- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الدولة العصرية.. الرؤيا والاستنتاج
بقلم: عمر البصراوي
مرور مدة ليست بالقليلة على انبثاق اي عملية سياسية تشهدها البلدان، كفيلة بأن تسمح بأخذها كمنهاج مدروس فيه الكثير من العبر، لتصحيح الاخطاء ان وجدت وايضاً لوضع آلية متناسبة تصحح مسارات الماضي.
هي أيضا تسمح بكشف الادوار التي مورست من قبل اي شخصية لاتمتلك مشروعاً سياسياً سوى التسقيط، لتحجيم دورها وعدم اشراكها في القرار السياسي المقبل، بهدف الوصول الى بناء دولة حقيقية تكون اهدافها واضحة المعالم ومطبقة فعلياً، وليكون العقد الاجتماعي الآني هو على رأس الهرم في البناء.
عملية بناء الدولة تكون بتقوية عمودها الفقري، الا وهو العملية السياسية والشراكة الحقيقية، ومن أهم الافكار التي يمكن اعتمادها في تلك المرحلة في العراق هو مفهوم "الدولة العصرية العادلة".. حيث تعود جذور هذا المفهوم الى الغرب خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، وهو متواصل الى يومنا هذا في بعض البلدان، فهو يهدف لتطوير متقدم لمفهوم الدولة الحديثة، وينمو مع مقومات الدولة الهائلة وثرواتها سواء في المجال الاقتصادي والجغرافي ام غيره.
فكرة الدولة العصرية العادلة تقوم على تحقيق دولة المؤسسات، مع النظر الى طبيعة التطورات الحاصلة في المشهد العام للبلاد، وتتجسد نواته في ''مبدأ المساواة'' الذي يؤدي بطبيعة الحال الى احترام سيادة الدولة وتقويتها، وتفعيل الشراكة الحقيقية في العمل السياسي لأنتاج دولة قوية وفعالة، ولعل ابرز ادوات الدولة العصرية ''الديمقراطية" كونها نظام ناجح لإدارة المجتمع ومختلف جوانب الحياة العامة .. ومن جانب اخر قد تشهد الدول في دساتيرها هكذا ادوات من هذا المفهوم، ولكنها لا تطبق اي تحتال على تطبيقها لأغراض اخرى.
وقد يصادف عدم قيام هذه الدولة لاسباب كثيرة منها ؛ الحجم الهائل من الخطاب التقسيمي ووسائل تكريسه في الشارع، والتخندقات التي تمتاز فيها بعض القوى وهو ما يطلق عليهم كمفهوم شائع بقوى ''اللادولة'' لسعيهم لتوسيع نفوذهم.
سبق أن طرحت هذه الفكرة في العراق وهي ليست حديثة العهد، وتم تبنيها عن طريق كيان سياسي شبابي، اخذ من تجارب الماضي مبرهناً على ان هنالك فشلا بنسبة ليست بالقليلة في ادارة السياسات العامة للبلاد، وبات ضروريا اتباع نهج جديد، ولكنه اصطدم بعقبات لاتعد ولاتحصى، فلم يطبق نهائياً بفعل التنافس والصراع بين القوى السياسية وفي داخل المجتمع العراقي نفسه في كافة المجالات.
تطبيق معيار الدولة العصرية العادلة في العراق لايتوقف عند حد طرح المفهوم فقط، وانما يحتاج الى تأسيس عقداً اجتماعي وسياسي جديد يكون متماشياً، مع متغيرات المرحلة الحالية وعلى اسس المواطنة والثبات، وافساح المجال للشباب وتمكينهم واخذ رأي ومزاج الجمهور حصراً، لان المرحلة الان اثبتت وجودها بفعل المتغيرات بأنها مختلفة عن ما مرت به البلاد في عام 2003.
من يقارن بين مفهوم ''الدولة العصرية العادلة'' ومفاهيم اخرى في عالم السياسة على سبيل المثال مفهوم ''الدولة الموازية'' للتوصل الى نتائج واضحة، ولمعرفة ايهما اصلح ان يطبق، في الاوضاع التي يعيشها العراق وايهما اقرب الى وجهة نظر الشارع العراقي، يعرف أن الدولة الموازية هي التي تنشئ في الدول الهشة، اي تكون هنالك دولة رسمية كمسمى فقط ومجاميع او قوى فعالة تختلف في نهجها وايدلوجيتها واسلوبها ورؤيتها عن الدولة الحقيقية، ولا تنفذ عما يصدر من الدولة وانما تنفذ مخططاتها وبرامجها وفي نفس الوقت تستخدم موارد الدولة الرسمية لدعم اهدافها وتحقيق ما تبنته، مما ينتج حالة من الفشل التام في ادارة الدولة، وهذا بعيد تماما عن مفاهيم الدولة العصرية العادلة التي تهدف الى العدالة الاجتماعية بصورة متماشية مع واقع الحال، اي الواقع هو من فرض نفسه وهذا بالتأكيد يعود الى قرار الشعب ومزاج الجمهور.
الدولة العادلة هي الواجهة المقبلة التي يمكن ان تطبق وسط التحديات والمخاطر، وان الدولة الموازية هي ظاهرة سلبية ولا يمكن اعتمادها في اي مرحلة يعيشها العراق سواء أكانت سابقة ام الان، لانها تتصف بتغليب المصلحة الشخصية على حساب الدولة والمجتمع.
هل يصعب أن نقرر الان الدولة التي نحتاج لبنائها، وأيهما الاصلح لنا؟
أقرأ ايضاً
- لماذا أدعو إلى إصلاح التعليم العالي؟ ..اصلاح التعليم العالي الطريق السليم لاصلاح الدولة
- إضحك مع الدولة العميقة
- العراق.. "أثر الفراشة" في إدارة الدولة