- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
المياه مابين المطرقة والسندان .. الأزمة وسبل المواجهة
اكرام عبد العزيز عبد الوهاب
منذ عقود خلت وسنوات جارية يعيش العراق ازمة مياه تتفاقم في ابعادها وتتصاعد خطواتها حدة حينما ترتبط بواقع الزراعة وباقي القطاعات الاقتصادية وبوقفه بسيطة نجد ان حجم الازمة يبرز بتناغم وترابط ازمة المياه والامن الغذائي فكليهما مهدد وكليهما يهدد البلد اقتصاديا وامنيا ومجتمعيا ووجودا.
ان العراق وعلى مر الازمنة كان يعرف بأرض السواد تلك الارض التي تتميز بخضرتها وتنوع زراعتها ووفره مياهها وخصوبة تربتها وكل ما عليها من حبوب ومحاصيل زراعية كانت بحد ذاتها سلة للامن الغذائي وبقيت الى حد قريب محدودة في اطارها مع وجود المشاكل حول الموضوع حتى عام 2003،وعند الوقوف على ازمة المياه بشكل عام والعراق بشكل خاص نجد ان الكثير من الدول دخلت في نزاعات ومشاكل حول الحصص المائية للدول المتشاطئة المتجاورة سعت الى حلها عبر قوانين دولية منظمة لهذا الغرض مع ان المشكلة تتبلور في جانب مهم منها بما يواجه العالم وسكان الارض من ضخامة التحديات حينما نعلم ان فقط 3 بالمئة من المياه في العالم هي نقيه وهذا بحد ذاته مصدر قلق ونزاع،وعودة لذي بدء فأن موضوع العراق حاله حال الدول العربية فهو يعاني من قلة المياه لقلة الامطار حيث انه يقع في منطقة جافة وانه يعتمد على مايرده من حصص مائية تأتي من خارج حدوده من دولة المنبع تركيا وهي تتحكم بحياة واقتصاد دولتي العراق وسوريا وانها المسيطر الفاعل على نهري دجلة والفرات بحكم الموقع الاستراتيجي ومشاطئة لتلك الدول وهنا بات التهديد ملحوظ بين دولة المنبع ودول المصب والمجرى كما ان القلق يتصاعد في ظل ان 90 بالمئة من اعتماد الزراعة والصناعة يأتي عبر تدفق المياه من نهري دجلة والفرات.
واقع المياه
ان المشكلة باتت اكثر حراجة حينما يتعلق الامر بواقع المياه وتأثيرها على الامن الغذائي ويتسع الوضع خطوره حينما تكون العلاقة بين الدولتين العراق وتركيا بين المد والجزر في مناقشة ملف المياه (ملف الحياة) عبر العلاقات الثنائية مما يعطي انطباعاً بأن القادم ضبابي فيما يخص حل المشكلة ,وان الوضع بشكل عام يزداد حراجة حينما نعلم بحقيقة ازدياد السكان فضلا عن مايعكسه واقع التطورات التكنولوجية الاجتماعية التي تحتاج الى استخدام للمياه بشكل كبير مع محدودية وضئالة اي امكانية لتأمين حصص مائية عذبة للاستخدام البشري ويتسع نطاق الخطر حده حينما تصبح حقيقة ان تركيا تسيطر على نصف الحصص والنصف الباقي يقسم بين العراق وسوريا ان هكذا وضع يحتاج الى وقفة سيما وان تركيا قطعت شوطا في بناء السدود وعليه وبوقفه جدية على هذا المشروع فانه لايحتمل اي استهانة من حيث المبدأ لازراعة بلا ماء ولا امن غذائي بلا ماء ولاحياة بلا ماء وان الزراعة هي نفط دائم وان الماء هو شريان الحياة ولابد ان ينظر له من ابعاد مهمة جدا بعدا اقتصاديا وسياسيا وبعد يتعلق بالسيادة ومسؤولية الدولة في حفظ حياة المواطنين بكل متعلقاتها.
