أياد السماوي
قد يتصوّر البعض أنّ مهمة إصلاح النظام السياسي القائم والعملية السياسية الجارية , تقتصر فقط على محاربة الفساد المستشري في مؤسسات الدولة ووزاراتها وإيقاف عملية السطو على المال العام الذي تقوم به أحزاب السلطة الفاسدة , التي توّلت إدارة البلد بعد سقوط النظام الديكتاتوري .. والحقيقة أنّ إصلاح الخلل في النظام السياسي القائم , يبدأ من خلال إعادة كتابة الدستور المليء بالتناقضات والألغام .. وهذا أمر مستحيل تماما ما لم تتغيّر التركيبة السياسية القائمة وقواعد اللعبة الانتخابية التي أرست قواعدها أحزاب السلطة الفاسدة .. وتغيير التركيبة السياسية الفاسدة , يبدأ من تغيير قواعد اللعبة الانتخابية بما يضمن إجراء انتخابات نزيهة وعادلة وشّفافة , فهي الضمانة الوحيدة للخلاص من المال السياسي والتزوير , وإصلاح العملية الانتخابية هو الركن الأهم في عملية الإصلاح والتغيير .. وحتى نصل إلى هذه الانتخابات النزيهة والخالية من التزوير , لا بدّ أولا من السيطرة على السلاح المنفلت وإنهاء وجود أي تشكيل مسلّح خارج سلطة الدولة .. فوجود التشكيلات المسلّحة والسلاح المنفلت والمال السياسي , لن ولن يؤدي إلى تحقيق انتخابات سليمة ونزيهة وخالية من التزوير .. وتجربة انتخابات 2018 شاهد على الدور الذي قامت به المليشيات المسلّحة من عملية تلاعب وتزوير كبرى في نتائج الانتخابات ... وإذا كان الإصلاح مستحيلا في ظل وجود السلاح المنفلت والمجاميع المسلّحة الخارجة عن سيطرة الدولة .. فإنّ وجود دولة الفساد العميقة التي بنتها أحزاب السلطة الفاسدة خلال السبعة عشر عاما المنصرمة , هي الاخرى تشّكلّ عائقا جدّيا أمام أي إصلاح سياسي , ومعركة إنهاء وجود دولة الفساد العميقة , لا تقلّ أهمية عن معركة حصر السلاح بيد الدولة وإنهاء الوجود المسلّح غير الخاضع لسلطة الدولة .. فدولة الفساد العميقة والسلاح المنفلت هما الحجر الأساس لفساد النظام السياسي القائم .. وربّ سائل يسأل ماذا نعني بمصطلح الدولة العميقة ؟ .. الدولة العميقة باختصار هي قلب الدولة النابض الذي يسيّر عمل مؤسسات الدولة والوزارات والحكومات المحلية .. هم وكلاء الوزراء ورؤساء الهيئات المستقلّة والمدراء العامون في الوزارات والحكومات المحلية .. فخلال السبعة عشر عاما أحكمت أحزاب السلطة سيطرتها على هذه الدرجات من خلال نظام المحاصصات الذي شّكلّ أساس النظام السياسي القائم .. والحديث عن أي إصلاح سياسي أو اقتصادي لن يأخذ طريقه إلى التنفيذ ما لم يتمّ إنهاء دولة الفساد العميقة وإعادة بناء مؤسسات الدولة وفق مبدأ الرجل المناسب في المكان المناسب الذي كان معمولا به في العراق الملكي وشطر من العراق الجمهوري وكلّ بلدان العالم المتقدّم .. وهذا يعني أنّ أمام رئيس الوزراء الحالي معركة لا تقلّ أهميّة وخطورة عن معركة نزع سلاح الجماعات المسلّحة غير الخاضعة لسلطة الدولة , بل أنّ معركة إنهاء وجود دولة الفساد العميقة هي الأخطر والأهم .. وإذا ما تمّ إعلان ساعة الصفر للبدء بإنهاء دولة الفساد العميقة , حينها سيكون لإحزاب الفساد كلام آخر مع رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي .. ولا استبعد أن تشهر هذه الأحزاب السلاح بوجه الدولة .. ومن يعتقد أن أحزاب الفساد سترفع الراية البيضاء وتستسلم للكاظمي أن يزيل سلطانها , فهو واهم وعليه إعادة حساباته .. باختصار شديد أنّ معركة الإصلاح السياسي ستفشل فشلا ذريعا ما لم ينتهي السلاح المنفلت وتزال دولة الفساد العميقة
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً