعاضد بين القوى السياسية وسائر الأطراف المعنية لإنجاح هذه الحكومة وتمكينها من أداء مهامها على الوجه الصحيح)
ـ ومما أدلت به المرجعية العليا اليوم في 13/9/2020م كنتيجة لما آلت أليه تلك القضية, وبعد أربعة عشر عاما ً وأربع دورات إنتخابية وخمسة رؤوساء مجلس وزارة:
أن نجاح عمل الحكومة (يتطلب موقفاً وطنياً موحداً تجاه عدة قضايا شائكة تمسّ المصالح العليا للعراقيين حاضراً ومستقبلاً، ولا يمكن التوصل اليه في ظل تضارب الأهواء والإنسياق وراء المصالح الشخصية أو الحزبية أو المناطقية، فالمطلوب من مختلف الأطراف الإرتقاء الى مستوى المسؤولية الوطنية وعدم التفريط لأي ذريعة بسيادة البلد واستقراره واستقلال قراره السياسي).
في نهاية المطاف أختم الكلام بإبراز (تحذيرين) للمرجعية العليا لمن يُمسك بالسلطة ولجميع الطبقة السياسية, كانا قد وردا في كلا (البيانين) الآنفي الذكر في عام (2006م) و(2020م) أحدهما مرتبط بالآخر بشكل وثيق أرتباط (النتيجة بالمقدمة) والعكس صحيح أيضا ً. فإذا كانت (النتيجة) تكمن في تحذير المرجعية العليا في عبارة (وستندم عليه جميع الأطراف المعنية الممسكة بزمام السلطة في الوقت الحاضر) الواردة في لقاء (جينين هينيس بلاسخارت) ممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة خلال زيارتها لها يوم الأحد 13/9/2020م, وذلك إن لم تكن الإنتخابات النيابية المقرر إجراؤها حسب الشروط الضرورية, من توفر قانون عادل ومنصف, وبعيد عن المصالح الخاصة للكتل والأطراف السياسية, وأن تراعى بها النزاهة والشفافية, وأن يتم الإشراف والرقابة عليها مع الدائرة المختصة بذلك في بعثة الأمم المتحدة ووو, بحيث يكون المسلك (السلمي الصحيح للخروج من المأزق الراهن الذي يعاني منه البلد..).
فإن (المقدمة) تكمن في إشارة المرجعية العليا الصريحة لأول رئيس مجلس وزراء منتخب خلال زيارته لها في 27/4/2006م حيث صرحت بأنها:
ـ (لم ولن تُداهن أحداً أو جهة فيما يمسّ المصالح العامة للشعب العراقي العزيز)
ـ وأنها (ستراقب الأداء الحكومي)
ـ وأنها سـ(تشير الى مكامن الخلل فيه كلما اقتضت الضرورة ذلك)
ـ (وسيبقى صوتها مع أصوات المظلومين والمحرومين من أبناء هذا الشعب أينما كانوا بلا تفريق بين انتماءاتهم وطوائفهم واعراقهم).
الدرس الذي لم ولن يعيه أويدركه كل مَن مسك السلطة ومعه جميع الطبقة السياسية في العراق.
ـ وأترك التقييم والحكم لكم.
ـــــــــــــــــ
ـ(1) بيان مكتب السيد السيستاني (دام ظله) ـ النجف الأشرف في ٢٨ ربيع الأول ١٤٢٧هـ المصادف 27/4/2006م عقب زيارة أول رئيس مجلس وزراء عراقي منتخب لها:
https://www.sistani.org/arabic/statement/1497/
ـ(2) بيان مكتب السيد السيستاني (دام ظله) ـ النجف الأشرف في 24 من المحرم الحرام 1442هـ المصادف الأحد 13/9/2020م عقب زيارة (جينين هينيس بلاسخارت) الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة لها:
https://www.sistani.org/arabic/archive/26461
أقرأ ايضاً
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القنوات المضللة!!
- ما هو الأثر الوضعي في أكل لقمة الحرام؟!