ولايختلف الحال مع ايران في موضوع المياه فنشاطها متزايد في بناء السدود الداخلة للعراق بما يحد من دخول المياه للعراق كون ان بناء تلك السدود يتم على الانهار الداخلة للعراق الى جانب قيامها بتحويل مسار بعض الانهار الى عمق اراضيها وشاهدنا في ذلك نهر الكارون وارتباطه المباشر بشط العرب ومن الجدير بالذكر ان الحصص المائية كانت تدخل للعراق بسلاسه فلا منشآت ولاسدود قبل اكثر من عقدين ولكونها في المحصلة تمثل نسبة 32% من اجمالي المياه الداخلة للعراق وفي ضوء ماتم الوقوف لديه فأن الموضوع يعكس مناقشة اخطر الملفات كونه ملف يتحكم بحياة العراق برمتها عبر السيطره الخارجية على هذا المورد لدول اخرى من خارج الحدود.
ان هذا الملف يحتاج الى مراجعة سريعة لادراك المسؤولية وببعدها الوطني الحكومي لما يتسبب عن ضعف التفاوض او تأجيله او الانغماس في امور اخرى الى كارثة حقيقية لكل العراق وعليه فان الحلول كثيرة اذا ما تم الرجوع الى الاسباب بشقيها الداخلية والخارجية في محاولة للمراجعة وايجاد سبيل للخروج من الازمة. ان من بين المشاكل هو موضوع التصحر المتفاقم الذي اجتاح مساحات كبيرة من الاراضي لتبلغ بحدود 45 بالمئة من اراضي العراق كذلك موضوع اعادة تأهيل الاهوار التي ترتب عنها حاجة الى توفير بما يقارب من 13 مليون متر مكعب من المياه بحكم الاستخدامات غير المناسبة لها الى جانب ان نوعية مياه الانهار في حالة تردي اوسع كلما تم التوجه نحو الجنوب بحكم تعاظم نسبة الاملاح الذائبة بالماء وبشكل كبير وقصور كميات المياه المطلوبة للاغراض الصناعية والمدنية والزراعية في ظل ان الحاجة تبلغ 66.8 بليون متر مكعب وان ماموجود هو اقل من ذلك بكثير جدا ولايقل الامر حراجة حينما يتعلق برداءة شبكات توزيع المياه وتهري شبكات الصرف الصحي في ظل افتقارها للتأهيل والصيانة وتسرب مايزيد عن 65 بالمئة من مخرجات تلك الشبكات لتصب بالانهار وما يترتب عنها من كوارث بيئية وصحية فضلا عن ذلك مايتعلق بعدم اهلية ادارة الموارد المائية بعد عام 2000 وتحديدا من حيث الخبرة والقدرة على المفاوضات حول حصة العراق الى جانب ان عمليات ومشاريع الري والبزل والصيانة لم تلق رعاية كافيه من قبل الوزارة الى جانب ذلك هنالك تحديات فنية تواجه الوزارة المعنية بوجود ترسبات طينية يتطلب كريها وتبلغ بحدود 20 مليون طن وتحتاج الى 217 مليار دينار ولكن تصطدم بمحدودية التخصسصات المالية ولايخرج عن ذلك ما لتخلف وسائل الري والطرق البدائية في الارواء في تزايد ازمة المياه وغياب الوعي بين المواطنين حول ترشيد الاستخدام ووجود متجاوزين على شبكات المياه لكافة المحافظات ولايخرج عن ذلك ايضا الوضع المناخي الذي يتمثل بقلة وشحة الامطار يرافق ذلك انخفاض الخزن المائي بحكم ان ما يصل الى العراق من المياه من دول الجوار قد بلغ اقل من 50 بالمئة مقارنة بما سبق.
