بقلم: عبد الكاظم حسن الجابري
للناصرية رمزية كبرى في خارطة الوجدان العراقي, فهي مهد الحضارات ونقطة انطلاق الكتابة والتدوين والنظم, وهي "عظم الريس" في حلق كل باغٍ ومعتدٍ, منها انطلقت الثورات وعلى يديها صُنعت الانتصارات. ثم ان الناصرية كانت رائدة في الفكر والتنوير والثقافة بكل ميادينها الشعرية والنثرية والمعرفية, وكانت رائدة السياسة ايضا, فمنها خمس رؤساء وزراء للعراق اخرهم الكاظمي, ومنها قادة ومؤسسين للأحزاب. كما ان في الناصرية مشايخ عموم كرام, لهم ثقلهم على المستوى العربي في رئاسة قبائلهم وفي كلمتهم المسموعة وعلو راياتهم العشائرية. هذا العمق التاريخي للناصرية جعل من البعث وعصابته ان يعمل عمله الشنيع في تغيير الفكر المجتمعي والانساني للناصرية, فعمل على تجهيل اهلها وتجويعهم, وجعلهم شتات منتشرون في بقاع الارض يكدحون لأجل لقمة العيش, وعمل البعثيون على صناعة رموز بعثية مرعبة من أهل الناصرية "تتصدر المشهد العراقي" فكان كثير من البعثيين الناصريين الذراع الايمن لصدام الجرذ, وكذلك عملت الاجهزة المخابراتية الصدامية لصناعة الحركات الدينية والفكرية المنحرفة, فكانت ايضا مدينتنا سباقة في احتضان هذا النوع من الحركات, وكل هذا العمل هو لطمس اي هوية حضارية وفكرية وانسانية للناصرية. بعد 2003 شهدت الناصرية نمو حركات سياسية مختلفة فيها, ورغم ان كل ابناء هذه الحركات هم من ابناء الناصرية, الا انهم وللأسف لم يتشاركوا لتطوير المدينة, واستمرت حركة التجهيل وتضييق الانتماء الى الحزب او التيار او الكتلة وعدم اعتبار الناصرية هي الانتماء الاول الجامع المانع لكل اهالي ذي قار. لذا جاءت الحكومات المحلية في اغلبها حكومات عرجاء, لم تستطيع ان تنهض بالناصرية الى مقام المدن المتطورة والمدن الناهضة. للأسف اصبحت ذي قار تتصدر نشرات الاخبار بكل ما هو سلبي, من حالات قطع الطرق واحراق الدوائر والاعتداء على موظفي الخدمة العامة, والى ما يحدث الان مع جائحة كورونا ونقص الاوكسجين, فان الناصرية غدت حديث القنوات بفشلها في ادارة الزمة وكثرة وفياتها وعدد اصاباتها. الناصرية اليوم تتطلب منا جهدا مجتمعيا اكثر من الجهد الحكومي, وعلى المشايخ الكرام وصفوة المجتمع من الوجهاء والمحسنين ان يتجهوا الى تشكيل مجلس حكماء يعيد " تأصيل الناصرية" وبث روح الانبعاث الحضاري والقيمي فيها, وابعاد ايادي الاحزاب والكتل عن التدخل في شؤون الخدمة العامة, وحماية موظفي القطاع العام من الاعتداءات المتكررة, وتشجيع افراد القطاع الخاص والتجار والمستثمرين ان يكونوا جزءا من مشروع الانبعاث الحضاري الذي قاري, والا فان الناصرية تتجه الى فتنة مجتمعية كبرى لا تحمد عقباها.
أقرأ ايضاً
- التأهيل اللاحق لمدمني المخدرات
- يرجى تصحيح المسار يا جماهير الكرة
- التكتيكات الإيرانيّة تُربِك منظومة الدفاعات الصهيو-أميركيّة