- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
دور المواطن الكربلائي في التاريخ
عباس الصباغ
الولاء الحسيني الحقيقي من الصفات التي ينماز بها الفرد الكربلائي ـ وعبر العصور ـ وبمنظومة من الصفات والقيم والمؤهلات والامكانات والتي انفرد بها عن غيره وتميز بها عنهم فاقترنت تلك المنظومة به واقترن بها ولم ينفك احدهما عن الاخر ، وهي صفات وان كانت موجودة ولو بنسب معينة عند الاخرين ( الشيعة) من خارج كربلاء ، الا انها مازالت تقترن بنسبة كبرى بالشخص الكربلائي تحديدا ، وهذه الصفات ومنظومة القيم والاخلاق والمبادئ هي اقرب الى هذا الشخص فما ان تذكر حتى يذكر معها وتنسب له والعكس صحيح وذلك لسببين الاول القرب المكاني (الجوار) فأهل كربلاء تشرفوا بمجاورة المرقد الحسيني المقدس وهي جنبة يُحسدون عليها ، وتسنى لهم ان يكحلوا عيونهم كل يوم بمرأى القباب الذهبية الشامخة لسيد الشهداء واخيه سيدنا ابي الفضل العباس (ع) ، والسبب الثاني هو توارث تلك المنظومة الخلقية والقيمية جيلا عن جيلا فجميع الاجيال الكربلائية ومنذ عصور سحيقة في القدم تتصف بهذه المنظومة وكلها تتشابه بذات المقاربات القيمية وحتى ان الاجيال الحالية بقيت صامدة بعض الشيء امام هجمات العولمة الشرسة الاتية من خارج الحدود وداخليا امام استفحال سيل موجات الهجرة والتهجير اليها والجالبة معها منظومات خلقية وقيمية وعرفية تختلف اختلافا كبيرا في بعضها عن منظومة الاخلاق والقيم الكربلائية المتوارثة وخاصة في العقود والسنين الاخير ولأسباب شتى، وطيلة العقود السابقة ومع تعدد الوانها السياسية وتباينها من النواحي السياسية والايدلوجية بقي الشخص الكربلائي ملتزما بتلك القيم والمبادئ وذلك الموروث القيم ولم يحد عنها.
ولقد ارتبطت القضية الحسينية والعاشورائية بالفرد الكربلائي ارتباطا وظيفيا وعضويا وثيقا وليس ارتباطا مكانيا طوبوغرافيا فقط بل كان ارتباطا عقائديا ووجدانيا ابستمولوجيا حميما ومرتبطا ارتباطا عضويا بملحمة عاشوراء التي بقيت حية في مخيلة جميع انحاء العالم بفضل احياء المواطن الكربلائي المستمر لها واليه يعود الفضل بذلك ، فما ان تذكر الطقوس والمراسيم المرتبطة بقضية عاشوراء حتى يذكر معها المواطن الكربلائي وهي تذكر معه ايضا في كل ملأ وناد فتلك الطقوس تعني الفرد الكربلائي والذي كونه شخصيا يعني تلك الطقوس ولاينفك عنها او تنفك هي عنه رغم مشاركة جميع الشيعة في جميع انحاء العالم بإحيائها وفي كل زمان ومكان الا انها ارتبطت ومازالت ترتبط به وبها ارتباطا عضويا فعالا وانا شخصيا كوني احد مواطني هذه المدينة المقدسة كنت اتعرض للسؤال التقليدي عن الحسين (ع) ورمزيته وعن عاشوراء وماتحمل من معان سامية ومحمولات رفيعة ، وعن كل مايتعلق بكربلاء الحسين وعاشوراء الطف وحسين الشهادة وذلك حين حينما التقي بغيري واكون خارج مدينتي فالجواب يكون منطلقا من الحسين ويعود اليه عليه السلام.
وحتى حيثيات تلك الطقوس والمراسيم فهي ترتبط بالمواطن الكلابلائي وتنتمي اليه حصرا ايضا فالشعر الحسيني كربلائي واساطينه كربلائيون واطواره كربلائية ومبدعوه كربلائيون بامتياز وصفة (الكربلائية / الكربلائيون ) لاتعني فقط المجال الطوبوغرافي او الانثروبولوجي الاثني بل هي متلازمة كربلاء الحسين / الفرد الكربلائي الحسيني ولاتعني الساكنين في كربلاء فقط والمنتمين اليها بالتوطين او المواطنة فقط ، فهذه الاطوار وان هي تختلف من مكان لاخر الا ان كربلائية المنشأ منها خاصة تبقى بنكهة خاصة به كالتي ابدعها شعراء كربلائيون بشكل خاص فلها قيمتها وطعمها الخاصان بها ، والامر ينطبق ايضا على العزاءات الحسينية التي تنطلق لغرض تقديم العزاء لمحمد وال محمد (ص) لتجوب شوارع وساحات المدينة المقدسة وفي سيناريو بانورامي وميلودرامي مفجع ومبكي ، ومن هذه العزاءات الحسينية عزاء ركضة طويريج المليونية الخالدة وطويريج هي جزء مهم من طوبوغرافية كربلاء واهاليها جزء مهم من النسيج السوسيولوجي الكربلائي وعشائرها تعد من اهم العشائر العربية الاصيلة فهذا العزاء له بصمته التي رسمها الشخص الكربلائي على مجمل الطقوس والمراسيم الحسينية المنتشرة في جميع انحاء العالم والمنطلقة من كربلاء الحسين والمبتدعة من الشخص الكربلائي فهو صاحب الامتياز وبراءة الاختراع والتميّز ، وقد اوردنا عزاء ركضة كأنموذج حي ومستمر لما نقول ولا اجافي الحقيقة في ما ادعي او ابالغ ، والاّ فالأمثلة كثيرة وحية ايضا (اقول حية كونها لم تنقرض طيلة الفترة التي حارب فيها النظام العفلقي البائد الطقوس الحسينية وحاول محوها من الوجود والذاكرة ولكنها انبعثت من جديد بعد سقوطه وارساله الى مزابل التاريخ كاي طاغية كان موقفه من الحسين (ع) والقضية الحسينية وماالمتوكل العباسي عنكم ببعيد ) ، ومن تلكم الامثلة الردات (الالحان / الاطوار) الحسينية التي تنشد مع الاشعار الحسينية في العزاءات او في جلسات اللطم والامر ينسحب على مسرحة القضية الحسينية وتمثيل بعض ثيماتها المرعبة من خلال التشابيه التي يحاول الكربلائيون ان يعطوا تصورا سيميائيا عن واقعة الطف واحداث ذالك اليوم يوم العاشر من محرم الحرام الدامي .
الاخلاق الكربلائية التي اتصف بها الفرد الكربلائي كانت ولم تزل منبثقة من بودقة الجوار (الحائري) للمرقد المقدس لسيد الشهداء اذ يتصف الكربلائي بالرزانة والوقار والحلم والطيبة المفرطة وعدم التفريط المناطقي والطائفي فبقي الكربلائي منفتحا على الجميع دون تحيز او عنصرية .
وللحديث عن الجانب الاجتماعي تتمة ان بقيت
أقرأ ايضاً
- دور الذكاء الاصطناعي في إجراءات التحقيق الجزائي
- رمزية السنوار ودوره في المعركة
- دور الاعلام القضائي في تحقيق الأمن القانوني