تنوع الخيارات
وتماشياً مع ماتقدم فأن الحلول تتنوع في طروحاتها الا انها تلتقي في ضرورة الخروج من النفق وان المياه بحد ذاتها هنا ستكون سلاح للمعركة اذا لم نحسن ادارة الملف وتفويت الفرصة على المقابل ومن هنا فأن الخيارات تتنوع وتتعدد واولهما يجب ان يكون دور للخبرات العراقية المعنية بالموضوع من فنيين واستشاريين واكادميين فضلا عن الاستشاريين الاجانب والمنظمات الدولية ذات الصلة ،صيانة السدود القديمة بما يمضي سعات خزنية اوسع بعد تشخيص المشاكل الفنية التي تحول دون الزيادة وكذلك ينبغي ان تكون هنالك رؤية شمولية لايقاف هدر المياه بالتفكير جديا بأنشاء سدود حديثة ،مراعاة موضوع البحث والتطوير عبر اعتماد بنك للمعلومات والبحث في كيفية الاستفادة الجوفية فضلا عن اجراء التجارب الريادية في البحث عن مكامن مائية اخرى واعتماد التكنولوجيا المتطورة في ذلك ولايخرج عن ماتقدم من ضرورة لاعادة تأهيل المؤسسات المعنية وتطوير الكوادر الفنية والادارية ضمن برنامج خاص بما يؤهلهم في جانب منه للاستفادة من الموارد المائية لمعالجة الوضع المائي بجانب ذلك لابد من الاستفادة من المنظمات الدولية والاقليمية في مجال ادارة واستثمار الموارد المائية كل ذلك يقترن بضرورة البحث في مجالات تطوير الاساليب والطرق التي تقلل من الضائعات المالية ،وضع خطة ذات ابعاد عملية وعلمية للتعامل مع التغيرات المناخية العالمية واقعا ومستقبلا بما يأخذ بنظر الاعتبار التدفقات المائية وكيف يمكن مواجهة شحتها.
وانسجاما مع كل ماتقدم تبرز الحقيقة شاخصة بان العراق يواجه خطراً مايئا حقيقيا في الوضع الحاضر والمستقبلي بحكم ان دول الجوار ساعيه الى ان يكون الوضع حول ملف المياه كسلاح في المعركة وانها تسعى الى مقايضة الماء بالنفط في حسابات المختصين وان هذا الامر بحد ذاته هو محور تهديد بحكم طبيعة التعامل بين البلدين على وفق نظرية المد والجزر مما يتطلب وقفه جادة ومتفحصه ومهنية مع الدول ذات الصلة من باب التعاون الاقتصادي ومن باب ضرورة ان يدار الملف الحياتي هذا من قبل مختصين ومن طراز اول في اسلوب المفاوضات بالشكل الذي يجعل من الملف في جوانب تخص العراق سلاح فاعل سيما وان بامكان العراق ان يشجع الجانب التركي لزيادة الحصص المائية عبر التعاون في مجال حفظ سيادة الطرفين امنيا وغيرها من المواضيع الداعمة لسبل التعاون مع تركيا لتوفير المياه العذبة من حيث ان تركيا ستقوم بتزويد رسوم او ضريبة عن مرور المياه الخاصة بالمشاريع التي كانت تروم تركيا بتنفيذها ومنها مشروع نقل المياه من العراق الى الاردن ومثيله الى الكويت فضلا عن مشاريع تزويد المياه الى دول الخليج. نخلص مما تقدم ان خطورة الموقف تستلزم اعتماد المهنية ,على الصعيد الخارجي من حيث اعتماد اسلوب مهني في الضغط الدبلوماسي وبالوقوف على قوانين البلدان المتشاطئة بما يكفل ان يحصل العراق على حصص من المياه الداخلة اليه مستقبلا وضمن جدولة زمنية يتم الاتفاق مع الجانب التركي عليها في ظل اتفاقيات جديدة مع تركيا وقد يكون لاعادة النظر في حجم التبادل التجاري والانشطة الاقتصادية والتوجهات الاستثمارية لتركيا في العراق دوراً فاعلا في الضغط عليها لزيادة الحصص المائية واحترام حقوق البلد الذي كان ولازال مسوقا للمنتجات التركية وبلداً معنياً لاستثمارات وكذلك مايخص ايران ملف المياه هو ملف الحياة للعراق شعباً واقتصاداً ووجوداً وهو سلام تلك الدول مما يستوجب ان يكون سلاحنا اقتصادياً وتجارياً فيما يحقق للعراق امنه الغذائي ووجوده.
{ خبير اقتصادي
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً